هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتبة لارا سيليغمان، تقول فيه إنه في الوقت الذي تفكر فيه واشنطن بالانسحاب الكامل من أفغانستان، فإن موسكو تحاول أن تؤدي دورا رئيسيا في مستقبل البلد، كجزء من جهد أوسع لمواجهة نفوذ أمريكا وحلف الناتو في المنطقة.
وتشير سيليغمان في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه في الوقت الذي يروج فيه المسؤولون الأمريكيون للتقدم في مفاوضات السلام مع حركة طالبان، فإن روسيا كانت تقوم بصمت بجهد مواز، حيث استضافت مؤتمرا دبلوماسيا في موسكو في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، حضره ممثلون عن حركة طالبان، وأعضاء المجلس الأعلى للسلام التابع للحكومة الأفغانية، وممثلون عن باكسان وإيران والصين، فيما حضر ممثل عن السفارة الأمريكية في موسكو بصفة مراقب.
وتلفت الكاتبة إلى أن المبعوث الروسي لأفغانستان زامير كابولوف وصل إلى إسلام أباد في 29 كانون الثاني/ يناير لإجراء مباحثات مع دبلوماسيين باكستانيين كبار، ستركز على جهود البلدين للتوصل إلى حل سياسي للصراع الأفغاني، مشيرة إلى أنه في الوقت ذاته فإن روسيا ستقوم يوم الثلاثاء باستضافة مفاوضات بين حركة طالبان والسياسيين الأفغان المعارضين للرئيس الأفغاني أشرف غني.
وتجد سيليغمان أنه "مع أن مؤتمر تشرين الثاني انتهى بالفشل -رفض الجانبان التفاوض معا- فإن محاولة روسيا في الوساطة تعكس رغبة موسكو لاستعادة دورها بصفتها قوة إقليمية مؤثرة سياسيا، وإن قررت أمريكا سحب قواتها قبل التوصل إلى اتفاق بين حركة طالبان والحكومة التي تدعمها أمريكا في كابول، فإن المراقبين يتوقعون أن تقوم روسيا بملء الفراغ".
وتنقل المجلة عن مسؤول في الخارجية الأمريكية، قوله: "في حالة انسحاب أمريكي فإن روسيا ستكون راغبة ومتطلعة إلى أداء دور ريادي في الشؤون الأفغانية.. لقد كانت روسيا قادرة على فرض أهميتها بصفتها صاحبة مصلحة رئيسية، ووسيطة في الصراع الأفغاني"، ووصف مؤتمر تشرين الثاني/ نوفمبر بأنه "حدث مهم".
وتقول الكاتبة: "كان للاتحاد السوفييتي سابقا تاريخ أسود في أفغانستان، حيث غزت البلد عام 1979، كجزء من جهدها لدعم النظام الشيوعي الفاشل في كابول، ودمرت الحرب التي استمرت 10 سنوات أفغانستان، وقتل فيها ما يقدر بمليون أفغاني، ودمرت البنية التحتية، وبالنظر إلى هذا التاريخ، يقول الخبراء إن أي محاولة روسية للتدخل في الصراع ستكون محفوفة بالمشكلات".
وتورد سيليغمان نقلا عن سيث جونز من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله إن روسيا تحاول بصمت أن تحسن علاقاتها مع حركة طالبان وباكستان، التي تعد لاعبا إقليميا رئيسيا آخر، وأضاف أنه بالإضافة إلى إمداد حركة طالبان بالسلاح والأموال، فإن موسكو أيضا تدير حملة دعاية في الصحف الروسية، متهمة واشنطن بتوفير الدعم لتنظيم الدولة.
وتنقل المجلة عن الخبراء، قولهم بأن روسيا ترى أن التدخل في الصراع الأفغاني هو إحدى السبل في تقويض نفوذ أمريكا وحلف الناتو في المسرح العالمي، خاصة في المناطق التي ترى روسيا أنها جزء من منطقة نفوذها، لافتة إلى أن أفغانستان تشترك في الحدود مع عدد من الجمهوريات التي كانت في الاتحاد السوفييتي سابقا.
ويقول جونز للمجلة إن موسكو تعتقد بأن حركة طالبان قوة ذات اعتبار، ويضيف: "أعنقد أن هذا إشكالية في مجال نفوذها".
وتورد المجلة عن الخبير في مجموعة راند جاسون كامبل، الذي كان يعمل حتى أيلول/ سبتمبر 2018 مديرا للشأن الأفغاني في مكتب نائب وزير الدفاع المتخصص في وضع السياسات، قوله: "أعتقد بشكل عام أن روسيا رأت على مدى السنوات القليلة الماضية فرصة في أفغانستان.. لفتح جبهة ضد أمريكا والناتو"، حيث أن وجود أمريكا جنوب الحدود الروسية، بالإضافة إلى ما تراه روسيا "تلاعبا" في أوكرانيا ودول البلطيق يزعج موسكو، وسترحب روسيا بالتأكيد بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
وأضاف كامبل أن جهود السلام الروسية كانت متواضعة، مشيرا إلى أن الأفغان أرسلوا وفدا من "صغار السياسيين" لمؤتمر تشرين الثاني/ نوفمبر، واستخدمت حركة طالبان المؤتمر "لإعادة الإعلان عن مطالبها من أمريكا"، وأشار إلى أن روسيا تتعلم، مثل باكستان قبلها، أنه من الصعب التحكم بحركة طالبان، وقال كامبل عن اجتماع 29 كانون الثاني/ يناير في باكستان، إنه ذو علاقة أقل بالمحتوى وأكثر بالإشارة إلى أن روسيا لاعب رئيسي.
