توقفنا في
المقال السابق عند تحديد اللاعبين الفاعلين في المشهد الداخلي
المصري، والمؤثر بشكل كبير على صناعة القيادة الثورية، إذ أن على القيادة أن تضع في اعتبارها الأوزان النسبية لهؤلاء اللاعبين، وإمكانية تأثير كل منهم على المشهد، ومدى إمكانية استمالة بعضهم، وصولا لتباين الصفوف.
وبعد أن بينّا اللاعبين الفاعلين في المشهد الداخلي، نبدأ في هذا المقال قراءة موقف اللاعبين الفاعلين، في المشهد المصري، من الخارج، وهم في ذلك يقسمون بين لاعبين إقليمين، ولاعبين دوليين.
أما اللاعبون الفاعلون إقليميا، فيتمثلون في كل من: السعودية والإمارات وقطر، ولكل واحدة من تلك الدول موقفها ومصالحها في مصر، ومن ثم تؤثر في المشهد المصري بحسب تلك المصالح، وقد تتغير نسبيا من وقت لآخر ويؤثر في مواقفها، إلى جانب
السياسة الدولية للدول الكبرى، وعلى رأسها موقف الولايات المتحدة الأمريكية.
السعودية: وهي الدولة الأكبر في المشهد الإقليمي، من حيث المساحة وعدد السكان والقدرة المالية.. يهم السعودية في المقام الأول ألا يتحرك المشهد في مصر نحو
التغيير، لسببن: الأول هو حالة الجمود التي تعيشها الممالك الرافضة لأي تغيير والخائفة دوما من أي حراك جماهيري، إذ أن طبيعة الممالك الرفض القاطع للحراك الجماهيري في الجمهوريات، وتحارب تلك الجمهوريات لما تمثله دوما من تموجات سياسية متقلبة وتداول مطروح (وإن لم يقع)، للسلطة بحكم الانتخابات التي من المفترض أن تعبر عن المزاج الشعبي. ولما كانت تلك الممالك قبلية أسرية، فإنها تحاول قدر ما استطاعت أن تبعد فكرة الممالك الدستورية عن مخيلة شعوبها، لما تطرحه من فكر الانتخابات والاعتبار برأي الشعب. ولقد كان موقف السعودية من الجمهورية الوليدة في مصر في خمسينيات القرن الماضي، ولا يزال، ثابتا إذ اختارت السعودية مناهضة تلك الجمهورية، وإن تغيرت أشكال تلك المناهضة، حتى في حالة المساعدات المالية التي فرضتها لمصر الجمهورية، فقد كانت تلك المساعدات لها غرض خبيث، مفاده ركون النظام إلى المساعدات دون العمل على التطوير والنهوض.
والناظر لموقف السعودية من اليمن بعد
الثورة يدرك هذه السياسة تجاه الجمهوريات، فهي تفضل بقاء اليمن مضطربا على أن تهزم عدوها إيران أو وكيله الحوثي.
وعودة إلى موقف السعودية من الثورة المصرية، التي عمدت منذ اللحظة الأولى إلى إنهاك هذه الثورة وبث الفتن فيها، ومساندة النظام القديم متمثلا في مبارك وأبنائه أو في المجلس العسكري الذي تولى مهام إدارة البلاد من بعده، فقد ساهمت المملكة في تأمين خروج أموال المخلوع ورجاله من ناهبي الوطن بإخراج مليارات الدولارات وسبائك الذهب لـتأمين الإنفاق على الثورة المضادة.
والآن وبعد التحول الذي حصل في السعودية، وسيطرة ولي العهد على مقاليد البلاد وانجراره وراء سياسات يرى فيها تثبيتا لأقدامه سيرا في طريق الجلوس على عرش بلاده مسنودا على القوى الإمبريالية العالمية والكيان الصهيوني، باتت المملكة داعما كبيرا للثورة المضادة، بل أحد أعضاء مجلس إدارتها، مع ذلك فإن الاعتقالات والتغيرات التي تشهدها المملكة يمكن أن تحدث تغيرا سيؤثر بالإيجاب على المشهد المصري، إن هو حدث.
اللاعب الثاني الفاعل إقليميا في المشهد المصري هي الإمارات، والتي لا تبعد كثيرا في موقفها عن السعودية، بل تزيد عليها أنها كارهة للإسلام السياسي. وظهر ذلك في مواقفها في كل بلاد الربيع العربي، فمواقفها في تونس وليبيا وسوريا شاهدة على هذه الأيديولوجية، كما أن الإمارات اختارت أن تلعب دور دولة الخنجر (وهو مصطلح في العلوم السياسية يطلق على دولة صغيرة ليس لها ثقل سياسي ولا تواجد دولي، تستخدمها قوى دولية لتكون رأس حربة لها)، وهو ما يفسر لعب الإمارات هذا الدور لعدم رغبة الغرب باستمرار التجربة الديمقراطية لأنها أفرزت رفضا شعبيا لهيمنتها.
أما اللاعب الثالث فهي قطر التي لها دور محوري في مساندة الثورات العربية إعلاميا، وقد كان لها دور واضح في دعم ثورة يناير إعلاميا ثم بمساندة الرئيس المنتخب من خلال التعاون الاقتصادي، بحثا عن حليف قوي في المستقبل يحميها وقت اللزوم من الجار الطامع الجاثم على حدودها. فلقد لعبت قطر دورا محوريا في مساندة الثورة المصرية؛ لا رغبة في التغيير على إطلاقه، بل لمصلحة ذاتية ما زالت مطروحة إن تغير الحال، فمصر القوية تستطيع أن توقف أطماع السعودية في أراضيها وغازها.
وفي المقال القادم نسرد موقف اللاعبين الفاعلين الدوليين في المشهد المصري، وتأثير كل لاعب، ومن منهم يمكن أن تستفيد منه القيادة الثورية في حراك التغيير.