هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية حوارا مع رئيس الحكومة الجزائري السابق، علي بن فليس، تطرق من خلاله إلى الحديث عن التداول السلمي على السلطة في الجزائر وتداعيات ترشّح بوتفليقة لولاية خامسة على الوضع في البلاد.
وقالت المجلة، في حوارها الذي ترجمته "عربي21"، إن بن فليس كان في سنة 2004 و2014 المرشح الرئيسي للمعارضة في الانتخابات الرئاسية في مواجهة بوتفليقة. ويظل السؤال المطروح هو: هل سيلعب بن فليس الدور ذاته في غضون أقل من شهرين من الآن؟
وأشارت المجلة إلى أن بن فليس مازال بين أخذ وردّ حول مسألة ترشحه للانتخابات الرئاسية، علما وأنه مُطالب بالإعلان عن قراره قبل نهاية شباط/ فبراير.
وكغيره من الجزائريين، ظن بن فليس أن الرئيس سيكتفي هذه المرة بلعب دور الحكَم لتداول سلمي على السلطة، والضامن لمنافسة عادلة.
لكن المرشح غير المحظوظ في الانتخابات الرئاسية في 2004 و2014 لا يروق لمن كان واحدا من أقرب معاونيه قبل أن يذهب كل منهما لحال سبيله في أيار/ مايو 2003.
وعلى الرغم من أن بن فليس لا يتوانى عن تشويه صورة حاشية الرئيس وإدانة الولاية الخامسة، فضلا عن أنه يأسف لحال البلاد، إلا أنه لا يهاجم أبدا شخصية بوتفليقة.
وعن سؤال المجلة لبن فليس حول ترشحه للانتخابات، أجاب رئيس الحكومة الجزائري السابق أن "هذا القرار يعود إلى اللجنة المركزية لحزب 'طلائع الحريات' وسألتزم به.
يجب أن تفهموا أن مشاركتي في الانتخابات من عدمها لا علاقة لها بالولاية الخامسة للرئيس؛ سواء تمكن الرئيس من إحداث تغيير حقيقي أو أن الأمر سيكون عبارة عن تجديد غير مسؤول للسلطة السياسية والقوى غير الدستورية تحت غطاء ولاية خامسة.
وفي السيناريو الثاني، ستدخل الجزائر في مستقبل غير واضح سيؤثر حتما على استقرارها".
اقرا أيضا : مقري يهاجم الإعلام الجزائري ويتهمه بتحريف حقيقة الاحتجاجات
وفي سؤال المجلة عما يقصده بن فليس "بالقوى غير الدستورية"، أوضح السياسي أن هذه الفئة تشمل جميع القوى السياسية والاقتصادية والإعلامية، التي تمتلك الأموال، المشبوهة عادة، والتي تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة على مستقبل الأمة خارج أي إطار دستوري، وذلك لخدمة مصالحها الخاصة وضمان الاستمرارية.
وطلبت المجلة من بن فليس تقييم الوضع على بعد شهرين من الانتخابات، ليُوضح السياسي أنه مبهم وغير مستقر وخطير، وأن الوضع الراهن يلائم النظام الذي يستمد منه قوته واستمراريته، فضلا عن أن الفراغ في أعلى هرم السلطة يعتبر خطيرا إذ ينجر عنه تفكك المؤسسات.
على صعيد آخر، كان بن فليس مدير حملة بوتفليقة الانتخابية في سنة 1999 قبل أن يتقلد منصب رئيس الحكومة، وهو ما يطرح سؤالا حول ما إذا كان بوتفليقة قد أظهر له نيّته بالتشبث بالسلطة مدى الحياة.
في هذا الصدد، قال السياسي: "لم أظن يوما أنني سأرى الجزائر في هذا الوضع من الانحطاط ولم أفكر قط أننا سنصل إلى هذه الحالة من أجل مصالح شخصية أو بقاء في السلطة".
وتساءلت المجلة عما إذا كان بن فليس سيلتزم بولاية واحدة فقط وسيترك المجال لغيره عند انتهاء فترته، فأجاب السياسي: "بالطبع.
لن أكون ضد ذلك إذا كانت هذه الخطوة تساهم بشكل كبير في التوصل إلى إجماع من أجل إخراج الجزائر من هذه الأزمة غير المسبوقة.
