هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اعتبر اقتصاديون مصريون، التصريحات التي أدلى بها رئيس شركة العاصمة الإدارية، عن تعثر تمويل المشروع، وتوقف المرحلتين الثانية والثالثة، بعد الفشل في توفير 58 مليار دولار، بمثابة جرس إنذار عن ضياع مليارات الدولارات التي تم إنفاقها في المدينة، منذ إطلاق المشروع عام 2015.
وأكد المختصون، أن تراجع الاستثمارات الأجنبية بالمدينة وعدم تجاوزها الـ20 في المئة معظمها للجانب الصيني، يترجم عدم ثقة المستثمرين العرب والأجانب في المشروع، على خلاف ما يردده رئيس نظام الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بالمناسبات المختلفة عن إقبال المستثمرين العرب والأجانب على المشروع.
وكان اللواء أحمد زكي عابدين رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية المسؤولة عن تنفيذ المشروع، أكد في تصريحات لوكالة "رويترز" يوم الاثنين 13 أيار/ مايو الجاري، أن المدينة الجديدة تواجه أزمة تمويل خطيرة، مشيرا إلى التعثر في جمع ما يقرب من تريليون جنيه مصري (58 مليار دولار) من خلال بيع الأراضي واستثمارات أخرى، لاستكمال المرحلتين الثانية والثالثة من المشروع.
اقرأ أيضا: عاصمة السيسي الجديدة تقترض 3 مليارات دولار من الصين
وأضاف عابدين: "محتاجون إلى تمويل ضخم جدا والدولة ليس لديها أموال تقدمها لي"، كاشفا عن أن نسبة الاستثمارات الأجنبية في المشروع حتى الآن لا تتجاوز الـ20 في المئة، من بينها استثمارات صينية تصل إلى 4.5 مليار دولار.
وقال عابدين إنه يأمل أن يشجع خط القطار الكهربائي الذي تقوم ببنائه شركة صينية، ويربط بين القاهرة والعاصمة الجديدة، بتكلفة 1.2 مليار دولار، في جذب المزيد من الراغبين في الاستثمار بالمدينة.
واعترف عابدين للمرة الأولى بتوقف المرحلتين الثانية والثالثة للمشروع، نتيجة فشل المفاوضات مع شركة "تشاينا فورتشن لاند" الصينية لتطوير الأراضي، لإنفاق 20 مليار دولار لتطوير أعمال المرحلة الثانية.
وتأتي تصريحات عابدين، بعد أيام من توقيع السيسي على قرض صيني قيمته 3 مليارات دولار لبناء عدد من ناطحات السحاب، وأعلى برج بإفريقيا، وهو القرض الذي حصل عليه السيسي في إطار خطة الصين لتقديم القروض الميسرة للدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق.
وفي تعليقه على تصريحات عابدين، يؤكد الخبير الاقتصادي مصطفى دياب لـ "عربي21" أنها تشير إلى الأزمة التي يواجهها أهم مشروع يقوم به السيسي منذ توليه الحكم بعد تفريعة قناة السويس، كما أنها تعكس العزوف الدولي والعربي عن المشاركة بالمشروع نتيجة مخاطره المتعددة، وعدم نجاح النظام المصري في تحويله إلى مشروع قومي يمكن أن يحقق ثمارا لعموم الشعب.
ويوضح دياب، أن تجربة العواصم الجديدة في مصر فشلت، حيث سبق السيسي في ذلك، الرئيس السادات عندما أنشأ مدينة السادات غربي القاهرة، لتكون بديلا إداريا عن القاهرة، وقد فشل المشروع برحيل السادات، وسكنت الأشباح مباني المدينة، حتى تم توزيعها على الجامعات والمؤسسات الحكومية الأخرى.
اقرأ أيضا: إيكونوميست: هكذا تبدو عاصمة السيسي مع الاستعداد لافتتاحها
وبحسب رأي الخبير الاقتصادي، فإن "عاصمة الصحراء"، "أشبه بالغول الذي يبتلع كل ما يجده أمامه، ولن تتوقف عن ابتلاع المزيد طالما استمرت الصحراء برمالها الصفراء موجودة ضمن حدود المدينة التي من المفترض أنها تقلل العبء السكاني الذي تعاني منه القاهرة".
واستبعد دياب، فكرة الحكم بالإعدام على المشروع حاليا، موضحا أن الدولة تقف خلف المشروع بكل طاقتها، وتعتبره المؤسسة العسكرية جزءا أساسيا من استثماراتها الحالية والمستقبلية، كما أن نظام السيسي يقوم الآن بربط كل الطرق والمشروعات الأخرى بالمدينة، وسوف يدافع عن استمرار المشروع بكل طاقته، لأن فشله معناه فشل السيسي أمام مؤيديه قبل غيرهم.
خطوة خاطئة
ويتوقع الخبير الاقتصادي كامل المتناوي، اكتفاء السيسي خلال الفترة الحالية بالمرحلة الأولى من المشروع، مع الضغط على الشركات المنفذة لإنهاء حي الوزارات لنقل مقرات الحكومة والبرلمان والرئاسة، للعاصمة الإدارية قبل افتتاحها المقرر منتصف 2022، كمحاولة لجذب المزيد من الاستثمارات إليها.
ويؤكد المتناوي لـ "عربي21" أن "فشل السيسي في جذب الاستثمارات الأجنبية للمشروع، لأنه تعامل معه بمبدأ الفهلوة، فهو يريد من الشركات أن تنفق 58 مليار دولار بالصحراء، ولا تحصل مقابل ذلك على مميزات في العائد، وهو سبب انسحاب مجموعة إعمار الإماراتية، وكذلك شركة "تشاينا فورتشن لاند" الصينية، ويضاف لذلك رفض الحكومة المصرية تحمل جزء من المخاطر المتوقعة للمشروع".
ويوضح الخبير الاقتصادي أن الشركات الكبرى، قبل أن تدفع باستثماراتها، تقوم بدراسات الجدوى عن تسويق منتجها، وهل السوق المحلي يستوعبها أم لا، وما هي المميزات التي يمكن أن تقدمها للسوق الخارجي، وفي الحالة المصرية، فإن هناك ركودا واضحا في قطاع العقارات، كما أن الحالة الاقتصادية للمصريين سواء كانوا مواطنين عاديين، أم مستثمرين محليين ليست جيدة، نتيجة الأزمات الاقتصادية التي تعيشها مصر.
ووفق رأي المتناوي، فإن كثرة الأزمات التي يواجهها المشروع، تعد دعاية سلبية لن تشجع المستثمرين، وهو ما يدفع السيسي للتركيز على الشو الإعلامي، بأن المشروع يضم أكبر مسجد وأكبر كنيسة وأكبر برج، وأخيرا أكبر مائدة رحمن، ولكن في النهاية، فإن هذا الأسلوب في الدعاية لن يكون داعما لجذب المستثمرين الذين لديهم حسابات أخرى مختلفة.