هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للباحثين فردريك وهري ولفرام لاتشر، يتحدثان فيه عن الوضع في ليبيا والحرب الأهلية المترافقة مع الأحداث الأخيرة فيها، والدور الأمريكي المطلوب.
ويتحدث الكاتبان في بداية مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، عن الهجوم الذي شنه الجنرال خليفة حفتر، الذي يسيطر على معظم الشرق والجنوب من ليبيا في الرابع من نيسان/ أبريل للسيطرة على العاصمة طرابلس، وهو ما أدى إلى انهيار المحادثات بينه وبين قادة الغرب الليبي لتشكيل حكومة، وأشعل بالتالي حربا أهلية ثالثة، التي اندلعت أولاها في عام 2011.
ويشير الباحثان إلى أن "حفتر كان يأمل في الحصول على موطئ قدم له في العاصمة طرابلس، ويؤكد نفسه بصفته زعيما لا ينافسه أحد على ليبيا كاملة، وما حدث هو أن الجماعات المسلحة في غرب ليبيا قامت بالتعبئة، وواجهت محاولته التفرد بالسلطة، وخسرت المظلة التي تعرف بالجيش الوطني الليبي التابعة لحفتر مناطق سيطرت عليها في بداية الهجوم قرب العاصمة، وقتل أكثر من 500 شخص في القتال، وشردت الحرب أكثر من 80 ألفا".
ويفيد الكاتبان بأن "اللاعبين الدوليين الذين شملهم الانقسام حاولوا الدعوة لوقف إطلاق النار، والعودة إلى العملية السياسية التي دمرها هجوم حفتر، ودون إطار جديد للتفاوض يثق فيه الجميع، ونهج دولي قوي لحل النزاع، فإن وقف إطلاق النار سيمنح حفتر وقواته الفرصة لإعادة التنظيم والتسليح".
ويقول الباحثان إنه "في هذا السياق فإن على القوى الغربية، بمن فيها الولايات المتحدة، استخدام الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية لمنع القوى الإقليمية من تغذية النزاع وبناء حالة ضارة من انسداد الأفق بين الجماعات الليبية المتناحرة، ولو قامت القوى الدولية بعمل هذا فإنها ستدفع الليبيين للعودة إلى العملية السياسية وبشروط جديدة".
ويلفت الكاتبان إلى أن "حفتر كان يقترب في بداية العام الحالي من التوصل إلى صفقة مع رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، والتقيا في شباط/ فبراير في أبو ظبي، واتفقا على أداء حفتر دورا بارزا في الحكومة الانتقالية الجديدة، وتوقفت المحادثات لأن حفتر؛ بحسب ما أخبرنا به دبلوماسيين في الأمم المتحدة وغربيين، لم يكن راغبا في المشاركة في السلطة".
ويبين الباحثان أن "هجومه فاجأ غرب ليبيا، لكن الفصائل المسلحة سرعان ما تعافت من المفاجأة، ونسيت خلافاتها، وتوحدت لمواجهة حفتر، الذي بات يواجه مقاومة ضخمة، فيما أضعفت سيطرته على المناطق الأخرى؛ بسبب نشره معظم قواته حول العاصمة، وبدأ تنظيم الدولة باستغلال ضعفه وتنفيذ هجمات في جنوب ليبيا".
ويرى الكاتبان أن "التوصل لوقف إطلاق النار في هذه المرحلة غير متوقع، وحتى لو وافق السراج على هدنة في هذا الوقت، فليست لديه السلطة للسيطرة على المليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني، خاصة تلك القادمة من المدينة الساحلية، مصراتة، وقد قاتل المصراتيون جماعات حفتر، وقد عبروا خلال العامين الماضين عن ميل للتسوية، إلا أنهم لن يثقوا به بعد الهجوم، ناهيك عن التوصل إلى صفقة معه دون خسارة قاعدة الدعم لهم، بالإضافة إلى أن القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني، واثقة من قدرتها على هزيمته عسكريا، على الأقل في غرب ليبيا".
ويقول الباحثان إنه "بالنسبة لحفتر فإنه لم تعد لديه فرصة للسيطرة على طرابلس في أي وقت، ولا يستطيع الانسحاب دون التأثير على موقفه السياسي في شرق ليبيا، ولم يتعرض لضغوط من داعميه الخارجيين للانسحاب في أي وقت، فداعموه الخارجيون، الإمارات والسعودية ومصر، يدعمون الهجوم، فيما ردت الحكومات الغربية بشجب لا معنى له، وتقديم دعم تكيتيكي له، ودعم الفرنسيون تحديدا طموحات حفتر وساعدوه في حملاته في الشرق والجنوب، وشجعوه بطريقة غير مباشرة للهجوم على العاصمة طرابلس، وقدموا له الدعم السياسي منذ بداية الهجوم العسكري".
وينوه الكاتبان إلى أن "الدول الأوروبية تدعو الآن حفتر وحكومة الوفاق الوطني للعودة إلى طاولة المفاوضات، والبناء على اتفاق أبو ظبي، إلا أن هذا الموقف منفصل عن الواقع على الأرض، وفي الحقيقة فإن رد أوروبا الضعيف على الهجوم يعد السبب الرئيسي لعدم واقعية وقف إطلاق النار، أو العودة إلى طاولة المفاوضات، ولا تستطيع الجماعات الليبية المتحاربة الاعتماد على الأوروبيين لفرض أي اتفاق".
ويجد الباحثان أن "الأمر متروك للولايات المتحدة، فقد حاولت وزارة الخارجية والدفاع الأمريكيتان في البداية إقناع حفتر بالانسحاب، إلا أن الرئيس دونالد ترامب اتصل في 5 نيسان/ أبريل بحفتر ودعمه بشكل حيد الجهود التي يقوم بها الدبلوماسيون الأمريكيون التي تحاول التوصل لحل دبلوماسي كلها".
