هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حذر اقتصاديون مصريون من اعتماد الحكومة المصرية على آلية "الأموال الساخنة"، في بناء احتياطي النقد الأجنبي للبلاد.
فمن وجهة نظر عدد من الاقتصاديين، فإن إعلان البنك المركزي تخفيض نسبة الفائدة، سيكون سببا في خروج هذه الأموال من السوق المصرية، خاصة
وأنها لا ترتبط بأية مشروعات استثمارية أو إنمائية.
وتأتي تحذيرات المختصين، بالتزامن مع تقرير صادم لمعهد التمويل الدولي، توقع
فيه خروج نصف استثمارات الأجانب في محافظ الأوراق المالية، بنهاية العام المالي
2019/2020، لتسجل 9.5 مليار دولار، مقابل 18.4 مليار دولار نهاية العام المالي
2018/2019.
وحسب التقرير الدولي، فإن استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي، سوف
تنخفض بنهاية العام المالي 2020 لتصل إلى 6.2 مليار دولار، وهو ما سيؤدي لحدوث
تباطؤ في نمو الاحتياطي من العملة الأجنبية.
غسل أموال
وفي تعليقه على خطورة الأموال الساخنة على الاقتصاد المصري، يؤكد الخبير
الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي لـ "عربي21" أن لمصر تاريخا مع مثل هذه
الإجراءات حتى قبل ثورة "25 يناير".
واستذكر سعي رئيس البنك المركزي المصري الأسبق، فاروق العقدة، لاستقدام 8
مليارات دولار للاستثمار في الدين العام الحكومي، والتي خرجت بعد ثورة يناير،
وكانت سببا في انهيار سعر الصرف بعد الثورة.
اقرأ أيضا: مصر تقترض ملياري دولار عبر سندات دولية على 3 شرائح
ويشير الصاوي إلى أن السياسة تجددت بعد تحرير سعر الصرف في تشرين الثاني/
نوفمبر 2016، حيث اتجه البنك المركزي، لاستعادة الأموال الساخنة مرة أخرى، برفع
سعر الفائدة لتصل إلى 20%، وعليه تدفقت إلى السوق المصري، ووصلت إلى 23 مليار
دولار،
وتابع "عادت هذه الأموال للانخفاض في الفترة من نيسان/أبريل وحتى
كانون الأول/ ديسمبر 2018، بسبب تخفيض سعر الفائدة، وارتفاعها بأماكن أخرى مثل
تركيا ونيجريا والأرجنتين، ما أدى لخروج ما يقرب من 10 مليارات دولار".
ويضيف الخبير الاقتصادي قائلا: "الحكومة اعتمدت على هذه الآلية لزيادة
المعروض من النقد الأجنبي، ولكن التكلفة التي تحملتها الموازنة العامة، كانت كبيرة
للغاية، نتيجة سعر الفائدة المرتفع، وحصول هذه الأموال على العائد السريع من خلال
بيع أذون الخزانة كل 3 أشهر، ما أدى لزيادة المدفوعات على هذه الديون
للخارج".
وحسب الصاوي فإن هذه الأموال مازالت موجودة بمصر، ولكن في حدود 16 مليار
دولار، ومع اتجاه البنك المركزي لتخفيض سعر الفائدة، فإنه من المتوقع أن يخرج جزء
آخر منها، وهو ما يدعم التوقعات بارتفاع سعر الدولار مرة أخرى، نتيجة خروج ما يقرب
من 5 إلى 8 مليار دولار من السوق المصري.
ويوضح الصاوي أن آلية "الأموال الساخنة"، هي الأسوأ بين باقي
الآليات الاقتصادية التي يمكن اللجوء إليها، وعادة ما يتم اللجوء إليها في الظروف
الاستثنائية للوضع الاقتصادي، وليس كأصل وقاعدة كما هو حاصل في الاقتصاد المصري،
لأنها تؤدي لإرباك السياسة النقدية وسعر الصرف، بالإضافة لكونها من أكثر الوسائل
التي يتم استخدامها في غسل الأموال، نتيجة ضخها من خلال صناديق الاستثمار
الأجنبية، التي تستثمر في الدين العام الحكومي بمصر.
خسارة الرصيد
ويرى الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس مؤسسة الأهرام السابق، ممدوح الولي، أن
الحكومة المصرية تعتمد على الفوائد الناتجة من الأموال الساخنة، ولكنها حسب تعبيره
فائدة سريعة لها آثار كارثية.
وأوضح الولي في حديثه لـ"عربي21" أن المستثمر الأجنبي ينعش
التداول في البورصة، كما أن الأموال التي يضخها تساعد في وجود احتياطي من النقد
الأجنبي، ولكنه احتياطي وقتي وليس دائم، كما أن إنعاش البورصة يكون شكلي ويخدم
مصالح الأجانب فقط.
اقرأ أيضا: عودة التضخم للارتفاع بمصر.. والحكومة تعلن خطة العام المقبل
ويؤكد الولي، أن البنك المركزي المصري، اعتمد على الأموال الساخنة لسد
العجز في نقص السيولة النقدية، باعتبار أن المستثمر الذي يخرج من السوق، بعد حصوله
على عائد بيع الأذون كل 3 أشهر، يدخل غيره، وهكذا، وهو ما تعتمد عليه الحكومة في
بناء احتياطيها النقدي.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومة المصرية والبنك المركزي، قدما
الكثير من الضمانات والإغراءات للمستثمرين الأجانب، لجذبهم للاستثمار بأذون
الخزانة والبورصة، للحفاظ على توفير السيولة الأجنبية، ومن الامتيازات سعر الفائدة
المرتفع، والتي وصلت إلى 20%، بينما الفائدة بدول اليورو خلال 2019 تصل إلى صفر بالمئة، كما أن وزارة المالية دخلت كضامن لأموال
المستثمرين، وألغت الضرائب التي كانت مفروضة على الأرباح.
ويوضح الولي أن هذه المكاسب التي تتحدث عنها الحكومة نتيجة بيع أذون
الخزانة، لها كوارث حقيقية على الاقتصاد المصري، لأنها تأكل من أصل الاحتياطي
النقدي الحقيقي للدولة، الناتج عن تحويلات المصريين وعوائد السياحة وقناة السويس،
لأن المستثمر الذي يدفع مليون دولار لمدة 3 أشهر، فإنه عند خروجه يأخذها وعليها
فائدة لا تقل عن 16 بالمئة، وهذه الفائدة يتم صرفها من أصل الاحتياطي النقدي.
ويشير الولي إلى الجانب الآخر لخطورة الأموال الساخنة، وهو عدم استخدامها
في إقامة مشروعات تنموية وتوفير فرص عمل، أو حتى فرض ضرائب عليها، كما يحدث
بأوروبا والأسواق الأخرى المستقرة، وهو ما يجعل المستثمر الأجنبي في أموال
الحافظة، هو المستفيد الوحيد، وليس الاقتصاد المصري الذي يخسر جزءا من أصل رصيده
من الاحتياطي الأجنبي.