هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث البارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أليكس فاتنكا، يقول فيه إن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي ألقى خطابا أمام قادة الحرس الثوري الكبار، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، وطلب منهم الاستعداد "للأحداث الكبيرة".
ويشير فاتنكا في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المرشد كان يصدر في لغة غامضة تحذيرات لمعارضيه في الداخل، ولحسن روحاني، وأعداء إيران في الخارج، لافتا إلى أن حديثه أمام الحرس الثوري لم يكن مصادفة، بل له علاقة بدور الحرس الثوري في حماية المرشد.
ويقول الباحث إن "العام الحالي يصادف الذكرى الـ30 على تولي خامنئي منصب المرشد الأعلى، حيث بدأ بداية ضعيفة قبل أن يتوصل إلى مقايضات مع الحرس الثوري، الذي كان ينظر إليه في ذلك الوقت نظرة شك، ويبحث الزعيم الروحي البالغ من العمر 80 عاما عن الجيل الثاني من الحرس الثوري لحماية النظام بعد رحيله، لكنه لا يريد منح ورقة بيضاء للجنرالات؛ لأن ذلك فيه مخاطر، خاصة في وقت بات فيه الكثير منهم قلقين على حروب إيران بالوكالة أكثر من مصير الإيرانيين العاديين، وقد يرتد اعتماده على الجنرالات بردود سلبية".
ويشير فاتنكا إلى أنه "في إيران هناك من يقول إن تسلم خامنئي الراية من مؤسس الجمهورية آية الله الخميني، الذي توفي عام ،1989 أمر متعلق بالعناية الإلهية، وفي الواقع فإن كبار النظام قرروا النجاة، واختاروا تقديم رجل دين من الدرجة الثانية ورئيس سابق مرشحا يمكن للغالبية دعمه بصفته زعيما مؤقتا".
ويبين الكاتب أنه "من أجل نجاح خطتهم كان يجب أن يتم حذف شرط (آية الله العظمى) من شروط المرشد، وتم تعديل الدستور لهذه الغاية في استفتاء تموز/ يوليو 1989، وبعد أسابيع من وفاة الخميني، ودعمت نسبة مستحيلة مقدارها 97.6% المبادرة، إلا أن التحدي الأكبر كان السيطرة على الشارع وإقناع الرأي العام بأن الزعيم الشاب سيواصل عمله لوقت طويل، ولهذا السبب بحث المرشد الجديد عن دعم ومساعدة من الحرس الثوري، وعرض عليه صفقة تقوم على منحه الغطاء السياسي لمتابعة مصالحه مقابل تقديم الحماية له، وشملت الصفقة على فتح المجال أمام قادته للحصول على الأموال من الميزانية الوطنية، وحصة كبيرة من الاقتصاد الإيراني، وفرع استخباراتي منفصل ينافس وزارة الأمن، وفيتو على القرارات المهمة المتعلقة بالسياسة الخارجية".
ويقول فاتنكا: "لم يكن التحالف طبيعيا، وذلك لأن الحرس الثوري ظل متشككا تجاه خامنئي أثناء رئاسته للبلاد في الثمانينيات من القرن الماضي، ونظر إليه الحرس الثوري على أنه داعم للسوق الحرة في القضايا المتعلقة بالاقتصاد، ولم يكن يوثق به في قضايا السياسة الخارجية، وفي نقطة ما منع الحرس الرئيس من زيارة جبهات القتال أثناء الحرب مع العراق، وعندما وصل ابن خامنئي الثاني والمجند في فرقة للحرس الثوري سمع من الشتائم والإهانات لوالده لدرجة أن طلب نقله منها".
ويستدرك الباحث بأن "نهاية الحرب جردت الحرس الثوري من هدفه، فقد انضموا للثورة قبل عقد وفي الحرب ضد صدام حسين، وضحوا بحسب اعتقادهم بالكثير، وبعد نهاية الحرب ووفاة الخميني أراد قادة الحرس الثوري أن يكون لهم دور، وهو ما قدمه خامنئي إليهم، فهو سيقوم بتحديد مسار الثورة، فيما سيقوم الحرس الثوري بالتأكد من تطبيق رؤيته، وكان عرضا مغريا ومن المستحيل رفضه جملة وتفصيلا".
ويفيد فاتنكا بأن "خامنئي كان يريد من الحرس الثوري مساعدته في بناء المؤسسات الضعيفة التي نشأت حول الإمام الخميني، ولم يكن أمامه أي خيار، ولهذا عقد أول اجتماع علني له بصفته مرشدا للثورة في مكاتب تابعة للحرس الثوري، وهنا وسط رجال معظمهم من الشباب الراغب بالاستماع إلى ما سيقوله المرشد الجديد، كان حريصا على ألا يكرر الخطأ ذاته الذي ارتكبه أمام مجلس الخبراء، المؤسسة الدينية التي اختارته، التي تشك فيه وتنظر إليه على أنه شخص مؤهل سياسيا تنقصه المؤهلات الدينية".
ويلفت الكاتب إلى أنه "في خطابه أمام الحرس الثوري عام 1989 أكد أهمية رجاله قائلا إنه (دون الحرس الثوري لا يمكن الدفاع عن الثورة)، وكان هذا الكلام صحيحا لعدة عقود قادمة، ففي انتفاضة الطلاب عام 1999، والثورة الخضراء عام 2009، عندما تحرك الملايين ضد حكم خامنئي، كانت بندقية وحماسة الحرس الثوري هي التي أنقذت خامنئي".
