هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
- وعود بوتفليقة هي وعود انتخابية لا ضمان لتجسيدها بعد أن تنتهي الانتخابات
- قائد الأركان يدعم رئيس الجمهورية وحكم العسكر مباشرة في الجزائر صعب التحقيق
- احتجاجات الجزائر حجمها ضخم غير مسبوق ولا علاقة لها بالربيع العربي
قال رئيس حركة مجتمع السلم في الجزائر عبد الرزاق
مقري، إن "إصرار الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة على الترشح للانتخابات
الرئاسية هو من طبائع الأنظمة الشمولية، والذهنية الأبوية، كما أن هذا الإصرار ليس
إصرار بوتفليقة فقط، بل هو إصرار عائلته وأصحاب المصالح النافذين حوله".
ولفت مقري في مقابلة خاصة مع "عربي21"،
إلى أن "استقبال الشارع الجزائري لترشح بوتفليقة، كان واضحا من خلال المسيرات
الشعبية والطلابية والفئوية الضخمة الرافضة للعهدة الخامسة في كل الولايات"،
مشدّدا على أن "الصراع بين أجنحة السلطة لا يجهله أحد".
وأكد أن "تطورات الموقف يتابعه الجميع على
الأرض، وهو أضخم من أي حراك عرفته الساحات العربية، من حيث إنها مسيرات ضخمة في الوقت نفسه في كل ولايات الوطن ودوائره"، مضيفا: "المطالب بدأت برفض العهدة
الخامسة، وهي الآن تدعو للتغيير الشامل، ولكنه حراك سلمي حضاري يرفض الانحراف للعنف
بأي حال من الأحوال".
ورأى أن الوعود التي أطلقها بوتفليقة، وعلى رأسها
إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال أقل من عام، هي "وعود انتخابية لا ضمان
لتجسيدها بعد أن تنتهي الانتخابات، ونحن كنا قد توصلنا معهم إلى إمكانية تحقيق
توافق وطني وتأجيل الانتخابات لستة أشهر أو سنة، يتم فيها القيام بإصلاحات عميقة
نذهب بعدها لانتخابات حرة ونزيهة لا يترشح فيها بوتفليقة".
اقرأ أيضا: مقري يحذر من الالتفاف على الحراك الشعبي بالجزائر (شاهد)
واستطرد قائلا: "كان الضمان الذي تقدمنا به هو
حكومة توافقية يسيرها رجل توافقي يتمتع بالنزاهة والاستقلالية، هو من يشرف على
تنفيذ ما يُتفق عليه، ولكن للأسف الشديد أُجهض المشروع في آخر لحظة، وما يعد به
الرئيس الآن هو ما سلمناه كتابيا للرئاسة حرفيا".
وفي معرض تعليقه على وعد بوتفليقة بمحاربة الفاسدين،
شدّد "مقري" على أنه "حينما تغيب الديمقراطية وينتفي التوازن بين
المؤسسات، وتصبح العدالة تابعة للسلطة التنفيذية، ويصبح المجتمع المدني والمؤسسات
الإعلامية مُسيطر عليها، لا يمكن على الإطلاق محاربة الفساد".
واستطرد قائلا: "لو أراد بوتفليقة أو غيره
محاربة الفساد لاكتفى بوقف تزوير الانتخابات، لأنه حينما تفرز الانتخابات سلطة
تشريعية ورقابية تمثل إرادة الشعب ستكون الحكومة كذلك، وتستقل العدالة، ويقوم
المجتمع المدني والإعلام وغيرهم بالأدوار الرقابية المنوطة بها، أما ما يقوله
الرئيس هي وعود انتخابية لا ضمان على الإطلاق لتجسيدها".
ونوه رئيس حركة مجتمع السلم إلى أن "الأحزاب
والشخصيات السياسة قررت عدم المشاركة في هذه الانتخابات، ولم يبق إلا شخصيات وأحزاب
غير معروفة في البلاد، وإذا أجريت الانتخابات فستكون دون مصداقية وفاقدة للشرعية".
