هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يبدو أن الهياج العدواني ضدَّ الإنساني الشامل، لدى الرئيس دونالد ترامب يستفحِل، ويرشِّحه إلى مَعزل يحميه ويحمي منه.. فقد تفاقم داؤه وعداؤه مؤخَّراً بعد ثلاث: العجز عن مواجهة "كورونا" وانعكاساته في بلاده وزعزعة الثقة فيه وفي شعاره "أمريكا أولاً" ـ اهتزاز مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً بوصفها القطب الدولي الحاكم سياسياً واقتصادياً، والقادر على إنجاد العالم عند الكوارث والجائحات، وتقدم الصين في ساحة منافستها على زعامة العالم ـ فوز خصمه "جو بايدن" بترشيح الحزب الديمقراطي لينافسه على الرئاسة في انتخابات 2020، وتماسك الديمقراطيين بعد انسحاب ساندرز لصالح بايدين ودعم أوباما للأخير.
ومن المؤسف أن تتحكَّم بأكبر دولة في العالم تملك زمام القوة والمال بحكم قدراتها النووية وفرضها الدولار "عملة العالم الرئيسة".. أن تتحكَّمَ بها إدارةٌ عنصرية على رأسها شخص محكوم بالصهيونية والنرجسية والعنجهية، يعادي الأقليات الدينية والعرقية والملونين في بلاده وفي العالم، ويمتص دماء الفقراء والضعفاء، ويستثمر في الإرهاب ويشعل الفتن، ويقوض كل جهد إنساني ـ أممي "صحي وثقافي وحَقَّاني" بتسييسه، ويحاول أن يدمر كل منظمة دولية تعمل في الحقل الصحي والثقافي والإنساني إن لم تكن خاضعة لعنصريته ومزاجيته ومصالحه ونزقه، وذلك كله ناتج عن بؤس روحي عميق لديه، وسيطرة المادية والأنانية والصهيونية عليه، والتزامه بمصالح من هم على شاكلته من تجار العقارات والأسلحة والدم والبؤس البشري.
من شبه المؤكد أنَّ عالَمَنا بعد هذا الوباء لن يكون كما كان قبله.. فلُطفاً بنا ورحمة لنا، في وقت فقدان قدرتنا على الشهيق والزفير، يا أيها "الزُّعماء العُظماء المولَعون بالعداء والإشْقاء."؟!
منذ بداية توليه الحكم اتخذ ترامب عدداً من القرارات والمواقف الصادمة ذات التأثير والدِّلالات والمخاطر الكبيرة "سياسياً واقتصادياً وأمنياً" على العالم، ولن أذكر من ذلك هنا إلَّا ما له تأثير ودِلالات غاية في السلبية "أخلاقياً"، مما يتصل بالبشري العام والحياتي والحيوي "صحياً وإنسانياً وحضارياً"، ومما أذكره وأذكِّر به، بالآتي:
1 ـ أَوقفَ تنفيذ قانون "الرعاية الصحية = أوباما كير" الذي وضعه سلَفُه، بأمر تنفيذي في تشرين الأول (أكتوبر) 2017.. وكان القانون يهدف إلى رعاية صحية تشمل 95% من الأمريكيين في عام 2019، وبذلك تضرر من القرار 14 مليوناً من الأمريكيين الفقراء، وفُقد الأمل بالوصول إلى الهدف الأعلى للرعاية الصحية الشاملة للأمريكيين بطبيعة الحال.
2 ـ أَعلن، بعنصرىَّة فاقعة، عداءَه للإسلام والمسلمين ومنعَ مواطني عدة دول عربية وإسلامية من دخول بلاده، وذمَّ الأفارقة بألفاظ غير لائقة وحَقَّرَهم، وأعاد للأذهان "العزل العنصري" بفوقية البيض على الملونين، وانحاز انحيازاً عنصرياً أعمى للإرهاب الصهيوني ووقف ضد الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.
3 ـ أَعلن بتاريخ 1/6/2017 أن الولايات المتحدة الأمريكية "ستكفُّ عن تنفيذ مضمون اتفاق باريس ـ اتفاق المناخ ـ ولن نلتزم بالقيود المالية والاقتصادية الشديدة التي يفرضها الاتفاق على بلادنا".. وانسحب من اتفاقية المناخ في 4/11/2019 معطلاً مقررات مؤتمر باريس بهذا الشأن، مقدِّماً ما يدعي أنه "مصلحة بلاده" التي هي أكثر من يلوث المناخ في العالم، على مصلحة البشرية كافة، مفاقماً بذلك الخطر الذي يتهدد العالم.
