هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الكافي جيوبوليتيكو" الإيطالية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على المشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي، التي عادت إلى الواجهة بسبب أزمة وباء كورونا وتأثير النفوذ الصيني على حدود القارة القديمة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه منذ اندلاع أزمة طوارئ فيروس كورونا عادت الهشاشة الأوروبية إلى البروز انطلاقا من القضايا الحاسمة المتعلقة بعدم اكتمال الاتحاد وانعدام التضامن وصولا إلى التنسيق بين أعضائه.
وباء كورونا: التضامن في حالة الطوارئ؟
وأوضحت أن هناك ثلاثة عوامل تؤثر بشكل كبير على القدرة على الاستجابة وإدارة الأزمة؛ مدى شدّتها، وحجم الأزمات التي تظهر في فترة زمنية محدودة، وتقلب الأسواق الدولية.
وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يواجه منذ أسابيع سلسلة أخرى من المشاكل الواسعة، وذلك بعد الأزمة المالية لسنة 2008-2009 والطبيعة الاستثنائية لظاهرة الهجرة لسنة 2015-2016. وتتمثل هذه المشاكل في حالة الطوارئ المتعلقة بهذا الفيروس، بالإضافة إلى عودة ضغوط الهجرة على الحدود بين تركيا واليونان وبلغاريا، والمفاوضات الصعبة بشأن الإطار المالي المتعدد والسياسة الزراعية المشتركة لسنوات 2021-2027.
وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، إلا أن العديد من الدول الأعضاء تعاملت مع تفشي العدوى في إيطاليا كذريعة لعزلها وليس كحليف لابد من تقديم المساعدة والدعم له بعد أن أغلقت الحدود وفرضت القيود على تصدير الأقنعة ومعدات الحماية الشخصية.
اقرأ أيضا: خبيران يفسران أسباب تفشي كورونا بإيطاليا.. والسلطات تحذر
ونوهت الصحيفة إلى أن رد فعل الدول الأوروبية أسفر عن نتيجتين، أولا شعور إيطاليا بالعزلة على نطاق واسع بلغ ذروته بالتصريحات الخرقاء التي أدلت بها رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، التي تسببت في اضطرابات شديدة في الأسواق المالية.
أما النتيجة الثانية، فهي الإعلان عن حالة الطوارئ بسبب انتشار العدوى سريعا في الدول الأعضاء الأخرى، التي اضطرت بدورها إلى اتخاذ إجراءات طارئة في الوقت الذي كان بإمكانها فيه أخذ التجربة الإيطالية كمثال. ومن الواضح أن هذا الأمر سيؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية فادحة وواسعة النطاق إلى درجة أن المفوضية الأوروبية قالت إنها تتوقع ركودًا كاملا في الاتحاد الأوروبي.
الظّلال الصينية: إعادة كتابة التاريخ؟
ومقابل ضعف التنسيق بين الدول الأوروبية، أطلقت الصين من جهتها دعاية عميقة وإجراءات تضليل فيما يتعلق بالفيروس. فمن ناحية، بدأت باتهام الولايات المتحدة ونشرت نظريات المؤامرة الغريبة. ومن ناحية أخرى، وقع الإشادة بـ "نموذج ووهان"، مع تجاهل الطرق القسرية الوحشية المستخدمة لاحتواء الوباء. وبهذه الطريقة، تحاول بكين أن تقدم نفسها كدولة تضامن وتعاون، مما يحجب الاستجابات الفعالة للدول الديمقراطية مثل كوريا الجنوبية.
وأشارت الصحيفة إلى النقاط التي لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار وهي أن السياسة الدولية نادرًا ما تتضمن أي فجوات، وأن مبدأ الصين الاستراتيجي يستند إلى فكرة مفادها أن كل بُعد يشكل ساحة معركة. وبناء على ذلك، يكمن الخطر في أن تستغل بكين سردها لمزيد توسيع نفوذها في الدول التي تقدم لها المساعدات.
فعلى سبيل المثال، اقترحت شركة "هواوي" بالفعل تقديم المساعدة إلى إيطاليا في القطاع الصحي من خلال إتاحة خدمات تكنولوجيا المعلومات. وهذا يعني أن الشركات الصينية ليست مجرد جهات فاعلة اقتصادية، خاصة في القطاعات الأكثر أهمية، وإنما هي ملزمة أيضا بالمساهمة في المصلحة والاستراتيجية الوطنية.
الاتحاد الأوروبي: من النظرية إلى الشلل
وأوردت الصحيفة أن الدول والأفراد ليست جزرًا معزولة، بل ترتبط ببعضها البعض بطريقة هرمية غير رسمية، حيث أن بعضها أكثر تأثيرًا أو قوة من البقية. ويترتب عن ذلك أن بعض الدول تميل إلى إنشاء تحالفات أكثر أو أقل صلابة من أجل تسوية علاقات القوة التي ترى أنها غير مواتية.
اقرأ أيضا: ديلي بيست: كيف أدى فيروس كورونا إلى انقسام أوروبا؟
لكن هذه المفاهيم الأساسية للعلاقات الدولية فُندت مرارًا وتكرارًا، ويتجلى ذلك في السياسة الأوروبية، إلى جانب التخفيض التدريجي للتأثير الاقتصادي والديمغرافي والعسكري على المستوى العالمي، وصعوبات الانتقال من الانفرادية الأمريكية إلى عصر ديناميكي ومترابط، ومشكلة الجمع بين مخاطر وفرص التقنيات الجديدة مع النقاش السياسي المؤسسي؛ وغالبًا ما كانت المصالح الخاصة للدول الأعضاء تطغى على حساب التعاون الداخلي لمواجهة التحديات المشتركة.
وأفادت الصحيفة بأن الاتحاد الأوروبي لا يزال أقل صلابة وكفاءة، ويرزح تحت رحمة التوترات بين الدول الأعضاء والاختراقات التي لا تزال قائمة وخطيرة من قبل دول خارجية على رأسها الصين وروسيا. في مواجهة هذه الحالة الطارئة التي تشهدها القارة في خضم تفشي وباء كورونا، التي لا تحترم الحدود السياسية أو المناطق الجغرافية، ستجد الدول الأعضاء نفسها أمام معضلات صعبة تهدد مستقبل الاتحاد.
تغيير أوروبي
وأكدت الصحيفة بأنه رغم كل هذه التحديات يمكن رؤية بعض بوادر الأمل التي تلوح في الأفق. فبعد الخروج غير الحذر لرئيسة البنك المركزي الأوروبي لاغارد، أكدت المفوضية الأوروبية بقيادة فون دير لاين أنها ستتخذ جميع التدابير اللازمة لدعم الدول الأعضاء واقتصاداتها والنظم الصحية. كما تستعد المؤسسات الأوروبية لإجراء سلسلة من التدخلات لمجابهة تأثير الوباء على الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك اقتراح حظر الرحلات الجوية "غير الضرورية" إلى أوروبا).
وفي الختام، ترى الصحيفة أن الأيام القادمة تمثل اختبارا حقيقيا لنضج الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الذي سينتهي إما بعودتها القوية إلى الساحة الدولية من خلال لعب دور رئيسي، أو مواصلة الانحدار الذي يستمر منذ سنوات.