في 29
تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام تحل الذكرى السنوية لقرار
التقسيم الصادر من الجمعية
العامة للأمم المتحدة، في مثل هذا اليوم من عام 1947. ونبدي الملاحظات الآتية:
أولا:
هذا القرار يؤرخ له العرب بأنه بداية النكبة، وأن عرب
فلسطين ظنوا أنها غارة من العصابات
الصهيونية لا تلبث أن تنقشع، خاصة عندما خفت القوات العربية لنجدة إخوانهم في فلسطين،
فإذا بالهزيمة العربية الأولى ترسخ للمشروع على أرض فلسطين. وإنزال المشروع على الأرض
كان يتطلب توافقا من قطبي العالم موسكو وواشنطن، فصدر قرار الجمعية رقم 181 على أنه
حل الاشتباك بين ضحايا النازية من اليهود وبين السكان العرب.
ثانيا:
كان واضحا من تصريحات أبا إيبان، مندوب الوكالة اليهودية، أنه لم يقصد منه تقسيم فلسطين،
ولكنه التدليس على العرب والعالم بقضم فلسطين، وأن النية متجهة منذ البداية إلى اغتصاب
كل فلسطين. ولم تظهر نظرية الاسترداد بدلا من
الاحتلال إلا عندما اعترف نتنياهو بأن
المشروع الصهيوني قام أساسا على فرضية أن فلسطين هي أرض اليهود؛ اغتصبها الفلسطينيون
ومسؤولون عن محنة الشتات. فاسترداد فلسطين وعقاب الفلسطينيين حقائق تقوم على القوة
الخارقة وهزيمة العرب الساحقة (نظرية القوة المطلقة)، ثم يتم وضع القانون الذي يغطى
هذه الحقائق.
ثالثا:
واضح أن تقسيم فلسطين كان وهما وخطوة لامتصاص الغضب، وأن مسار الفكرة كان واضحا بصرف
النظر عن عقبات الطريق وتمسك الطرف الآخر، ولذلك عمدت
إسرائيل إلى تمزيق العرب والنفاذ
إلى المحظورات العربية بمساعدة واشنطن.
رابعا:
أن العرب والعالم بقي في ناحية، وإسرائيل في ناحية أخرى، فظن العرب أن قبول إسرائيل
في الحدود التي تقررها بالقوة أقصى ما يمكن أن يقدموه، والمهم أن يعيش الفلسطينيون
على جزء ولو يسير من أرضهم، فبقية الأراضي التي استولت عليها إسرائيل خارج قرار التقسيم
أراض محتلة يجب أن تجلو عنها إسرائيل، وصدرت لهذا الغرض الكثير من قرارات الأمم المتحدة.
خامسا:
أن السلام كان ستارا لكسب الوقت، وحتى لما تبين ذلك كانت السلطة الفلسطينية الناجمة
عن أوسلو قد أسهمت (حتى دون أن تدري) في خدمة المشروع ووصوله إلى غايته من خلال التنسيق
الأمني والشقاق بين فتح وحماس حول جدوى المقاومة والمفاوضات.
سادسا:
بعد أن تكشفت الحقائق لم يعد للفلسطينيين من عذر لتوحيد صفوفهم على هدف واحد وصوت واحد،
وهو الدفاع عن بقائهم، خاصة وأن المصالحة كانت سوقا رائجة لكل المؤامرات على القضية.
وتحل هذه
الذكرى مع مخاطر صفقة القرن وتصفية القضية وتراجع الوسط العربي، بل وتغلغل إسرائيل
فيه، وقمع الشعوب العربية المناصرة للقضية وضرب التيارات الإسلامية؛ في إطار صراع السلطة
داخل الدول العربية، وحراك الشارع العراقي واللبناني ضد الطائفية التي كانت تساند المقاومة
ضد إسرائيل، فأحدثت صداما بين أشواق الحرية والمواطنة في الداخل، وبين دعم الطوائف
لمقاومة إسرائيل، مما يشكل تحديا خطيرا للقوى الداعمة للقضية. ولهذا السبب أدخلت إسرائيل
الحراك ضمن أسلحة الصراع.
فيجب على
الفلسطينيين ونخبهم أن يحللوا تحديات وجودهم ويضعوا الخطط اللازمة للمحافظة على بقائهم،
ثم يتقدموا إلى المنطقة العربية وإلى العالم بمطالب محددة.