ويقول الكاتبان إن "ترامب ربما عطل هذه الجهود، لكنه يملك عدة خيارات، وأهمها منع القوى الإقليمية، مثل مصر والإمارات والسعودية وكذلك قطر وتركيا، من تصعيد الدعم العسكري لحلفائها في ليبيا، وهناك أدلة قوية على استخدام قوات حفتر طائرات مسيرة محملة بصواريخ جو- أرض، ومعظمها قدمتها له الإمارات العربية المتحدة، التي كانت على مدى الخمسة أعوام الماضية، منتهكة للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على تصدير السلاح لليبيا، ووجهت حكومة الوفاق الوطني نظرها إلى تركيا التي قدمت لها عربات مصفحة".
ويرى الباحثان أنه "بالنظر إلى علاقة الولايات المتحدة القوية مع الدول المنخرطة في ليبيا، فهي في وضع جيد لاستخدام نفوذها على هذه الدول لوقف التصعيد، وفي ظل غياب التحرك من الفرع التنفيذي للسلطة فإن التحرك المنشود ربما جاء من الكونغرس، الذي يجب أن يعقد جلسات استماع تقدم فيها مؤسسات الحكومة، بما فيها الخارجية والبنتاغون والاستخبارات، أدلة على انتهاك القوى الإقليمية لحظر السلاح المفروض على ليبيا، ويمكن للكونغرس إصدار قرارات تعاقب الشركات التي تساعد على هذه الانتهاكات".
ويبين الكاتبان أنه "يمكن للولايات المتحدة أداء دور إيجابي في الصراع على إنتاج النفط الليبي، وفي ظل تردي الوضع الاقتصادي في مناطق الشرق التي يسيطر عليها حفتر، فإنه يحاول بيع النفط، منتهكا بشكل واضح سيطرة شركة النفط الوطنية الليبية على عمليات تصديره، وقد منعت الولايات المتحدة في السابق محاولات كهذه، ففي عام 2018 عمل المسؤولون الأمريكيون مع مسؤولي الأمم المتحدة للضغط على حفتر ليعيد البنى التحتية التي سيطر عليها، ولو حاول تكرار الأمر من جديد فإنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون جاهزة لمنع عمليات بيع غير قانونية".
ويفيد الباحثان بأنه "يمكن للولايات المتحدة استخدام التهديد بالعقوبات الاقتصادية، والمحاكمة لجرائم حرب، مثل وقف وصول المياه للمدنيين، ما يدفع الطرفين للعودة إلى التفاوض، وحفتر، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، يمكن تقديمه للمحاكمة بناء قانون جرائم الحرب الأمريكي، خاصة أن واحدا من ضباطه أصدرت بحقه محكمة جرائم الحرب مذكرة عام 2017 لأمره بقتل 33 من أسرى الحرب، فيما ظهر حفتر عام 2015 في شريط يأمر جنوده بعدم القبض على أي مقاتل".
ويشير الكاتبان إلى أنه "يمكن لوزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على حفتر بناء على الصلاحية القانونية ذاتها، التي استخدمتها لمعاقبة زعيم مليشيا آخر (لهجماته المستمرة على العاصمة الليبية)".
ويجد الباحثان أنه "من خلال منع التدخل الخارجي، وتأمين النفط، واستخدام الأساليب العقابية فإنه يمكن للولايات المتحدة توجيه دفة ليبيا من العداء إلى السلام، ويجب ألا تشمل هذه المفاوضات حفتر والمقربين منه، وذلك لأن أمير الحرب استخدم المفاوضات وسيلة للسيطرة المطلقة على السلطة، وقدمت له القوى الخارجية سلطة سياسية بعدما كافأته على حملاته العسكرية".
ويعتقد الكاتبان أنه "لوقف دوامة العنف الليبية، فإن على الولايات المتحدة إقناع داعمي حفتر العرب لإخراجه من المشهد، فهم ليسوا مرتبطين بالرجل نفسه، لكن بوعوده لخدمة مصالحهم، ويجب على الولايات المتحدة التواصل مع مناطق حفتر في الشرق والجنوب، ساسة ورجال أعمال ومنظمات مجتمع مدني وعناصر في الجيش الوطني، ممن لدى الكثيرين منهم علاقة مع البنتاغون، ويشعر الكثيرون منهم بعدم الراحة لطموحات حفتر، وكان معظمهم يجرون حوارات مع مسؤولي حكومة الوفاق قبل أن يقوم حفتر بهجومه".
ويلفت الباحثان إلى أنه "كلما زاد أمد الحرب زاد تهميش حفتر، ذلك أن المناطق تعبر عن رغبتها بوقف إطلاق محلي للنار، وبرر حفتر هجومه للحد من المليشيات التي تسيطر على حكومة الوفاق، وكذلك السيطرة على خزينة البلاد، وهذه مشكلة يمكن للولايات المتحدة المساعدة في حلها، فقبل هجومه كانت الأمم المتحدة وحكومة الوفاق تعملان معا، وحققتا نوعا من التقدم النسبي، خاصة الحد من سلطة المسلحين".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إن "ليبيا تحتاج لحكومة شاملة للجميع ودعم دولي، فالانقسام والاستقطاب السياسي والاجتماعي بين الليبيين وداعميهم الخارجيين في أعلى مستوياته، ويحتاج الوضع إلى تحرك حازم، والولايات المتحدة هي اللاعب الوحيد القادر على تحريك الدفة والتأثير على الأطراف الداخلية والخارجية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)