هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلها أندرو إنغلاند، يشير فيه إلى التنافس الإقليمي على ليبيا، وأثره في تغذية الحرب الأهلية فيها.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن فصيلين يتقاتلان من أجل السيطرة على البلاد وسط حرب بالوكالة وبمشاركة أوروبية.
ويبدأ إنغلاند تقريره بالحديث عن سيارات "البكب" التي كانت تسير بسرعة وتعود إلى كتيبة الأخوة، وفي طريقها حطام سيارات ومحلات مغلقة وبنايات مدمرة، مشيرا إلى أنه عند وصولهم إلى الجبهة فإن الرجال يتمركزون في بيوت مهجورة، في وقت اندلع فيه صوت إطلاق النار المتفرق في الحي الذي كان ذات مرة صاخبا في الحياة، وحولته الحرب والمناطق المحيطة بالعاصمة إلى منطقة عسكرية.
وتذكر الصحيفة أن قائد الفرقة الكابتن محمد مختار أشار باتجاه المقاتلين الأعداء الموالين للجنرال خليفة حفتر، الذي يقود حملة ضد العاصمة طرابلس وعلق في رمالها وقريبا من عين زارة، قائلا: "كانت (الجبهة) هادئة لبعض الوقت، لكننا نخشى مما سيحدث لاحقا.. سيحاول العدو التقدم نحو طرابلس مرة أخرى".
ويلفت التقرير إلى أن المقاتلين التابعين لحفتر ليسوا هم مصدر قلقه الوحيد، فمن بين المقاتلين إلى جانب أمير الحرب، مرتزقة من شركة "واغنر" الروسية، ولديهم قناصة، مشيرا إلى قول مختار: "لقد أحضروا معهم جنجويد (مرتزقة من السودان) والروس لقتل إخوانهم الليبيين، ولماذا يفعلون هذا؟".
ويقول الكاتب إنه مثل بقية الليبيين، فإن المقاتل البالغ من العمر 30 عاما يخشى من تصاعد عملية "تدويل" للصراع الذي مضى عليه عشرة أعوام تقريبا، فخلف الجنرال حفتر، الذي يسيطر على شرقي ليبيا، الإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا ويحظى بدعم سياسي من فرنسا، وعلى الجانب الآخر، تقف تركيا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني في طرابلس التي يقاتل الكابتن مختار من أجلها.
وتنوه الصحيفة إلى أن معظم الليبيين يعتقدون أن هذه هي الدول التي ستقرر مسار النزاع ووقفه، وسط تحذيرات من تورط اللاعبين في حرب بالوكالة مستعصية وطويلة الأمد ويتردد صداها من الساحل إلى شمال أفريقيا والبحر المتوسط.
ويفيد التقرير بأن التطورات الأخيرة أشعلت التوتر بين أنصار حفتر وتركيا، التي ينظر إليها في الرياض وأبو ظبي والقاهرة على أنها قوة تهدد الاستقرار في المنطقة وداعمة للإسلاميين، مشيرا إلى أن ليبيا أصبحت ساحة صراع بين هذه الدول المتنافسة، تاركة وراءها الأثر القاتل.
ويشير إنغلاند إلى أن الليبيين يقدمون عددا من الأسباب التي دعت القوى الخارجية للتدخل في بلادهم، من رغبتها في توسيع تأثيرها، إلى السيطرة على مراكز النفط والثروة في البلاد، لافتا إلى قول وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا: "المشكلة هي ليست فقط في ليبيا.. نسبة 20% يمكن لليبيين حلها، لكن 80% هي من الدول الخارجية المتورطة في ليبيا".
وتلفت الصحيفة إلى أن السنوات التي تبعت الإطاحة بمعمر القذافي اتسمت بتحول البلاد إلى أرضية خصبة للعصابات الإجرامية ومهربي البشر الذين يتصيدون اللاجئين الباحثين عن فرصة للهجرة، مشيرة إلى مقتل أكثر من ألفي ليبي منذ الجولة الأخيرة من القتال، وتشريد أكثر من 150 ألف مدني في المناطق القريبة من عين زارة.
ويفيد التقرير بأن دينامية الحرب تحولت منذ كانون الثاني/ يناير، ومنذ التدخل العسكري التركي بناء على طلب من حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، لافتا إلى أن المرتزقة الروس التابعين لشركة "واغنر"، والطائرات دون طيار المصنعة في الصين، التي قدمتها لحفتر الإمارات العربية المتحدة، كان لهما دورا في ترجيح كفة الميزان لصالح الجنرال حفتر.
