هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلها آدم تايلور، يقول فيه إنه في الوقت الذي تشهد فيه واشنطن إجراءات محاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن هناك كارثة إنسانية تتكشف فصولها في سوريا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الأزمة في إدلب، التي تهدد بأن تكون من بين الأسوأ في الحرب الأهلية التي امتدت لتسع سنوات، هي تذكير بأن الحرب السورية لم تختف وهي قابلة لأن تصبح أسوأ.
ويلفت تايلور إلى أن إدلب، التي تقع على الحدود السورية الشمالية الغربية مع تركيا، تضم آخر المناطق التي يسيطر عليها الثوار، مشيرا إلى أن رئيس النظام السوري بشار الأسد يحاول أن يأخذها بالقوة الغاشمة.
وتقول الصحيفة إن تركيا، التي تدعم الثوار المعارضين للأسد، تقف ضد ذلك، مشيرة إلى أن التوتر تحول في الأيام الأخيرة إلى عنف، وقالت وزارة الدفاع التركية يوم الاثنين بأن سبعة جنود أتراك ومدنيا تركيا قتلوا في إدلب في القصف السوري.
ويفيد التقرير بأنه ردا على ذلك شنت القوات التركية عملية قالت إنها قتلت فيها 76 جنديا سوريا، وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يوم الأربعاء من المزيد من الأعمال الحربية إن لم تتراجع القوات السورية عن مواقع المراقبة التركية في إدلب، مشيرا إلى أن هذا الاشتباك حدث بالقرب من بلدة سراقب.
وينوه الكاتب إلى أن سميح إديز كتب في موقع "المونيتور" بأن اردوغان قال في البرلمان في أنقرة بأنه إن لم تتراجع القوات السورية "فإن تركيا ستضطر إلى السيطرة.. فتركيا وروسيا في الواقع في حالة حرب غير معلنة اليوم".
وتجد الصحيفة أنه في حال وقوع حرب سورية تركية شاملة فإنها ستشكل فوضى جيو سياسية كاملة، فسوريا الأسد متحالفة مع إيران، ودخول تركيا إلى إدلب تم بدعم من الطيران الروسي، وهو ما وضع علاقة أردوغان بطهران وموسكو تحت مزيد من الضغط.
وبحسب التقرير، فإن هناك أيضا حقيقة مزعجة أخرى، وهي أن تركيا حليفة لأمريكا، وتخزن فيها حوالي 50 قنبلة نووية أمريكية على بعد 250 ميلا من الحدود السورية، وهي أيضا عضوة في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو ما يعني أن أمريكا وكندا وكثيرا من البلدان الأوروبية ملتزمة بحمايتها إن تمت مهاجمتها.
ويستدرك تايلور بأنه رغم هذا كله فإن أكبر تأثير للحرب الآن هو على المدنيين في إدلب، بينهم الكثير من النساء والأطفال، فالحرب السورية امتدت لحوالي عقد، وارتكبت خلالها جرائم، وحصل نزوح جماعي، لكن "بأي مقياس فإن الهروب من إدلب يأتي في ترتيب أعلى".
وتنقل الصحيفة عن المجموعات الحقوقية، قولها بأن ما لا يقل عن 150 ألف شخص فروا من بيوتهم على مدى الأسبوعين الماضيين، ما يوصل عدد النازحين منذ 1 كانون الأول/ ديسمبر إلى 500 ألف، مشيرة إلى أن فيديو من منطقة القصف يظهر زحمة السير للهروب من المنطقة القريبة من منطقة القصف.
ويورد التقرير نقلا عن رئيس منظمة "ميد جلوبال" الدكتور زاهر سحلول، وصفه المشهد في تغريدة له، تتضمن فيديو يظهر عملية النزوح، قائلا: "لا، هذا ليس احتفالا بانتصار في لعبة كرة قدم، لكنه التدافع اليومي للعائلات السورية التي تحمل أمتعتها على شاحنات وسيارات وتفر من المدن في جنوب إدلب في الظلام لئلا يتم قصفهم خلال النهار من الطائرات الروسية".