وأوضح "مقري" أن "السيناريوهات
المتوقعة بشأن التطورات التي تجري، تتمثل إما في أن تؤجل هذه الانتخابات الرئاسية، أو تتسبب في انزلاقات خطيرة - لا قدر الله-، أو يتم إجراؤها وتكون فاقدة للشرعية،
وتستمر بعدها الاضطرابات".
مبادرة التوافق الوطني
ودعا إلى "تطبيق مبادرة التوافق الوطني التي عرضناها
على الجميع، والتي انتهت باقتراح تأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر أو سنة، وفق ما
يتفق عليه وتشكيل حكومة توافقية تقوم بإصلاحات عميقة، ثم الذهاب لانتخابات رئاسية
وتشريعية ومحلية في إطار دستور جديد وهيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات".
ورأى أن "أبعاد الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها
الجزائر هي أبعاد وطنية خالية من الاستقطاب الأيديولوجي والحزبي، وحجمها ضخم غير
مسبوق منذ مظاهرات الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي"، مؤكدا أن "تلك
الاحتجاجات لا علاقة لها بالربيع العربي، بل آثار الربيع العربي وصور الدمار في
سوريا واليمن وليبيا، هي التي عطلت احتجاجات الجزائريين إلى الآن".
وتابع: "الجزائر عرفت ربيعها الأول في 5 تشرين
الأول/ أكتوبر 1988 غير أن الانتقال الديمقراطي الذي تبع لم ينجح، ووقع الانقلاب
على نتيجة الانتخابات التشريعية في كانون الثاني/ يناير 1992 على الجبهة الإسلامية
للإنقاذ، والانقلاب على صناديق الانتخابات الرئاسية ضد الشيخ محفوظ نحناح سنة 1995".
وأردفت: "اتجهت البلاد إلى دوامة خطيرة من
العنف، ولم يسمح مسار التزوير الانتخابي الطويل من تصحيح الوضع، وكانت النتيجة
انهيارات اقتصادية واجتماعية كبيرة وانتشار الفساد على أوسع نطاق".
زاد قائلا: "تعامل الشعب الجزائري مع هذا الوضع
بصبر كبير بالنظر لمأساة التسعينيات وأوضاع العالم العربي، ولكن لما أريد فرض
العهدة الخامسة لرئيس مريض غائب تماما، يحكم غيره باسمه، أحس الجزائريون بأن الأمر
يتعلق بكرامتهم فنفذ صبرهم".
اقرأ أيضا: آلاف الاتصالات على مستشفى جنيف تسأل عن بوتفليقة (شاهد)
وعن نتيجة الحراك الجزائري، أوضح أنه "لكل ثورة
ثورة مضادة، ولو كانت سلمية، والجزم بالنتائج سابق لأوانه، ولكن المخاوف
كبيرة"، منوها إلى أنه "لا توجد حتى الآن جهات معروفة تقف خلف الدعوات
التي تطالب بضرورة إعلان العصيان المدني".
وأوضح أن "عهدة بوتفليقة فيها بعض الإيجابيات،
منها تثبيت المصالحة الوطنية التي سبقه إلى التضحية من أجلها قبله كثير من
الوطنيين، على مستوى المؤسسة العسكرية والأحزاب والشخصيات السياسية، ومن هؤلاء حركة
مجتمع السلم والشيخ محفوظ نحناح ونائبه الشيخ السليماني الذي قتله الإرهاب".
واستدرك قائلا: "غير أن سلبيات عهدة بوتفليقة
أعظم بكثير من حيث نتائج التنمية الاقتصادية، وسلامة المؤسسات ومصداقيتها، وانتشار
الفساد، وانهيار القيم وغير ذلك، وقد بينا ذلك بتقارير علمية رقمية لم تستطع حتى
الموالاة ردها".
وحول الشعبية التي يتمتع بها "بوتفليقة"
الآن، ذكر أن "هناك استفتاء الآن في الشارع ضد رئاسة بوتفليقة لعهدة خامسة،
ولو تجرى الانتخابات فإن النتيجة الحقيقية ستكون إذلالا تاريخيا لرئيس مترشح، ولكنهم
إذا تمكنوا من الوصول إلى يوم الانتخابات وتمكنوا من إجرائها، فسيعلنون الرقم الذي
يريدون".