وتستدرك الكاتبة بأنه بالرغم من التقدم المحدود الذي أحرزته روسيا، إلا أن المراقبين قلقون من أنه في حال انسحاب أمريكا من أفغانستان دون تحقيق السلام بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، فإن تأثير موسكو سيقوي تأثير حركة طالبان.
وتنقل المجلة عن مسؤول دفاعي أمريكي، قوله: "إن قامت أمريكا ببدء المفاوضات فقط ثم تنسحب فإن روسيا ستدخل وتؤدي دور صانع الملوك".
وتبين سيليغمان أن الخبراء يخشون أنه دون دعم أمريكي، فإن الحكومة الأفغانية ستجد من الصعب أن تمنع حركة طالبان من السيطرة على مناطق رئيسية.
وتورد الكاتبة نقلا عن المراقب العام لإعادة بناء أفغانستان، قوله في تقرير جديد للكونغرس، نشر في 31 كانون الثاني/ يناير، بأن نفوذ الحكومة الأفغانية على الشعب تراجع في الربع الأخير، فمنذ 31 تشرين الأول/ أكتوبر أصبحت حكومة كابول تسيطر على 53.8% من مجموع محافظات أفغانستان، وهذا أقل بسبع محافظات مقارنة مع الربع السابق، وثماني محافظات مقارنة مع الفترة ذاتها من 2017، وأشار التقرير إلى أن 12.3% من المحافظات تحت سيطرة المتمردين، و33.9% منها متنازع عليها.
وتفيد سيليغمان بأنه في الوقت ذاته فإنه يبدو أن قوة الجيش والأمن الأفغاني في حالة تراجع، فقد انخفض العدد بـ3635 شخصا منذ الربع الأخير إلى أقل عدد منذ بدأ برنامج دعم الناتو لها "الدعم الحازم" تدريبا وتوجيها في كانون الثاني/ يناير 2015.
وتنوه الكاتبة إلى أنه مع ذلك، فإن القادة العسكريين الأمريكيين على الأرض يرون بعض علامات التقدم، فقال القائد لكتيبة المشاة المقاتلة الثاني، التابعة لفرقة المشاة الرابعة، الكولونيل ديف زين، الذي تم نشر فرقته في أفغانستان من آذار/ مارس إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، للمراسلين في البنتاغون، في 30 كانون الثاني/ يناير، بأن القوات الأفغانية تقود حماية الأمن المحلي، وأثبتت إمكانيات جيدة ومتطورة، ونجح الجنود الأفغان في نشر المجسات الجوية التي تبحث عن أهداف يمكن ضربها بالمدفعية، في الوقت الذي تقوم فيه القوات الجوية الأفغانية الناشئة بتشغيل طائرات الدعم الجوي وطائرات الهيلوكبتر الهجومية والناقلة.
وتشير المجلة إلى أنه مع أن زين قال إنه "بالتأكيد سيتردد في استخدام تعبير تقدم دراماتيكي"، إلا أنه قال إنه شاهد "جيشا أفغانيا يتطور ويتحسن، وبدا ذلك واعدا بالنسبة لي".
وتذكر سيليغمان أنه في الوقت الذي تستمر فيه جهود السلام الأمريكية، إلا أن روسيا تحاول التقليل من أهمية ذلك، فعبرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن تشككها حول تلك المحادثات.
وتنقل المجلة عن زاخاروفا، قولها: "نرحب بقرار أمريكا بإطلاق عملية سلام في أفغانستان، لكن إلى الآن فشلت محاولات زلماي خليل زاد في إقناع حركة طالبان بالجلوس على طاولة المفاوضات مع الوفد الرسمي من كابول، بالرغم من الضغط الكبير على حركة طالبان من الأمريكيين وعدد من دول الخليج وباكستان.. ولذلك فإن من الواضح أن الحديث عن نتائج للجهد الأمريكي أحادي الجانب لإطلاق عملية سلام في أفغانستان سابق لأوانه".
وتقول الكاتبة إن "روسيا تبقى واحدة من العديد من اللاعبين في المنطقة، فدول الخليج وإيران والهند وباكستان كلها تحاول أن تفرض نفسها في مستقبل البلد، بحسب كامبل، وسيكون من الصعب على روسيا أن تتنافس مع باكستان لتكون (المدافع عن حركة طالبان)".
وتختم سيليغمان مقالها بالقول إنه مع ذلك فإن موسكو لن تتنازل بسهولة، فقال مسؤول الخارجية: "ترى روسيا في أفغانستان الخارج القريب، وترغب في فرض نفوذها".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)