هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد اقتصاديون مصريون أن ما أعلنه البنك المركزي المصري عن تكبده لخسائر وصلت إلى 33 مليار جنيه (1.9 مليار دولار) خلال عام 2018، كانت نتيجة طبيعية للسياسة النقدية التي اتبعها البنك وفقا لتطورات السياسة المالية التي فرضتها الإجراءات المصاحبة للقرض الذي حصلت عليه مصر من صندوق النقد الدولي عام 2016.
ووفقا للمختصين، فإن قيام البنك بامتصاص السيولة على مدار العام كان السبب الأساسي لهذه الخسائر، التي تعد إحدى ثمار توسع الحكومة بطرح سندات حكومية بالعملات المحلية والأجنبية خلال عام 2018، مقارنة بالأرباح التي حققها البنك خلال عام 2016/ 2017، والتي بلغت نحو 12.6 مليار جنيه.
من جانبه، برر محافظ البنك المركزي، طارق عامر، سبب هذه الخسائر بأن البنك تحمل فروق أسعار الفائدة للمبادرات التي أطلقها خلال الـ3 سنوات الماضية، ومنها مبادرة التمويل العقاري لمحدودي ومتوسطي الدخل، ومبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، ومبادرة المتعثرين عن سداد القروض.
وأكد بيان البنك أن خسائره الحقيقية لا تتجاوز 2.5 مليار جنيه، وباقي المبلغ، الذي يقدر بـ30.8 مليار جنيه، عبارة عن الضرائب المستحقة على البنك نتيجة استثماراته في السندات الحكومية، التي قام بطرحها.
دعم مشروعات السيسي
ووفقا لتحليل الخبير الاقتصادي أيمن النجار لـ"عربي21"، فإن البنك المركزي اتبع العديد من السياسات الخاطئة منذ توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض الـ12 مليار دولار، وهي السياسات التي ارتبطت بشكل كبير برغبة النظام السياسي لبناء احتياطي نقدي وهمي.
ويؤكد النجار أن هذه السياسية اعتمدت على التوسع في الحصول على القروض المباشرة وغير المباشرة من خلال طرح سندات الخزانة، ما قفز بالدين الخارجي إلى 93.130 مليار دولار، حتى سبتمبر 2018، مقابل 80.831 مليار دولار في الشهر ذاته لعام 2017.
ويضيف النجار أن البنك قام خلال 2018 بالتوسع في طرح ودائعه المربوطة للبنوك لامتصاص السيولة، لمواجهة ارتفاع أسعار الفائدة، بسبب معدلات التضخم المتزايدة، ما أدى لارتفاع مدفوعات الفوائد نظير ودائع البنوك المحلية إلى 114.4 مليار جنيه.
اقرأ أيضا: رغم موجة ارتفاع الأسعار.. مصر تتجه لزيادة رسوم النظافة
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن رئيس نظام الانقلاب عبد الفتاح السيسي، حاول التقليل من تأثيرات القرض الدولي على الوضع الاقتصادي، فقام بطرح العديد من المبادرات لتنشيط المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكلف البنك المركزي بالتمويل المباشر، إلا أن تباطؤ حركة السوق لزيادة معدلات التضخم، وتوقف الاستثمارية الأجنبية، أدي لفشل هذه الخطة، ما دفع بالبنك المركزي لوقف تمويل عدد من برامجه التشاركية، بعد تكبده لخسائر 242 مليون جنيه بأقل من عامين.
ويوضح النجار أن الدور المنوط بالبنك المركزي هو الرقابة والتخطيط للسياسة المالية والنقدية للدولة، وليس القيام بأعمال تجارية، بتقديم القروض وتمويل ودعم المشروعات، وهو الدور المنوط بالحكومة القيام به، من خلال الوزارات المعنية، والصندوق الاجتماعي للتنمية، وبالتالي فإن دخول البنك المركز بهذا المجال لم يكن إلا استجابة لمبادرات السيسي، ما جعله في النهاية يجني ثمار فشله وتدخلات السيسي في عمله.
محاسبة المحافظ
ووفقا للخبير الاقتصادي كامل المتناوي، فإن البنك المركزي من المفترض أن لديه العديد من العمليات المصرفية، كما أنه الجهة الوحيدة التي تستطيع توظيف فوائض السيولة، وتحقيق الأرباح، وكونه يحقق خسائر بهذا القدر، فإنه أمر يتطلب محاسبة المسؤولين عنه، نتيجة فشل سياسته النقدية والمصرفية.
ويضيف المتناوي لـ"عربي21" أن القرض الذي وقعته مصر مع صندوق النقد الدولي ودخل مرحلته الأخيرة، كان له العديد من الاشتراطات المالية والمصرفية، كما أن تأثيراته السلبية على الاقتصاد المصري كانت كبيرة في ظل فشله في تحقيق المستهدف منه، وهو علاج عجز موازنة الدولة، وبدلا من أن يقوم القرض بذلك، فإن الصندوق ورط مصر في الديون والقروض، التي زادت من عجز الموازنة.
ويستدل المتناوي بإعلان الحكومة المصرية، نهاية الأسبوع الجاري، طرحها دفعة جديدة من السندات دولارية بقيمة 4 مليارات دولار على ثلاث شرائح، موزعة على 5 و10 و30 عاما، لتمويل عجز الموازنة المصرية، وكانت مصر طرحت سندات سابقة بقيمة 4 مليارات دولار، وأخرى بقيمة ملياري يورو (2.46 مليار دولار)، خلال عام 2017،.
ويشير المتناوي إلي أنه في ظل كل هذه الأزمات، فإن السيسي أراد استغلال البنك المركزي في تمويل المشروعات العقارية، التي توسع في إنشائها، بطرح مبادرات التمويل العقاري صغير ومتوسط الأجل، ولأنها مشروعات لا تعبر عن الاقتصاد الحقيقي، فإن النتيجة الطبيعية كانت هذه الخسائر.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإن من أبرز كوارث البنك خلال السنوات الماضية، توسعه بالاستدانة من البنوك المركزية الإقليمية، لزيادة رأس ماله، ما دفعه لأن يودع خلال 2018 لهذه البنوك 62.8 مليار جنيه، أقساط لهذه الاستدانة، مقابل 56 مليار جنيه سددها خلال 2017، وهي سياسة اعتبرها المركزي المصري آمنة في ظل سيطرته على الأوضاع المالية، ولكن الواقع الاقتصادي المصري السيئ كشف عكس هذه التوقعات.