وينوه فاتنكا إلى أنه "في خطابه أمام الحرس الثوري هذا العام اقترح المرشد أن على الحرس الثوري والجماعات الوكيلة عنه، مثل حزب الله وحركة حماس والحوثيين في اليمن، ألا يحددوا نشاطاتهم في مكان جغرافي معين، وكان تحذيرا موجها للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، وحذر خامنئي من أن عمليات تدعمها إيران في مناطق لم تتأثر سابقا بها قد تخدم مصالح إيران القومية، وقال: (لا تبنوا جدران حول أنفسكم وتظلون داخلها)، ومقل هذا الدعم الرسمي للتشدد الإقليمي يعبر عن استراتيجية الردع التي يريدها المرشد الروحي للجمهورية، وتريد طهران البحث عن طرق لإقناع الغرب أن التوصل لاتفاق معها أفضل من حشرها في الزاوية بشكل يدفعها للتهور والقيام بدور المخرب".
ويستدرك الباحث بأن "هناك جمهورا محليا وجه المرشد تعليقاته إليه، وهو معسكر الرئيس حسن روحاني والمعسكر المعتدل الذي يحاول تسويق نفسه على أنه وسيلة للتغيير في معركة مع الحرس الثوري، ومثال على هذا هو الهجوم الحاد على ممارسات معسكر خامنئي، فقد وصف روحاني أول برلمان في تاريخ الجمهورية الإسلامية 1980 – 1984 بأنه الأكثر حرية وتمثيلا للإيرانيين، وشمل على الشيوعيين وغير الخمينيين، وهو هجوم على مجلس رعاية النظام الذي يسيطر عليه خامنئي، وكان الرد سريعا حيث اتهم روحاني بالقيام بدور أعداء إيران".
ويجد فاتنكا أن "إثم روحاني الذي لم يغفر كان هو تذكيره للإيرانيين بأن سلطة خامنئي ليست نابعة من صندوق الاقتراع، لكن من البندقية، ولم يرد خامنئي على روحاني، بل صحيفة (كيهان) التي يسيطر عليها، وهذه ليست أول مرة يهاجم فيها روحاني النظام، لكن من عادته التعبير عن قلقه على شرعية النظام مع اقتراب الانتخابات، فالبلاد ستنظم انتخابات برلمانية في عام 2020، ومقاطعتها، وهي محتملة، ستكون محرجة للنظام".
ويؤكد الكاتب أن "روحاني لا يعرف ماذا يريد، هل سيكون شخصية تغيير أم مجرد تلميذ لخامنئي غير المنتخب، واحتل روحاني عناوين الصحف في الأسبوع الأول من سبتمبر بإعلانه أنه لا ينبغي أن تكون لدى الناس توقعات منه لأنه (ليست لديه سلطة)، وفي خطاب أخير قال: (ماذا تريدون من شخص ليست لديه قوة؟)، وكان تعليق روحاني إشارة إلى أن لا تغيير في إيران ممكنا دون توزيع عادل للثروة، وهو ما يكشف أن الرئيس يحاول بناء مسافة مع خامنئي".
ويشير فاتنكا إلى أن "السبب هو أنه لا يريد تحمل مسؤولية المشكلات السياسة والاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وربما كان يحاول بناء سمعة له بصفته زعيما معتدلا مختلفا عن خامنئي لو نجح في خلافته في منصب المرشد، وربما كان يحاول إرسال رسالة للحرس الذي يدعم المرشد الحالي، ولا شك أن هذه دعوة عامة للحذر ضد من يطالبون بالإصلاح السياسي، الذين يعدون الاقتتال داخل النظام فرصة لزيادة الضغط على نظام خامنئي- الحرس الثوري".
ويقول الباحث: "على أي حال فما يفهمه الرأي العام هو أن خامنئي يطلب من جنرالات الحرس الثوري أن يكونوا الطليعة المقاتلة للثورة، والتحرك بحسب ما يرونه مناسبا، وهذا يعني أن من يقف أمامهم سيعد معاديا للثورة".
ويستدرك فاتنكا بأن "منح الحرس الثوري ورقة بيضاء لمواجهة العدو المشترك لا يخلو من المخاطر، فالحرب بين معسكر روحاني والحرس الثوري شملت على تسريبات وحملات تضليل واتهامات يومية من كل طرف بإضعاف الأمن القومي، بشكل يشير إلى أن التنافس قد يخرج عن السيطرة".
ويبين الباحث أن "ما يزيد من خوف الحرس أنه يعد اليوم، وعلى خلاف عام 1989، يعد عاملا في الاضطهاد الذي يمارس في إيران، وقد تورط قادة المنظمة الكبار في قضايا فساد وفضائح سياسية، ما فتح أعين الرأي العام على طبيعة الحرس الثوري ودوره في افتراس المصادر في البلاد، وكونه عقبة أمام الإصلاح".
ويختم فاتنكا مقاله بالقول إن "خامنئي قد يطالب الحرس الثوري بالهجوم في الداخل والخارج، لكن السؤال المطروح أمام الحرس الثوري ومصالح قادته طويلة الأمد، هو إن كان ينبغي عليهم زيادة الضغط ضد حكومة روحاني والرأي العام الإيراني، أو التفكير في صيغة جديدة للحفاظ على مصالح الحرس السياسية والاقتصادية، في وقت ستبدأ فيه الجمهورية الإسلامية بالنظر بعيدا عن حكم خامنئي".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)