ويجد الكاتب أن حالة اليأس والحرص على المغادرة مفهومة، فخلال الحرب كلها، قامت القوات السورية وحليفتها الروسية بضرب البنى التحتية المدنية متعمدة؛ في محاولتها للسيطرة على إدلب.
وتنقل الصحيفة عن رئيسة منظمة Care USA، ميشيل نان، قوله بأنه وقع 85 هجوما على مرافق عناية صحية في شمال سوريا في عام 2019، وبأن هذا التوجه يستمر إلى الآن في 2020.
ويورد التقرير نقلا عن مدير منظمة "إنترناشونال ريسكيو كوميتي"، ديفيد ميليباند، قوله: "على مدى الشهرين الماضيين قتل حوالي 300 مدني نتيجة لتكثيف القتال في شمال غرب سوريا.. وإن استمر هذا العنف، فإن حوالي 800 ألف شخص في مرمى النار لن يكون أمامهم الكثير من الخيارات لأمنهم".
ويؤكد تايلور أن التحقيقات أثبتت بأن الغارات الجوية السورية استهدفت بشكل متعمد المستشفيات السورية العام الماضي، فيما قد لا يكون هناك تغير عن هذا الطريق، مشيرا إلى أن وكالة "بلومبيرغ نيوز" ذكرت في تقرير لها هذا الأسبوع بأن موسكو كانت قادرة على استخدام نفوذها في الأمم المتحدة لوقف تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
وترى الصحيفة أنه مع ذلك فإن على الحكومات الأجنبية الاعتناء بما يحصل في إدلب، فرأى العالم الآثار التي قد تتسبب بها كارثة إنسانية في سوريا، حيث فر من البلد أكثر من 5.6 مليون لاجئ منذ بدأت الحرب، فيما تستضيف تركيا الملايين منهم، وتأمل أن ينقصوا لا أن يزيدوا.
وينقل التقرير عن مدير الاتصالات في الحكومة التركية فخر الدين التون، قوله في تغريدة له هذا الأسبوع: "وجود تركيا في شمال سوريا يشكل الحاجز الوحيد أمام أزمة إنسانية أخرى.. لقد سمح حلفاؤنا الغربيون لهذه الأزمة بأن تتفاقم لفترة طويلة جدا، ويعيرون الاهتمام فقط عندما يشعرون بالتهديد من تدفق اللاجئين".
ويبين الكاتب أنه بالنسبة للكثيرين فإن الخيار الأفضل هو الدعم المؤقت لأنقرة، لافتا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أصدر بيانا هذا الأسبوع، قال فيه إن أمريكا تقف خلف تركيا، وأشار إلى كونها حليفا للناتو.
وتذكر الصحيفة أن مجلس الأمن الأمريكي القومي قال في تغريدة له: "يجب على نظام الأسد وروسيا وإيران وحزب الله أن يوقفوا عدوانهم في شمال غرب سوريا واستهداف المدنيين في إدلب"، وكان الهجوم على القوات التركية هو آخر عنف وحشي في سوريا تقوم به هذه المجموعات.
ويستدرك التقرير بأن العلاقة العسكرية بين تركيا وأمريكا متضررة بشكل كبير، فقبل عدة أشهر فقط قامت أمريكا بشجب تركيا لتحركاتها في سوريا ضد القوات الكردية، مشيرا إلى أن "رويترز" قالت يوم الأربعاء بأن أمريكا أوقفت برنامج الاستخبارات العسكرية السري مع تركيا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر بعد الاجتياح التركي لشمال سوريا.
ويشير تايلور إلى أن الاجتياح وقع بعد أن أعلن الرئيس ترامب بشكل غير متوقع بأن القوات الأمريكية في سوريا ستغادر، مشيرا إلى أنه مع أنه لم يتم تنفيذ ذلك الوعد، إلا أن سوريا ليست على سلم أولويات الإدارة، وفي خطاب حالة الاتحاد يوم الثلاثاء، لم يشر ترامب إليها إلا في سياق ذكر زعيم تنظيم الدولة المقتول، أبي بكر البغدادي.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن ترامب كان يأمل أن يغسل يديه من سوريا، لكن أزمة إدلب تشير إلى أن الأمر لن يكون بتلك السهولة.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)