كلما ذكر المسجد الأقصى يحضر الشيخ
رائد صلاح، فلم يقترن المكان طوال عقدين كما اقترن باسمه، وكأحد أبرز قيادات الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر في
فلسطين 48. تعرض مع حركته لمحاولات الشطب والإلغاء والمطاردة والتقييد، ومواجهة القوانين العنصرية والسجن، كباقي الحركات والشخصيات الوطنية والاسلامية داخل فلسطين 48 التي تواجه العنصرية الصهيونية، وعمليات التهويد المستمر للأرض والمقدسات. تتم محاكمة الرموز والشخصيات الوطنية لترهيب أصحاب الأرض الأصليين ولثنيهم عن الصمود في المواجهة المستمرة للاحتلال وسياسته الاستعمارية منذ سبعة عقود.
الحكم مجدداً على الشيخ رائد صلاح بالسجن الفعلي 28 شهراً، بعد فترة من إطلاق سراحه المشروط بالحبس المنزلي وتقييد حركته، غير منفصل عن بقية الأحكام الجائرة التي يتفتق العقل الصهيوني بابتكارها لكل من يساهم في صقل وعي أبناء الأرض وأصحابها للحفاظ على انتمائهم للهوية الوطنية والعربية. فالأحكام والقوانين الصهيونية العنصرية تطاردهم منذ سبعة عقود، وتحاصر أمانيهم وتحاول طمسها وإذابتها لحدود المطالب اليومية الملحقة بالدوائر الصهيونية، وتغييب قضيتهم الوطنية والسياسية المتعلقة بحقهم في أرضهم وتمثيلها، كانت تلك أحد المعارك المهمة والمستمرة حتى يومنا هذا في الداخل الفلسطيني.
غياب التفاعل المؤثر مع قضايا الحركة الوطنية في فلسطين 48، يبرز مع كل حادثة اعتداء على الأرض ومع عمليات الهدم لمنازل الفلسطينيين، وتفشي الجريمة واستمرار عمليات التهويد وطمس الهوية، وشيطنة رموز العمل الوطني تمهيداً للملاحقة "الأمنية والقضائية" ولإخراس صوتهم الذي أعاد الاعتبار لمكانتهم كجزء اساسي من قضية النكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ولا يمكن الفصل اليوم بين ما يتعرض له الشيخ رائد صلاح، وبين ما تعرض له خطيب الأقصى قبل أسابيع لقانون عنصري يبعدهُ عن الأقصى، أو بين محاولات شطب نواب التجمع " هبة يزبك"، وملاحقة الحركة الاسلامية وبقية الأحزاب والكوادر في الداخل الفلسطيني، الكل مستهدف والكل يعلم مجمل القوانين والإجراءات العدوانية التي تعرض لها سابقاً كل من الدكتور بشارة وجمال زحالقة وحنين زعبي، ونشطاء التجمع وبقية الحركة الوطنية.
وإذا ابتعدنا قليلاً عن تعداد القوانين العنصرية التي خبرها أصحاب الأرض، تبرز الأسئلة القائمة عن إسقاط قضايا أصحاب الأرض من الأجندة الرسمية لسلطة استخدمت قضيتهم على مدار عقود كمادة استعمالية، وصولاً لأوسلو الذي أخلى المسؤولية المطلقة عن جوهر قضاياهم التي تُمثل جوهر الصراع على الأرض والمقدسات والتاريخ والهوية، حتى بات المسؤول الفلسطيني يصاب بنفس الصداع الذي يصيب المؤسسة الصهيونية إذا برز مخلب الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني. هذا الكلام لا يحمل أي تجن على السياسة الرسمية الفلسطينية، ولو أن الحركة الوطنية لا تعول كثيراً على أداء ومهام السلطة في تحمل قضايا مجتمع أصحاب الأرض باعتبارهم "مسألة
إسرائيلية" داخلية من وجهة نظر من أبرم اتفاق أوسلو، والذي حمل تخليا عربيا عن قضيتهم، وكان بالأساس غير ملتفت بتاتاً لمن صمد وما زال فوق أرضه ويُنظر له من العين الإسرائيلية.
تحضر قضية أصحاب الأرض في الذهنية الرسمية الفلسطينية، وخلفها العربية الإسرائيلية، بين السعي لاحتواء ما يسمونه "تجمعات سكنية" قابلة للمقايضة، وبين الرغبة المتأججة لطردهم لخارج الحوزة الجغرافية والبشرية للمشروع الصهيوني الذي لا يقبل الحلول الوسط، لأن مرتكزاته تقوم على نفي الآخر مادياً وتاريخياً وجغرافياً. وهذا تتحد عليه صهيونية الليكود وأزرق أبيض، أو أي معسكر يتم الرهان عليه في صيغ الدمج والمساواة التي تنتج ما اصطلح عليه "الأسرلة".
إخراج قضية الشيخ رائد صلاح أو هبة يزبك وقبلهما زحالقة وبشارة وبركة، أو مجمل القضايا التي يواجهها أصحاب الأرض وسكانها الأصليين، من قضية الصراع مع المؤسسة الصهيونية، هو لإغلاق الأبواب تماماً أمام أي دور يمكن أن تلعبه هذه القوى بشأن قضاياها، وسيرة المجتمع الفلسطيني في الداخل، هي سيرة القضية كلها وجذر النكبة. فاللاجئون ونسلهم المتشظي والمشتت ليس رقماً يقال عنه 13 مليونا "يمكنك" التحدث باسمهم، وتصمت عن كل ما يتعرضون له فوق الأرض وفي الشتات، من القدس، وأم الفحم والناصرة وشعفاط والجليل واليرموك وعمان وبرج البراجنة، إلى زنازين الأسد والسيسي وابن سلمان وكل الفروع العربية، لأن أهل فلسطين هم سيرة الأرض لا أرقامها، وتقدم السيرة جواباً سحرياً لسؤال السلطة "أروح لمين وأشكي لمين"؟.. لشعبكم، فبدونه كل الأسلحة خلبية.