بعد أيامٍ قليلةٍ على زيارة موسكو، اتجهت حركة "
حماس"
الفلسطينية بوفدٍ أوسع نطاقاً وأعلى مستوى نحو زيارة طهران. واستمرت الزيارة لعدة أيام، ما ألمح لأهمية هذه الزيارة ومحاورها المتنوعة، حيث التقى الوفد بعددٍ من كبار المسؤولين
الإيرانيين.
لكن التساؤل الذي طرح نفسه بقوة، في ما يتعلق بالزيارة، هو: هل تُخطط "حماس" للعودة إلى دمشق من خلال تطبيع علاقاتها مع النظام السوري؟
يبدو أنه من الطبيعي طرح هذا التساؤل الذي ينبع من انطباع عام عن العلاقة الوطيدة التي كانت تجمع "حماس" بدمشق وطهران قبل الثورة السورية، وهو تساؤل طبيعي أمام موجة التطبيع التي طرأت على مسار العلاقات بين عدد من الدول والنظام السوري مؤخرا.
لكن، وإن كان هذا التساؤل هو الأمر الأساسي الذي يُحيط بالزيارة، فقد تناولت الزيارة عدة محاور أخرى؛ أهمها رفع مستوى المواجهة ضد الجبهة الأمريكية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حقوق القضية الفلسطينية من أنياب ما يُسمى بـ"صفقة القرن"، حيث ترى "حماس" أن التعاون مع روسيا وإيران قد يشكل محوراً هاماً لمواجهة التفرد الأمريكي بقيادة العالم. وكمحور ثان، كان لا بد من النظر في ترتيب آليات تُبقي على الدعم الإيراني "لحماس" مُتزناً، في ظل احتمال تراجعه نتيجة فرض العقوبات الأمريكية على إيران.
ولعل ما يشير إلى أهمية الزيارة؛ العدد الكبير الذي تألف منه وفد "حماس"، ولقاء الوفد بأعلى رأس سلطة في إيران، وهو المرشد علي خامنئي، مع استغراق الزيارة لعدة أيام.
ويبقى استبدال طهران بوساطة حزب الله خير دليل على محاولات "حماس" لإعادة الدخول في علاقات مع النظام السوري عبر بابٍ متين.
وبالرجوع إلى المحور الأساسي، تجدر الإشارة بدايةً إلى أن عدداً لا بأس به من قادة "حماس"، من السياسيين أو العسكريين، يعتبرون أن الخروج من سوريا كان مُكلفاً جداً على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، إذ تعيش اليوم "حماس" نوعا من التيه لعدم قدرة الدوحة وأنقرة على استضافة قادتها بحرية كما كان الحال في دمشق. وبطبيعة الحال، يُظهر ذلك التوجه التناقض الصارخ لتصريحات الحركة الدبلوماسية التي تُشير إلى أنّ خروجها من سوريا لم يؤثر على مسار عملها.
تتفاوض حركة "حماس" مع النظام السوري بواسطة طهران بهدف الرجوع إلى دمشق منذ عام 2017، بحسب ما ينقله موقع "مونيتور" البريطاني عن مسؤولين إيرانيين. وفي ظل الوضع السياسي والأمني الذي تمر به "حماس"، فإن المتوقع أن تكون حريصةً على العودة إلى دمشق، لكن يبدو أن المُتعنت في الأمر هو النظام السوري الذي يرى أن "حماس" كانت "مُقصرة" في دعمه خلال الأزمة عملاً بقاعدة "رد الجميل". وعليه، يبدو أنه، وإن قبل النظام بإقناع أو ضغطٍ إيرانيٍ، برجوع "حماس"، فمن الصعب عودة المياه لمجاريها كما كانت تماماً في السابق.
من ناحية التوقيت، تقوم الظرفية السياسية في الجغرافيا السورية على أساس إعادة ترتيب جميع الفواعل الإقليمية والدولية لأوراقها على نحو يضمن لها نفوذا متوازنا مع القوى المنافسة، وهو ما يولد ضمنياً "محاصصة جغرافية" تسعى "حماس" فيها للاستفادة من حصة طهران الجغرافية. وفي ظل ما يصفه بعض المتابعين "بالواقعية السياسية"، تُحاول "حماس" استباق الخطى للعودة في ظل النفوذ القائم لطهران، لضمان موقع ملائم لطموحها.
ويأتي استباق الخطى "الحمساوي" في إطار تخوفها من ميل الجانب الروسي للمطالب "الإسرائيلية"، بخصوص منع "حماس" من العودة. وقد يتحقق ذلك في حال تم تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا لأقل مستوى، وعليه تسعى حماس لتحقيق المطلوب قبل فوات الآوان.
وعلى الرغم من شعور النظام بالغبن تجاه حركة "حماس" وموقفها من الثورة السورية، إلا أنه وطهران بحاجة ماسة لعلاقة متينة مع "حماس"؛ يستطعيون من خلالها الترويج لذاتهما على أنهما "محور
المقاومة والممانعة".
في الختام، تتبادل "حماس" و"محور المقاومة" الفائدة التي تجعلهما يسعيان للحفاظ على علاقاتٍ متينة بينهما. "فحماس" بحاجة للدعم المالي والسياسي والجغرافي في ظل ما تتعرض له والقضية الفلسطينية من مضايقات، أما "محور المقاومة" فلا يمكن أن ينجح في الترويج لذاته بدون علاقة جيدة مع المقاومة. وانطلاقاً من تبادلية المنفعة في العلاقة المذكورة، يُصبح توقع عودة العلاقة المكشوفة والمتينة بين الطرفين كما كانت في السابق؛ ليس بالأمر الصعب.