نشرت "واشنطن بوست" مقالا للكاتب إيشان ثارور، يقول فيه إنه بعد الهجوم الإرهابي الذي قام به عنصري يعتقد بسيادة العنصر الأبيض في
نيوزيلندا يوم الجمعة، فإن الرئيس
ترامب تقدم "بأحر التعازي" و"التضامن" مع الضحايا وعائلاتهم، ولم يزد الأمر على هذا.
ويشير ثارور في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن برينتون هاريسون
تارانت، المولود في أستراليا، قد قتل 50 شخصا في مسجدين في مدينة كرايست تشيرتش، قبل أن تعتقله الشرطة.
ويلفت الكاتب إلى أن تارانت كان قد شرح على وسائل الإعلام الاجتماعي، وفي بيان طوله 74 صفحة نشره على الإنترنت، أن دوافع الهجوم هي الكراهية للمهاجرين المسلمين، الذين وصفهم بالغزاة الذين يهددون صفاء هذا الشعب الأبيض.
ويقول ثارور إنه "كغيره من القوميين الإثنيين الأوروبيين تخيل نفسه جزءا من تاريخ موارب، فسجل على أسلحته أسماء مقاتلين من أوروبا المسيحية في العصور الوسطى، خاضوا حروبا ضد الإمبراطوريات الإسلامية".
ويفيد الكاتب بأنه عندما سأل ترامب رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، عمن يمكنه أن يساعد، فإنه يقال إنها اقترحت عليه أن يوفر "التعاطف والمحبة للمجتمعات الإسلامية جميعها".
ويستدرك ثارور بأن "رئيس الولايات المتحدة قضى عطلة نهاية الأسبوع على (تويتر) يشتكي من المهاجرين (الغزاة)، ويدافع عن مذيعة في (فوكس نيوز)، تم توقيفها عن العمل بسبب تعليقاتها التي تعكس
الإسلاموفوبيا، ولم يظهر أي تعاطف تجاه المسلمين، أو يشجب استعلاء العرق الأبيض، وبعد يومين من مذبحة كرايست تشيرتش لم يتحدث ترامب مع سفيره في ويلنغتون".
ويذكر الكاتب أنه "خلال عطلة نهاية الأسبوع، وبدلا من التركير على تزايد
التطرف العنصري الأبيض، فإن ترامب ومعاونيه قللوا من شأن هذا التهديد، وحتى أن كبير موظفي البيت الأبيض بالوكالة، ميك مولفاني اضطر أن يكون في موقف دفاع على التلفزيون، ويقول إن (الرئيس ليس من العنصريين البيض)، لكن في كثير من هذه المناسبات تبدو إنكارات ترامب فارغة".
ويرى ثارور أن "إشادة تارانت بترامب في بيانه المتعصب لم تأت من فراغ، كونه (رمزا للهوية البيضاء والهدف المتجدد)، وقد بنى ترامب حياته السياسية باستخدامه مشاعر العداء السائدة للمسلمين في الغرب، ووعد بحظر واسع ضد المسلمين، خاصة اللاجئين السوريين، وشجع بأقواله وأفعاله المتطرفين المحليين من اليمين".
ويقول الكاتب إن "ترامب ليس مسؤولا عن المأساة في كرايست تشيرتش، لكن كما أشارت (واشنطن بوست) في افتتاحيتها فإنه ليس هناك فرق كبير بين أفكار تارانت وأفكار ترامب ومساعديه".
ويضيف ثارور: "ركز زملائي على الأهمية التي يوليها تارانت لنظرية (الإحلال العظيم)، وهو الاعتقاد السائد بين المتطرفين اليمينيين في أوروبا، وهو أنه وبسبب تراجع التكاثر بين البيض، فإن الهجرة بأعداد كبيرة تعد بمثابة (إبادة جماعية) للبيض، كما ذكر أنه تأثر بزيارة قام بها لفرنسا عام 2017، حيث أقلقه عدد المسلمين في مدينة متوسطة الحجم هناك".