ويذكر الكاتب أن أنقرة نشرت عددا من المستشارين العسكريين والدبابات ومعدات أخرى، بحسب ما يقوله دبلوماسيون ليبيون، مشيرا إلى أن تركيا قدمت نظاما دفاعيا جويا لتغطية منطقة تسيطر عليها الحكومة من الزاوية في غرب البلاد إلى مصراتة، شرقي العاصمة، وهو ما حيد التهديد الذي تمثله القوات التابعة لحفتر.
وتنوه الصحيفة إلى أن تركيا أكدت أن قواتها ليست من أجل المشاركة في العمليات القتالية، إلا أن أنقرة أرسلت مقاتلين سوريين من التركمان، ما أضاف إلى المزيج من القوى الأجنبية التي تساهم في القتال الدائر في البلاد، مشيرة إلى أن المقاتلين بدأوا في الوصول إلى ليبيا في كانون الأول/ ديسمبر، فوصل ما يقدر عددهم بـ3 آلاف مقاتل.
وبحسب التقرير، فإن رسالة أنقرة إلى الجنرال حفتر وداعميه كانت واضحة، وهي: لن نسمح بسقوط حكومة طرابلس، مشيرا إلى أن التدخل التركي أدى إلى حراك دبلوماسي، وحاولت تركيا وروسيا في كانون الثاني/ يناير دفع طرفي النزاع لتوقيع اتفاق وقف إطلاق للنار، إلا أن المحاولة فشلت بعدما غادر حفتر العاصمة الروسية دون توقيع الاتفاق.
ويقول إنغلاند إن ألمانيا استضافت بعد أيام مؤتمرا دوليا لحل الازمة الليبية، ودعا المشاركون لوقف إطلاق النار ووقف التدخل الخارجي، مشيرا إلى أنه بدلا من ذلك فإن أسلحة أكثر تدفقت إلى ليبيا، حيث قامت القوى الخارجية بدعم جماعاتها الوكيلة.
وتشير الصحيفة إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريش، وصف ما يجري في ليبيا بـ"الفضيحة"، فيما قال المبعوث الدولي لليبيا، غسان سلامة، إن طرفي النزاع في البلاد استفادا من "وصول الأسلحة الجديدة، وأنواع جديدة من الأسلحة والذخائر، ووصول أعداد من المقاتلين الأجانب".
ويلفت التقرير إلى أن الأمم المتحدة تواصل الدفع نحو الحل الدبلوماسي، والتقت لجنة عسكرية تتكون من أعضاء الجانبين المتحاربين هذا الشهر، مستدركا بأن فشل المبادرات السابقة، وزيادة وصول الأسلحة، وعدم الثقة بين الطرفين، وتاريخ حفتر في ازدرائه للدبلوماسية، تعني أن قلة في طرابلس تعول على حل سريع.
ويذكر الكاتب أن الحكومة في طرابلس أوقفت الأسبوع الماضي المحادثات مع حفتر، بعدما قصفت قواته المطار الوحيد في العاصمة، وقتلت ثلاثة أشخاص، لافتا إلى قول وزير الداخلية باشاغا: "لا يستطيع حفتر التوقف لأن مشروعه قائم على الحكم من خلال الدبابات والمدافع"، وأضاف: "هذا استثمار كبير لحفتر وللإمارات، ولا يمكنهم التوقف عن الحرب".
وتجد الصحيفة أن التدخل التركي أدى إلى تشدد فصائل موالية للسراج، ولم تعد مستعدة للحوار مع حفتر.
وينقل التقرير عن رئيس المجلس الأعلى للدولة، الذي يعد هيئة استشارية لإدارة طرابلس، خالد المشري، قوله: "لم يعد (حفتر) يسيطر على الجو، وأعتقد أننا تحركنا من الدفاع إلى الهجوم، ونؤكد في الوقت ذاته أهمية الحل السياسي الذي لا يشمل حفتر"، وأضاف: "بدأ السراج ضعيفا لكنه في وضع أفضل الآن، وتعلم مع مرور الوقت، ووثق في الماضي بحفتر، أما اليوم فلم يعد يثق به".
ويقول إنغلاند: "تبدو الحياة عادية في العاصمة طرابلس، حيث المحلات حافلة بالمواد والمقاهي مزدحمة بالرواد، فيما يحصل المواطنون على دعم من الحكومة، التي تشغل 1.8 مليون نسمة من 6.5 مليون نسمة، لكن عرقلة أنصار حفتر لتصدير النفط، الذي يعد شريان الحياة للاقتصاد الليبي، تعني أن الاقتصاد قد يتدهور بسبب توقف عمليات تصدير النفط، وهذا كله أدى إلى خسارة البلد 2.1 مليار دولار من عوائد النفط، وتبدو حالة الإحباط واضحة بين السكان".