إنها أسوأ أزمة للبلاد في تاريخها الحديث وهي متعددة الأبعاد؛ سياسية ومؤسسية واجتماعية واقتصادية، على غرار تدني المقدرة الشرائية وتنامي الصراعات الإيديولوجية وتدهور وضعية حقوق الإنسان".
وتحدثت المجلة عن عملية طباعة الأوراق المالية التي أطلقتها الحكومة في سنة 2017، متوجهة إلى بن فليس بالسؤال حول ما إذا كان سيتصرّف بشكل مغاير في حال كان في السلطة.
وقد أفاد رئيس الحكومة السابق بأن "اقتصادنا يحتاج إلى إصلاحات هيكلية للتنويع والحد من الاعتماد على الهيدروكربونات.
من جانبي، أُفضل إصلاحا عميقا للاقتصاد ولطريقة إدارة البلاد سياسيا واقتصاديا قبل النظر في اللجوء إلى التمويل الخارجي".
اقرا أيضا : تجدد الاحتجاجات وسط الجزائر والشرطة تعتقل متظاهرين
وأضاف بن فليس أن "التمويل الخارجي قد يكون بمثابة رافعة للنمو إذا تم توظيفه على نحو جيد وتوجيهه خاصة نحو مشاريع البنية التحتية والمعدات".
وأفادت المجلة بأن أقل ما يمكن قوله إن وعود القادة بتمرير المشعل للأجيال الجديدة لم يتم الإيفاء بها. في هذا الإطار، أوضح بن فليس أن طموحات الشباب مشروعة وحتى أنها "طبيعية"، ويأملها كل جزائري من جميع الأجيال ويعمل على تحقيقها، "وهو ما قمت به أنا ومن ينتمي إلى جيلي والأجيال اللاحقة، لكن ليس الجيل الجديد".
لكن ألا يعتبر هذا حديثا قد عفا عليه الزمن؟ في هذا السياق، أورد بن فليس أن الشباب الجزائري يطمح للبناء والإسهام والاندماج في دوائر صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وينبغي أولا إعادة بناء الثقة مع الجيل الصاعد.
وفي إجابته عن سؤال المجلة المتعلق بأولوياته في بداية فترة رئاسته في حال انتُخب رئيسا، أشار بن فليس إلى ضرورة "وضع خطة طارئة لكسر الجمود السياسي، ومواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية، وتحسين الوضع الاجتماعي.
علاوة على ذلك، سأنظم حوارا وطنيا شاملا من أجل التوصل إلى إجماع حول الأسس التي يجب التخلص منها لإعادة إحياء دولة القانون والنظام الديمقراطي. كما سأشكل حكومة وحدة وطنية وسأعين لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات ومراقبتها".
وتطرقت المجلة إلى تجربة بن فليس في منصب رئيس الحكومة حتى أيار/ مايو 2003 إلى حين عزله، وعما تعلّمه من ممارسة السلطة، ليفيد هذا السياسي بأن "أول درس يتجسد في أن ديناميكيات السلطة في الجزائر هرمية حيث أن كل شيء يتوقف على ما يحدث في القمة ويؤثر مباشرة على القاعدة.
أما الدرس الثاني فيتمثل في أن القوة يمكن أن تُشوَّه عندما تغيب عنها مصلحة الأمة لاعتبارات سياسية وحسابات شخصية".
أما فيما يتعلق بتقييم بن فليس لسنوات حكم بوتفليقة العشرين، أوضح السياسي أنه "لسوء الحظ، لا يمكننا التستر عن الواقع والشكوك التي تحوم حول المستقبل، فالإفلاس أخلاقي قبل كل شيء، كما أننا أضعنا فرصة القيام بعمل أفضل بكثير. إن أفضل ما تمخّضت عنه هذه السنوات العشرين المهدورة هو يأس الشباب".
وفي الختام، تساءلت المجلة عن مدى خشية بن فليس من الولاية الخامسة إذا ما أُعيد انتخاب بوتفليقة، حيث أجاب بأن "هذه الولاية الخامسة تمثل المجهول واستمراريته وهو ما يطرح سؤال رئيسيا: من يتحكم حقا بمصير الجزائر بينما الرئيس غائب منذ سنوات؟ إن هذه الولاية الخامسة لن تكون أبدا لبوتفليقة بل للقوى غير الدستورية".