توقف تقرير لصحيفة "آي" البريطانية
عند مواقف الغرب من رئيس الوزراء الهندي "مودي".
قالت الصحيفة إن الدول الديمقراطية في العالم
اليوم تريد أن تثق في الهند، وتأمل أن تشكل قوة لضبط المعادلة الجيوسياسية أمام
الصين. فهما الدولتان الوحيدتان في العالم بعدد سكان يفوق المليار نسمة.
وتضيف أن الاستثمار الغربي في الهند "يأخذ
طابعا استراتيجيا وعاطفيا وفكريا وماليا، ولكن ثمن هذا الاستثمار الغالي هو تردد
الدول الغربية في الاعتراف بالوجه القاتم للهند بقيادة مودي، بخاصة التهديدات التي
تتعرض لها الأقليات في البلاد، وتراجع القيم الديمقراطية فيها".
ما تبقى من تقرير الصحيفة هو تعداد للانتهاكات
التي يمارسها نظام "مودي" بحق الأقليات، وتحديدا الأقلية المسلمة؛ من
كشمير إلى آسام وسواهما. ولا تسأل بعد ذلك عن التطورات الأخيرة التي فجّرت غضب
المسلمين، ولم تنته فصولا بعد حتى كتابة هذه السطور.
وقف بوتين مع الطغاة وضد ربيع العرب، وشارك بفعالية في مجزرة سوريا، وهو الآن يدعم حفتر، ويقف مع العدوان الإيراني
ولنا أن نضيف بعد ذلك، تلك العلاقة الحميمة بين
"مودي"، وبين ألد أعداء الأمة، ممثلا في الكيان الصهيوني، والتي شهدت
نقلات استثنائية خلال الأعوام الأخيرة.
ماذا عن الصين؟
لا حاجة للحديث عما كتبنا عنه مرارا من قبل،
فيما يتعلق بالاضطهاد البشع الذي يتعرض له المسلمون في هذا البلد، والذي كان في
السابق حكرا على "الإيجور" المسلمين، لكنه تجاوزهم في الأعوام الأخيرة
إلى تضييق بشع على كل مظاهر الإسلام في البلاد.
وإذا جئنا نوصّف علاقة الصين بكل قضايا
المسلمين، بخاصة الغالبية السنيّة، فإن الموقف يبدو سيئا إلى حد كبير، رغم
العلاقات الاقتصادية الرهيبة لها مع البلدان الإسلامية، والموقف من الثورة السورية
خير شاهد، بل من كل تجليات الربيع العربي؛ بجانب التواطؤ الضمني مع العدوان
الإيراني. وبوسعنا ألا ننسى العلاقة التي احتجّت عليها واشنطن مرارا بين الصين
وبين الكيان الصهيوني، من دون أن يتغير الكثير فيها، وحيث يقرأ الكيان كعادته
الاتجاهات المستقبلية لموازين القوى.
ماذا عن روسيا (بوتين)؟
هذه لا تحتاج إلى كثير توصيف أيضا، فقد وقف
بوتين مع الطغاة وضد ربيع العرب، وشارك بفعالية في مجزرة سوريا، وهو الآن يدعم
حفتر، ويقف مع العدوان الإيراني. أما الأسوأ، فهو أنه يتواطأ مع الكيان الصهيوني
على نحو استثنائي. وفي الداخل يحدد وضع المسلمين على نحو أمني رهيب؛ هم الذين
يعيشون حالة ذعر منه بعد مجزرة الشيشان.
الولايات المتحدة هي الداعم الأكبر للكيان الصهيوني، وهي التي تساند كل الطغاة دون مواربة
اللافت في القوى الثلاث الصاعدة، والتي توقفنا
عندها آنفا هي تشابهها فيما يتعلق بوجود أقلية مسلمة يتم التعامل معا بمنطق الشك
في الولاء، والعمل على التدجين، بل التركيع عمليا، مع مواقف سلبية مشابهة في
الخارج حيال كل الظاهرة الإسلامية، وضد أحلام الشعوب المسلمة في الحرية والتحرر.
وإذا تذكرنا أن القوة الأولى حتى الآن، أعني
الولايات المتحدة هي الداعم الأكبر للكيان الصهيوني، وهي التي تساند كل الطغاة دون
مواربة، وتمارس الابتزاز على نحو مفضوح، وتتجاهل كل القيم الديمقراطية، ويجهر
رئيسها (ترامب) بترحيبه بالطغاة دون خجل.
إذا تذكّرنا ذلك، فسندرك أن حركة التغيير في
هذه المنطقة لن تمر بسلاسة، لأنه ما من حركة من هذا النوع يمكنها أن تتنفس الهباء،
ولا بد من قوىً داعمة لها. وحين تلتقي القوى الكبرى على عدائها، فستكون مهمتها
صعبة، بل بالغة الصعوبة.
هناك وجه آخر لهذا الاستهداف الذي يعانيه
المسلمون من قبل تلك القوى الكبرى، ويتمثل في شعورها جميعا، أن لهذه الأمة من
أدوات القوة ومن الحيوية ما يجعلها منافسا حقيقيا، إذ لا أحد يضرب في جسد ميت.
يبقى أن الأمل هو أن هذا الصراع القائم حاليا
على تحديد موازين القوى الجديدة (سباق التسلح والحروب التجارية) سيستنزف كل القوى
الكبرى، وإن تفوقت إحداها لاحقا. هذا ما يقوله منطق السياسة والتاريخ، وهو ما
سيجعل للمستضعفين فرصة أفضل في التحرك إلى الأمام، وإذا ما حدثت مصالحة إقليمية
بين قوى المنطقة لمصلحة الشعوب، فإن إمكانية الصعود والتأثير ستكون أفضل بإذن الله.