ويورد الكاتب نقلا عن تارانت، قوله: "في الوقت الذي جلست فيه في سيارتي المستأجرة في مرآب سيارات، رأيت سيلانا من الغزاة يمرون من خلال أبواب المركز التجاري.. ولكل فرنسي أو فرنسية كان هناك ضعف العدد من الغزاة، لقد رأيت ما يكفي وبغضب خرجت من المدينة، رافضا أن أبقى في مكان ملعون، واتجهت إلى مدينة أخرى".
ويجد ثارور أنه "مع أن مستويات الهجرة تراجعت بشكل كبير منذ 2015 -ومع أن المسلمين أقلية صغيرة في الدول الأوروبية كلها- إلا أن الاعتقاد بعكس ذلك يبقى هو المحرك لليمين الاوروبي المتطرف، وانتشر بأشكال مختلفة عبر الأطلسي وللجهة المقابلة من العالم".
وينوه الكاتب إلى أنه في مقابلة مع "واشنطن بوست" شجب رينو كاموس، مؤلف كتاب "الإحلال العظيم" عام 2012، جريمة تارانت، بالرغم من أن تارانت بالتأكيد تأثر بكتابه، وأعرب كاموس عن قلقه من الطريقة التي يتم فيها تفسير أفكاره من السياسيين اليمينيين المتطرفين.
ويعلق الكاتب قائلا: "ليس كاموس هو الوحيد، فكان مستشار ترامب السابق ستيفين بانون، يشير إلى كتابات جان راسبيل، الذي صورت روايته
العنصرية (معسكر القديسين)، التي نشرها عام 1973، فيضانا عظيما من المهاجرين ذوي البشرة الغامقة تأكل فرنسا، وفي عام 2015 دعت زعيمة اليمين المتطرف مارين لو بين أتباعها إلى قراءة هذا الكتاب".
ويشير ثارور إلى أن راسبيل كان أكثر صراحة حول ما يعتقد أنه يجب أن يكون رد الفعل في وجه الهجرة، فقال للصحافية ساشا بولاكو- شرانسكي عام 2016: "ستكون هناك حركة مقاومة، وقد بدأت، وإن أصبح الوضع كما أتوقع -مأساوي- ستكون هناك مقاومة صارمة ومسلحة.. ودون استخدام القوة لن نوقف الغزو".
ويبين الكاتب أنه "بالنسبة للبعض فإن عرض أفكار وأرقام راسبيل وكاموس بشكل مؤدب في التيار الرئيسي للإعلام، ينظر إليه على أنه جزء من مشروع الحوار حول هذه القضية، وفي الأيام الأخيرة أشار المعلقون إلى نظام متكامل من المستشارية وتغطية الأخبار في الغرب، ساعدت على جعل بعض أشكال الإسلاموفوبيا تبدو طبيعية.
ويلفت ثارور إلى أن صحافي مجلة "ذي أتلانتيك" آدم سيرور كتب في مقال طويل عن العداء الأمريكي للمهاجرين، قال فيه إن قلق البيض من الهجرة، سواء كان المهاجرون من أصول إسبانية أو مسلمة، يرتكز على قبول ضمني لدى التيار الرئيسي لنظرية "الإحلال": "فحتى أكثر التغطيات الإعلامية حسن نية للتغير الديمغرافي في الولايات المتحد تميل إلى تصوير غضب الأمريكيين البيض الذين يعتقدون أن قوتهم السياسية مهددة بالهجرة على أنه مبرر، وكأن الآراء السياسية للقادمين الجدد تحددها الجينات التي ورثوها وليس الإقناع".
وأضاف سيرور أن أحد الأركان التي تقوم عليها نظرية ترامب للهجرة هي "أن قيمة الإنسان الجوهرية تكمن في أصله القومي، وان إثنية محددة لها الحق الشرعي في الهيمنة السياسية الدائمة في الولايات المتحدة"، ويعلق الكاتب قائلا: "هذا هو استعلاء العرق الأبيض بعينه".
ويختم ثارور مقاله بالإشارة إلى قول صحيفة "واشنطن بوست" إن على ترامب "أن يصرح بشكل لا لبس فيه قائلا إن نظرية الإحلال التي اعتمد عليها المشتبه به في نيوزلندا ليست مجازا مقبولا في خطاب متحضر".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)