إلى ما قبل شهر آذار/ مارس 2020، كان من الصعب الحديث بشكل دقيق عن تضاد في الأجندات بين
السعودية والإمارات في الجزء الجنوبي الغربي من
اليمن، وبالتحديد في المثلث الذي تقع في قلبه مدينة عدن العاصمة السياسية المؤقتة للبلاد منذ آذار/ مارس 2015، لكن ذلك بات ممكنا اليوم ونحن نشهد
الإمارات وهي توقد لحرب محتملة ضد القوات السعودية في عدن بواسطة أدواتها الانفصالية.
لقد تعمدت الامارات إظهار انسحابها العسكري من عدن وكأنه تصرف مستقل وغير مرتبط بقائدة التحالف، وأرادت من خلاله أن تثبت أن معركتها في اليمن كانت منفصلة ومتعددة الأهداف، من خلال التأكيد على أنها كانت تقاتل ثلاثة أعداء، بينهم الإخوان المسلمون الذين تقصد بهم التجمع اليمني للإصلاح، والجيش الوطني الذي يحسب عمداً على هذا الحزب.
الموقف الإماراتي أبان عن طبيعة المأزق الذي تعيشه قائدة التحالف العربي في اليمن، في مستهل العام السادس من عمر التدخل العسكري لهذا التحالف الذي لم يعد تحالفاً، في الوقت الذي تزداد فيه التحديات المحدقة بالأمن القومي السعودي، ناهيك عن معالم الفشل المحتمل للمهمة العسكرية السعودية، والتي تتجلى في الأفق اليمني المضطرب، حيث تزداد القوى الفوضوية، ممثلة بجماعة الحوثي في الشمال والمجلس الانتقالي الجنوبي، نفوذاً وقدرة على البطش والإيذاء وعلى النيل من هيئة القوة العسكرية الإقليمية الكبيرة في المنطقة.
فالحوثيون كما
المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي والقوات التابعة له، يتشاركان هدف تدمير الدولة اليمنية والبناء عليها، مع اختلاف في الملامح النهائية لمشروعيهما، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن أبو ظبي استأجرت قسما من الحراك الجنوبي الموالي لإيران وأعادت إنتاجه في شكل تيار يتبنى بشكل سمج ومبالغ فيه؛ العقيدة العروبية، ويضع نفسه بيدقاً في يد الرياض وأبو ظبي اللتين لا هم لهما سوى مواجهة المد الإيراني في اليمن، بحسب الخطاب الإعلامي لكلا البلدين.
لكن عليّ أن أركز الآن على التطور الأخطر الذي حدث أمس السبت في عدن، وقدم برهاناً قوياً على تصادم الأجندتين الإماراتية والسعودية في جنوب غرب اليمن، وفي عدن تحديدأً.
فقد انفجرت عبوة ناسفة برتل من المدرعات السعودية، بحي إنماء الواقع بين مطار عدن والمعسكر الرئيس للتحالف غرب عدن، حيث يعتقد أن على متن تلك المدرعات كان يوجد قسم من المجندين الجدد الذين وصلوا حديثاً إلى مطار عدن بواسطة سلاح الجو السعودي، بعد أن تلقوا تدريباً في معسكرات سعودية.
الهجوم نُفذ بواسطة التنظيم الإرهابي السري الذي مارس عمليات قتل وتخريب واعتقالات وتغييب وقتل طيلة السنوات الماضية، وكانت جميعهاً تندرج ضمن الأجندة الإماراتية، وقد أراد منفذوه إنذار القوات السعودية بأنها قد تواجه وضعاً صعباً في عدن إذا ما قررت المضي في إحلال القوات الجديدة التي دربتها في أراضيها، محل القوات التابعة للمجلس في عدن وبالذات في حراسة المنشآت، بما في ذلك المنشآت الحيوية كمطار عدن ومينائها.