وأكد أن "الأزمة تكمن في شخص بوتفليقة والأطراف
المتصارعة حوله داخل النظام؛ فالرئيس أنشأ نظاما يحفظ بقاءه، ولو كان في فراشه،
وهناك أطراف متصارعة لا يستطيع أحد أن ينهي الآخر، والكل خائف من الآخر، والنتيجة أن الجميع يرى مصلحته في استمرار بوتفليقة، وهذا هو ما منعهم من تقديم بديل لبوتفليقة".
ولفت إلى أن "حالة الرئيس سيئة منذ سنوات إلى
الحد الذي لا يسمح له بالقيام بوظيفة رئيس الجمهورية، واستياء حالته الصحية تحصيل
حاصل"، مشدّدا على أنه "لا أحد يستطيع أن يجزم هل الرئيس يعلم بما يدور
حوله أم لا؛ فربما لا يعلم بترشحه لولاية رئاسية خامسة كما قال رئيس الحكومة
الجزائرية السابق، علي بن فليس".
ورفض تحذير رئيس الوزراء أحمد أويحيى للشعب من
الانضمام للاحتجاجات، لعدم تكرار السيناريو السوري بالجزائر، قائلا: "الشعب
الجزائري على مستوى عال من الوعي والإدراك، وضرورة المحافظة على السلمية أصبحت
ثقافة عامة، وحتى الأجهزة الأمنية تتصرف إلى حد الآن بمهنية عالية، ولكن تبقى
سياسة التعفين من أطراف دخيلة على الحراك الشعبي واردة"، بحسب تعبيره.
موقف قائد الأركان
وبشأن موقف المؤسسة العسكرية، قال: "لا يخفى
على أحد أن قائد الأركان يدعم رئيس الجمهورية، والمؤسسة العسكرية منذ الاستقلال هي
التي تصنع الرؤساء، ولكن لا بد أن يتغير هذا الوضع، ومع الوعي المتصاعد لدى عموم
الجزائريين، يمكن أن يتحقق تغيير هذه الحالة ويكون الشعب هو من يختار حكامه وينهي
عهدهم".
وعن احتمالية استخدام الجيش للقوة للإطاحة
بالمتظاهرين وببوتفليقة معا ليتأسس الحكم العسكري المباشر، قال: "كل شيء
وارد، ولكن حكم العسكر مباشرة في الجزائر صعب التحقيق".
وعن أسباب عدم توحد إسلاميي الجزائر حتى الآن، ذكر: "نحن
نعيش حالة سياسية عادية كما هو موجود في العالم بأسره، العائلات السياسية تتشكل من
أحزاب عديدة كل منها، وإذا اعتبرنا التصنيف الشائع في الجزائر، فإن التيار الوطني
يتشكل من العديد من الأحزاب، والتيار العلماني كذلك، فلماذا يُنتظر من الإسلاميين
أن يكون لديهم حزب واحد. وحتى إن استطاع بعضهم أن يتوحدوا فستكون هناك أحزاب
إسلامية أخرى قائمة".
وأكمل: "سيفهم الناس مع رسوخ الإسلاميين في
العمل السياسي بأن تعدد الأحزاب الإسلامية كتعدد المذاهب الفقهية الإسلامية
وغيرها، وقد يكون ذلك هو الأفضل، ولو سلمنا بوصول العالم الإسلامي إلى الديمقراطية
نهائيا، فالأفضل للأمة أن يكون التداول على السلطة داخل مشروعها ولن يتأتي ذلك إلا
بوجود تعددية حزبية تؤمن بمشروع الأمة، فتخيلوا الخسائر الكبرى مثلا لو خلف حزب
العدالة والتنمية التركي في السلطة حزبا علمانيا متطرفا كيف سيكون الحال".
