هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحثين الأكاديميين، مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط، بلال صعب، والزميل المتخصص في الأمن القومي والسياسات الدفاعية في معهد الشرق الأوسط، مايكل ملروي، يقولان فيه إنه في الخامس من كانون الثاني/ يناير، وبعد مصادقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني على الأراضي العراقية، طلب رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، من البرلمان أن يتخذ "إجراءات عاجلة" لإخراج القوات الأمريكية من العراق.
ويشير الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن البرلمان اجتمع في اليوم التالي، وصوت على قرار لطرد تلك القوات، مع أن القرار غير ملزم للحكومة، وبعد ذلك بوقت قصير قامت إيران بإطلاق 20 صاروخا على قاعدتين عسكريتين، تستضيفان جنودا أمريكيين في العراق، لافتين إلى أن الهجومين، اللذين قصد منهما الانتقام لمقتل سليماني، جعلا أمر الوجود الأمريكي في العراق أكثر إثارة للجدل.
ويلفت الباحثان إلى أنه "مع تصعيد التوتر في وقت سابق من هذا الأسبوع، فإن عبد المهدي شعر بأن ليس أمامه إلا الدعوة لاتخاذ إجراءات عاجلة، لكن سرا، يريد رئيس الوزراء في الغالب بقاء أمريكا، على الأقل حتى يتم إنجاز نوع من الحياة الطبيعية في العراق، فهو يعلم جيدا أنه دون التدخل الأمريكي فإن هناك فرصة كبيرة أن يعود تنظيم الدولة، وستكون إيران طليقة اليد لفرض سيطرتها على بلده".
ويقول الكاتبان إنه "بناء على نقاشات مع عراقيين في كل من واشنطن وداخل العراق، فإن معظم العراقيين لا يفضلون أيا من هذين الاحتمالين، وبالرغم من قلقهم من استمرار الوجود العسكري الأمريكي، إلا أن كثيرا من العراقيين الذين تحدثنا إليهم يرون أمريكا قوة حميدة تحدث توازنا مع النفوذ الإيراني البغيض، ولهذا السبب، فمن المعقول أن نتوقع أن الحديث عن الوجود العسكري الأمريكي بين العراقيين سيستمر، لكن الحكومة العراقية لن تتخذ إجراءات أكيدة في أي وقت قريب".
ويستدرك الباحثان قائلين: "لكن، لنفترض للحظة بأن القوات الموالية لإيران تمكنت من توليد زخم فيه ما يكفي من القوة في بغداد لدرجة أن يتم طرد القوات الأمريكية، ومع استبعاد حصول هذا السيناريو إلا أن الأمر يستحق التخطيط لهذا الطارئ، وإن قامت بغداد بدفع القوات الأمريكية، ستكون قد فرطت بإرث من التضحية والإنجازات من كل من الأمريكيين والعراقيين".
وينوه الكاتبان إلى أنه "في الزمن القريب قام الجيشان بالقتال جنبا إلى جنب لتدمير تنظيم الدولة في العراق، وقاما معا بتحرير العديد من المدن، وأنقذا مئات الآلاف من الناس الذين كانوا يعيشون تحت حكم المتطرفين، وتلك إنجازات يجب الافتخار بها ويجب ألا تنسى".
ويؤكد الباحثان أن "الجيش العراقي وحده غير مستعد لإيقاف تنظيم الدولة من الصعود ثانية، وكما قالت (نيويورك تايمز) في آب/ أغسطس الماضي، فإن هذه المجموعة المتمردة (تستجمع قوة جديدة وتقوم بعمليات في أنحاء العراق وسوريا، وتعيد بناء شبكة تمويلها وتستهدف المجندين الجدد)".
ويفيد الكاتبان أنه "دون الدعم الأمريكي فلن يكون بإمكان السياسيين العراقيين منع إيران من السيطرة على بغداد وإخضاع سنة العراق والأكراد، ومن المحتمل أنه تم لي ذراع بعض أعضاء البرلمان العراقي على الأقل للتصويت لإخراج الجنود الأمريكيين، من قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران، التي كانت تحت سيطرة سليماني".
ويقول الباحثان: "إذا انسحبت أمريكا ستخسر هي أيضا، وستكون خسارتها كبيرة، فنفوذها في الشرق الأوسط سيتهاوى، وزعامتها ومصداقيتها كونها شريكا ستضعفان في أنحاء العالم، والمشكلات التي تخلفها ستكبر، وستصل إلى نقطة يصبح على الجيل القادم من الأمريكيين العودة ليخوضوا المعركة التي يجب على الجيل الحالي إنهاءها".
ويرى الكاتبان أنه "ليس من مصلحة أمريكا أن يكون لها وجود عسكري كبير في العراق إلى الأبد، لكن لمصلحتها أن تكون البلد مستقرة وآمنة، وحاليا لا يمكن للجيش العراقي توفير ذلك وحده، مع أنه يقترب من ذلك: وتراجع عدد الجنود الأمريكيين في العراق من 150 ألفا عام 2008 إلى 5 آلاف اليوم، وهو ما يظهر تقدما مهما".