اكتسب الهجوم على المدرعات السعودية، أبعاده الجيوسياسية من التصريح الذي أطلقه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش قبل ساعات من تنفيذ هذا الهجوم، والذي دعا فيه إلى التنفيذ الفوري لاتفاق الرياض، مذيلاً بعبارة مبهمة، تتضمن تحذيراً من أن "الرهان والمراوغة ضد السعودية من قبل أحصنة طروادة ما هو إلا رهان حزبي انتهازي خائب وسيفشل".
ولعله كان يشير إلى جهود السعودية الرامية لإحلال قوات يمنية جديدة في عدن، بما يتسق مع متطلبات تنفيذ اتفاق الرياض، وهي إشارة تعيد تعيين التحديات التي تواجهها السعودية في عدن والتي تتطور في خطورتها لتصل حد إغراق الرياض في معركة موازية في عدن لا تقل شراسة عن تلك التي تخوضها مع
الحوثيين بمساعدة
الجيش الوطني في شمال البلاد.
في الواقع، هذا الهجوم هو ذروة التهديد الذي يوجهه المجلس الانتقالي للقوات السعودية، لكن سبقت هذا الهجوم سلسلةٌ من الأعمال خلال الشهرين الماضيين، والتي عبرت عن حالة استعداد حقيقية للتصادم مع القوات السعودية، في محافظتي عدن وأبين، شملت إطلاق تهديداتً باستهداف قائد القوات السعودية في عدن العميد مجاهد العتيبي، وشملت كذلك إحراق صور الملك سلمان في مطار عدن بالتزامن مع احتفال لتدشين أعمال التجديد في منشآت المطار الممولة من الحكومة السعودية.
التصعيد المنسق من قبل أدوات الإمارات في عدن كان قد شمل أيضاً تنظيم اعتصام أمام معسكر القوات السعودية الرئيس في عدن قبل نحو شهرين، جرى خلاله إطلاق شعارات مسيئة للسعودية، واتهامها بدعم الإرهاب، إلى جانب سلسلة من الخروقات التي استهدفت اتفاق الرياض وشملت تنفيذ هجمات على القوات الحكومية والاعتداء على مركبات تحمل مواد إنسانية مقدمة من السعودية ورفض تسليم الأسلحة وإعادة الانتشار وفقاً لما يقضي به اتفاق الرياض.
الخطوات السعودية في عدن تتسم بالهدوء وعدم الرغبة في التصادم، فقد واصلت نقل الجنود الذين دربتهم وجلهم ينتمي إلى مدينة عدن، وترسل إشارات بأن هؤلاء سيتولون حراسة المنشآت دون إصرار على تنفيذ مخطط الإحلال في مطار عدن، رغم أهمية وأولوية هذه الخطوة بالنسبة لتنفيذ اتفاق الرياض.
وأمام تصعيد قوات الانتقالي واستعراضاتها المتشنجة، أوعزت السعودية إلى القوات الحكومية تنظيم مناورة عسكرية بمدينة شقرة، وزيادة مستوى التحشيد للقوات الحكومية في أبين، للضغط على قوات الانفصاليين وردعها.
وفي شمال اليمن وبالتحديد في محافظة مأرب، صعد الطيران السعودي من تدخلاته في سير المعارك، وانفتحت الرياض بشكل كبير على الجيش الوطني وسمحت بتزويده بالأسلحة النوعية التي يبدو أنها سمحت بتحقيق انتصارات كبيرة صرواح، بل إن
الطيران زاد من طلعاته الحربية واستهدافه للحوثيين في الجزء الجنوبي الغربي من محافظة الجوف، وكلها مؤشرات تعكس قلق السعودية من خروج المعارك عن السيطرة.
وقد تكون مدفوعة بالشعور الحقيقي بغدر الحليف الذي زادت شماتة منظومته الإعلامية إثر تقدم مقاتلي الحوثي الأخير في الجوف وشرق صنعاء، وتزامن ذلك مع هجمات صاروخية حوثية استهدفت العمق السعودي، الأمر الذي ظهرت معه شماتة المنظومة الإعلامية الإماراتية غير مستساغة وفي غير محلها، في ظل هذه الارتدادات الخطيرة للمعركة المفتوحة مع الحوثيين، على السعودية نفسها.