4 ـ قَرَّر انسحاب بلاده من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (الـيونسكو) اعتبارا من 31 كانون الأول/ ديسمبر 2017 احتجاجا على قرار منحها الفلسطينيين عضوية كاملة في المنظمة، متذرِّعاً بانحياز المنظمة ضد "إسرائيل"، كيان الإرهاب والعنصرية والاحتلال. وبطبيعة الحال قطع الاشتراك المالي والمساعدات عن منظمة تهتم بالشأن الثقافي والحضاري عالمياً.
5 ـ قَرَّر بتاريخ 31 آب/ أغسطس 2018، وقف التمويل كليًا عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) البالغ 365 مليون دولار سنوياً، وأَوقفَ مساعدات إغاثية وطبية وتنموية بقيمة 200 مليون دولار كان من المقرر صرفها في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2018 متابعة لسياسة "تصفيته لقضية فلسطين بصفقة القرن"، بالحصار والضغط وتجويع الشعب الفلسطيني بهدف تركيعه.
6 ـ في يوم الثلاثاء 14/4/2020 أعلن الرئيس ترامب عن وقف التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية. وهو تمويل يغطي 20% من موازنتها السنوية ويبلغ 800 ألف دولار سنوياً، وذلك بذريعة "انحياز المنظمة للصين" في موضوع عدم الإعلان عن وباء كورونا حين اكتشافه، وقال: "لو أنها أرسلت خبراء إلى الصين لتقييم الأوضاع على الأرض بمهنية، وأبرزت الشفافية، لكان بالإمكان السيطرة على تفشي الوباء في معقله بأعداد وفيات أقل"..
الوقت الآن ليس وقت المماحكات وتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية والزعاماتية، ولا هو وقت إشعال حروب الساسة والسياسات وتشتيت القوى البشرية بصنع الأزمات..
ويأتي هذا الموقف الأخير من إدارة ترامب ضد منظمة الصحة العالمية في ذروة الحاجة لدعم هذه المنظمة، وللتعاون الدولي بمواجهة الوباء، ودعوة الدول والشعوب لعدم تسييس "الجائحة".
وكل هذه المواقف، والموقف من منظمة الصحة العالمية في الذروة منها كانت وما زالت مواقف مُسْتَهْجَنة من الرئيس ترامب وإدارته، أدانها العالم واستنكرها مثل مواقف سياسية واقتصادية وأمنية أخرى له.
وحين نقف عند هذا الموقف الأخير، في الظروف الراهنة التي ينتشر فيها الوباء ويتساقط فيه ضحايا في كل بلدان العالم، ومنهم أطباء وطبيبات وممرضون وممرضات وعاملون وعاملات في المجال الصحي، يضحون بحياتهم لإنقاذ الناس ويعملون ليل نهار بمواجهة الوباء في أماكن خطره وانتشاره.. نُصْدَم بانعدام حس المسؤولية الإنسانية عند رئيس متورّم عنصرياً وإدارة تكشر بأنيابها بوجه الإنساني والصحي في زمن الوباء الذي يهدد البشر والاقتصاد، ونحتاج في مواجهته إلى التعاون والتكامل، وتقديم الدعم المالي للمنظمة الدولية المعنية بالصحة ولقطاع الصحة والعاملين فيه، وللفقراء والمعدمين، لا إلى تسييس الوباء وقطع المساعدات عن العاملين على مكافحته والمحتاجين إليها.
من المؤكد أن هناك جراحاً عميقةً تؤلم وتثير الصّراخ، وأسئلةً مشروعة تُطرَح بشيئٍ من الإلحاح، وحقائق ستظهر وينكشف عنها الغطاء، واتهامات من أطراف لأطراف وادعاءات ومنغِّصات.. لكن الوقت الآن ليس وقت المماحكات وتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية والزعاماتية، ولا هو وقت إشعال حروب الساسة والسياسات وتشتيت القوى البشرية بصنع الأزمات..
ومن المؤكد أنه ليس وقت إعلان "زعامة العالم، ولا إعلان ملكية دولة للقمر واستعدادها للدفاع عن ملكيتها تلك وعما تجلبه من ثروات الفضاء إلى الأرض بالسلاح النووي؟!.. كل ذلك سيحين وقته بعد القضاء على "الوباء = كورونا"، وسيقوم به من يبقون منا أحياء، وسيخوضون سجالات وصراعات وربما حروباً دامية ذميمة كعادة البشر.. ومن شبه المؤكد أنَّ عالَمَنا بعد هذا الوباء لن يكون كما كان قبله.. فلُطفاً بنا ورحمة لنا، في وقت فقدان قدرتنا على الشهيق والزفير، يا أيها "الزُّعماء العُظماء المولَعون بالعداء والإشْقاء."؟!