ويؤكد الباحثان أن "أمريكا لن تستطيع أن تساعد العراقيين على بناء جيش قوي من بعيد، حيث ستكون الجهود بالضرورة محدودة بإرسال المزيد من الأسلحة للبلد، وبدلا من ذلك وليكون لدى العراق جيش فعال فإنه يحتاج مساعدة على بناء قدرات المؤسسة الدفاعية".
ويبين الكاتبان أنه "كما تشير خطط حديثة لتطوير إمكانيات الدفاع، فإن الجيش العراقي يسعى لأن يكون مكتفيا ذاتيا، وقادرا على حماية البلد، والمشاركة في عمليات التحالف، لكن في ظل غياب البنية المؤسساتية التي تجمع عناصر الدفاع الأساسية معا فإنه سيكون من الصعب تحقيق مثل هذه الأهداف، وفي ظل غياب الاتساق اللازم بين المؤسسات الأمنية الوطنية في العراق فإنه لن يكون بإمكان بغداد تطوير استراتيجية وسياسة دفاعية، ولا بناء إمكانيات وعقود مشتركة، ولا التعامل مع قضايا إدارة الموارد البشرية، بالإضافة إلى أن الجيش غير قادر على توفير الكوادر اللازمة لتشغيل الأنظمة الدفاعية الكثيرة التي تشتريها من أمريكا".
ويعتقد الباحثان أن "بناء المؤسسة الدفاعية لن يكون سهلا، خاصة لأن الإصلاحات الدفاعية تعتمد على الإصلاحات السياسية، لكنها تستحق السعي لتحقيقها لأنها تخدم مصالح الأمن القومي للعراق ولأمريكا، وللسماح للجنود الأمريكيين بالبقاء في العراق على الجيش الأمريكي فعل هذه الأمور للتقدم في هذه الأجندة.
أولا، على المسؤولين الأمريكيين أن يقدموا قضية بناء المؤسسة الدفاعية للاجتماعات رفيعة المستوى مع القيادات العراقية وغيرها في المنطقة، وعندما تظهر أمريكا أنها تنظر بشكل جاد إلى هذه المسألة، فإنها ترسل رسالة للعراقيين حول أهميتها.
وثانيا على أمريكا أن تضمن بأن برامجها التي تركز على بناء المؤسسة الدفاعية، بما في ذلك مستشاري وزارة الدفاع ومعهد الدفاع للدراسات القانونية الدولية، لديها ما يكفي من الموارد لمساعدة الشركاء بشكل حقيقي في هذه المهمة، وهذه البرامج حاليا تفتقر إلى التمويل اللازم ويمكنها الاستفادة من رفع ميزانياتها بنسبة 60%.
وثالثا، تحتاج أمريكا إلى التركيز بشكل أكبر على التخطيط المشترك مع الشركاء الإقليميين، عن طريق دمج بناء المؤسسة في عملية التخطيط، وهذا يعني أنه في المرة القادمة عندما يقوم المسؤولون الأمريكيون بإجراء اجتماع للجان العسكرية المشتركة مع الشركاء، ألا يتم التعامل مع مسألة الإمكانيات المؤسساتية كمسألة ترف فكري.
ورابعا، يمكن لأمريكا أن تدخل المزيد من أفرادها العسكريين في وزارات الدفاع لشركائها لتقديم الاستشارة في مسائل الأمن القومي، ومثل هذه البرامج موجودة، مثلا مستشاري وزارة الدفاع، لكن لا أمريكا ولا شركاؤها استفادوا منها بشكل كامل، وقد تكون هناك مشكلات سياسية من استخدامها، لكن يمكن استخدامها في المستقبل.
وأخيرا، يجب على أمريكا أن تشدد بشكل أكبر على تعليم الجيوش الشريكة قيمة بناء المؤسسة الدفاعية، وهذا أمر أبرزه قائد قيادة الوسط، جوزيف فوتيل مؤخرا، عندما حاجج بأن على أمريكا مضاعفة نفقاتها ثلاث مرات على برامج التدريب والتعليم العسكري الدولي، الذي يوفر منحا دراسية للطلاب من الدول الشريكة".
ويستدرك الباحثان بأنه "ليس بإمكان أمريكا القيام بتطبيق أي من برامج بناء المؤسسة الدفاعية بفعالية دون الوجود الفعلي في البلد، حيث يمكنها أن تعلم وتدرب وتقدم الاستشارات".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إنه "بعد الهجمات الإيرانية على القوات الأمريكية في العراق، وفي الوقت الذي تفكر فيه إيران بخيارات أخرى للانتقام، فإن على واشنطن أن تكون مدركة للهدف الإيراني: إخراج أمريكا من الأراضي العراقية، لكن مهمة أمريكا في العراق لم تنته بعد، وتخاطر الدولتان بخسارة كل شيء إن خرجت أمريكا، وهم مدينون لمن خسروا أرواحهم خلال القتال لتأمين العراق بأن يبنوا شراكة أمنية أكثر استدامة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)