وتورد الصحيفة نقلا عن المسؤول الصحي مالك، قوله: "نحتاج إلى حكومة قوية، لكنها ضعيفة، وقد تحطم كل شيء، ونبدأ مرة أخرى من الصفر"، وأضاف: "هذه لعبة العروش، فكل واحد في ليبيا يريد كرسيا، المال والسلاح والنفط، وهذا مثل المافيا"، مشيرة إلى أن مالك يعمل في مستشفى ميداني يقع في جنوبي العاصمة، حيث يعيش السكان تحت تهديد الصواريخ اليومي، فيما تم ضرب البيوت والمصانع والمحلات إلى جانب المطار.
وينقل التقرير عن محمد الدعاس الذي استيقظ هو وعائلته على صوت انفجار بسبب قذيفة صاروخية ضربت بيتهم: "ترى بنفسك هذه سيارات عادية في الشارع، فلماذا يهاجمونا"، وعبر هو وجاره اللذان كانا يتفقدان آثار الضربات من غضبهم على حفتر، وقال: "الناس الذين يعيشون في هذه الظروف لا يستطيعون عمل أي شيء، ونشعر بالخوف من القنابل.. في برلين، كان بإمكانهم وقف هذا، ولا تريد فرنسا وقف هذه الحرب، والإمارات لا تريد وقفها".
ويفيد الكاتب بأن الكثيرين يربطون التدخل الخارجي في ليبيا بعملية الناتو التي أنهت حكم القذافي، لكنها تركت الشعب الليبي وحيدا يواجه دولة عاشت 40 عاما من الديكتاتورية، مشيرا إلى أن الفصائل تحاربت على النفوذ، ورسم كل فصيل منطقة نفوذه الخاصة، فيما تسابقت دول المنطقة على دعم كل فصيل.
وتنوه الصحيفة إلى أن التنافس زاد بين الفصائل بعد انتخابات فاشلة عام 2014، التي عمقت الانقسام، فيما أعلن حفتر عن حملة في شرق ليبيا، وسيطر على بنغازي، وقدم نفسه في السنوات اللاحقة على أنه محارب ضد التطرف "الإسلامي"، وهو ما ضرب على وتر حساس لدى داعميه في الإمارات ومصر وفرنسا، مشيرة إلى أن نقاده يصفونه بالشرس الذي يتصرف كالقذافي.
وبحسب التقرير، فإن المسؤولين في طرابلس يعترفون بمظاهر القلق المصري من الجارة غير المستقرة، مستدركا بأن دعم القاهرة لحفتر يعكس رغبة لدى الأنظمة العربية لدعم الرجل القوي، وعادة تحت شعار سحق الحركات الإسلامية وتوفير الأمن والاستقرار.
ويبين إنغلاند أن "تدخل الإمارات في ليبيا هو تعبير عن سياسة حاسمة تبنتها في مرحلة ما بعد الربيع العربي عام 2011، أما روسيا، التي كانت صديقة للقذافي، فيعكس دعمها لحفتر رغبة في استعادة التأثير، وقامت بطباعة مليارات الدنانير الليبية لدعم حفتر، فيما وجد خطابه المعادي للإسلاميين صدى في البيت الأبيض، فاتصل به الرئيس دونالد ترامب، واستقبلته باريس في قصر الإليزيه، ودعمته الحكومة الفرنسية علنا".
وتذكر الصحيفة أن الحكومة في طرابلس اكتشفت بعد أشهر وصول صواريخ جافلين، أمريكية الصنع، إلى حفتر، فيما قال دبلوماسي أجنبي إن "الفرنسيين يرونه قادما"، لافتة إلى أنه في الوقت الذي انتقدت فيه واشنطن الدور التركي والروسي في ليبيا، إلا أنها التزمت بالصمت حيال تدفق السلاح من الدول العربية، خاصة من الإمارات ومصر.
وينقل التقرير عن مسؤول عربي، قوله إن الدعم لحفتر نابع من مخاوف وصول المتطرفين الإسلاميين، خاصة الإخوان المسلمين إلى الثروة النفطية، وأضاف: "لن نسمح لتركيا بأن تنشئ موطئ قدم لها في قضية عربية، ولن نقبل بحرف تركيا ميزان القوة في قضية إقليمية".
ويورد الكاتب نقلا عن المسؤولين في طرابلس، قولهم إن حكومة الوفاق طلبت دعما من تركيا بعد رفض أوروبا وأمريكا دعمها، ووافقت أنقرة بعد حصولها على حقوق التنقيب في البحر المتوسط، مستدركا بأن ثمن التدخل يتزايد لتركيا بعد اعتراف أردوغان بسقوط أول جندي تركي في ليبيا.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المسؤولين في العاصمة يرفضون ما يقولون إنها مبالغات حول تحول الغرب الليبي إلى ساحة للمتطرفين، لكن حكومة السراج تعاني من أزمة مصداقية منذ إنشائها عام 2015.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)