وبشأن التخوفات التي لدى البعض من احتمالية تكرار ما
يُعرف بـ"تجربة العشرية السوداء" بعد نجاح الإسلاميين في تسعينيات القرن
الماضي، خاصة أن هناك مرشحين لهم خلفية إسلامية في الانتخابات، نوه
"مقري" إلى أنه لن ينجح أي إسلامي في هذه الانتخابات الرئاسية الراهنة،
ولكن قد ينجحون في أي انتخابات أخرى لاحقة.
وأردف: "حين يكون الأمر للنظام السياسي لا يقبل
لا من يسمونهم إسلاميين ولا غير الإسلاميين، هم حينما يكونون في كامل قواهم لا
يتركون الكرسي لغيرهم مهما كان انتماؤه وتياره، أما الظرف الدولي فإنه يتعلق
بالمصالح لا غير، وحينما يرى مصالحه غير مستمرة مع نظام قائم، فإنه سيتعامل مع
الأكثر حظوظا سواء كانوا إسلاميين أوغير إسلاميين".
اقرأ أيضا: رغم رسالة بوتفليقة.. حشد لمظاهرات "جمعة الحسم" بالجزائر
وتابع: "الأحداث التي عرفها العالم العربي تعود
مسؤوليتها الأولى للأنظمة العربية التي لها كامل الاستعداد -إذا استطاعت- أن ترحل
شعبا بكامله ولا ترحل هي، ولكن يجب القول إن الإسلاميين لم يكونوا ماهرين في إدارة
مرحلة الانتقال الديمقراطي، سواء في الجزائر في التسعينيات أو في دول عربية أخرى
بعد ذلك".
وتساءل مقري: "لماذا يُطرح هذا السؤال بالنظر
للتجارب التي وقع فيها انكسار؟ لماذا لا يُطرح السؤال بالنظر للتجارب التي نجح
فيها الإسلاميون في التماسك وتقديم التجارب الناجحة في تركيا وتونس والمغرب مثلا؟".
وأضاف أننا "في الجزائر لنا قصة مختلفة عن
العديد من تجارب الإسلاميين، نحن حركة وطنية اكتسبت وجودها الطبيعي في النسيج
الوطني بشرف عال، قدمت من أجله 400 شهيد في مواجهة الإرهاب في سنوات التسعينيات من
قادة الحركة وإطاراتها".
وقال: "نحن من يحرج الأحزاب التي تدعي الوطنية
إذ لم تشارك في ذلك الوقت في حماية الدولة، كما أننا حركة لها تجربة في المجالس
المنتخبة لأكثر من ربع قرن وفي الحكومة لمدة 17 سنة، ولا يوجد في الجزائر من يضعنا
في سياق ظروف الحركات الإسلامية في البلدان العربية المتأزمة. وعلى العموم، المغرب
العربي كله خارج هذا السياق الذي تشيرون إليه".
وأكد أن "طي تجربة العشرية السوداء مرتبط برشاد
الحكم وقدرته على تلبية احتياجات وطموحات المواطنين، ولا يوجد من يهدد استقرار
البلد غير السلطة الحاكمة بفسادها وفشلها، وإذا لا قدر الله انفلت الوضع مرة أخرى، فلن يكون الإسلاميون المعروفون اليوم طرفا فيه، لأن التجربة حنكتهم وهم يعرفون كيف
يتعاملون مع الأوضاع العسيرة".
ونوه رئيس حركة مجتمع السلم إلى أن من وصفها بـ"خفافيش
الفتن قد تصنع مجموعات تحسب على الإسلاميين، ولكن في ظني لن ينطلي ذلك كذلك على
الجزائريين، لأن التجربة كذلك بصرتهم".
وردا على دعوة فرنسا لإجراء الانتخابات في أفضل ظروف
ممكنة وبشفافية كاملة، قال: "لتشتغل فرنسا بمشاكلها وأزمتها الاقتصادية
وأزمتها مع البدلات الصفراء".
وبسؤاله عن رؤيته لمواقف المجتمع الدولي من التطورات
التي تشهدها الجزائر، أجاب: "نحن لا نلقي بالا للمجتمع الدولي، الدول
المسيطرة فيه لا يهمها إلا مصالحها، وما يمكن أن تحققه من ذلك في كل دولة من الدول
الضعيفة والمتخلفة".