هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خصصت وكالة "رويترز"، تقريرا، يتناول انتخابات البلدية التركية، مروجة أن الحزب الحاكم العدالة والتنمية سيظهر بـ"أداء ضعيف" في الانتخابات المقبلة، في حين نشر مركز "ستراتفور" الأمريكي تقريرا معاكس النتائج لما نشرته الوكالة.
وروّجت الوكالة لما أسمته "تصاعد أزمة الاقتصاد" في البلاد، رغم الأرقام الكبيرة التي سبق أن أعلن عنها الرئيس التركي، متحدثا عن "إنجازات غير مسبوقة" في مجال الاقتصاد.
وكانت الوكالة نشرت تقارير عدة بالشأن التركي، أطلقت فيها أوصافا أشبه بالاتهامات على الرئيس التركي مثل "تسلط" و"استبداد" "وحكم الرجل الواحد"، على أردوغان، منتقدة الإجراءات التي أمر بها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي كادت أن تطيح بالديمقراطية في تركيا.
ففي تقرير نشرته في 15 الشهر الجاري، أوردت الوكالة اتهاما لأردوغان دون مصدر صريح، بأنه يقوم بسحق معارضيه من خلال "حملة تطهير" بسبب محالة الانقلاب الفاشلة.
وروجت كذلك إلى أن أردوغان يسعى إلى السلطوية، وذلك بتقارير عدة نشرتها من بينها تقرير أعدته في تاريخ 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، بسبب الاستفتاء في تركيا على النظام الرئاسي، وكانت تقدم انتقادات للنظام الرئاسي إلا أن الشعب التركي اختاره في النهاية.
صراع بالمدن الكبرى
وخلال تناولها لحظوظ الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة، اعتبرت الوكالة أن "حزب أردوغان قد يخسر المدن الكبيرة في الانتخابات البلدية"، دون أن تبدي ما يدعم ذلك بقوة.
واكتفت الوكالة بالنقل عن مصادر قالت إنها من الحزب الحاكم، وجعلتها مجهولة، دون الإفصاح عن اسمها.
وأوردت في تقريرها الذي نشرته الأربعاء: "بعد 18 عاما في الحكم، وبعد انحسار طفرة الاقتصاد، وتصاعد أزمته، يمكن أن يخسر حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان السيطرة على مجالس بعض المدن الكبيرة في انتخابات البلدية التي ستجرى في تركيا يوم 31 آذار/ مارس المقبل".
وركزت الوكالة في تغطيتها للانتخابات إلى ما أسمته "مواصلة أردوغان تمتعه بسلطات تنفيذية كاسحة يخولها له منصبه الرئاسي"، معتبرة أن ذلك يتسبب بأداء ضعيف لحزب العدالة والتنمية، رغم أن الاستفتاء التركي على تعديل الدستور فاز به الحزب الحاكم لتحويل النظام في البلاد من برلماني إلى رئاسي، ما يعطي بطبيعة الحال نفوذا تنفيذيا أكبر للرئيس التركي.
وبناء على استنتاجها، قالت "رويترز" إن "خسارة الحزب الحاكم في المدن الكبرى، سيكون بمثابة ضربة رمزية له، وسيبين كيف أن الإحباط الناجم عن الاقتصاد أضر بسياسي ظل الناس ينظرون إليه لفترة طويلة باعتباره لا يُقهر"، وفق قولها.
اقرأ أيضا: تركيا تعلن البدء بمراسم التحضير للانتخابات البلدية
ونقلت الوكالة عن مصدرين في الحزب، لم تفصح عن هويتهما، أن اثنين من استطلاعاته الداخلية أظهرا أن التأييد الشعبي تراجع إلى ما بين 32 و35 في المئة.
ولكن الوكالة اعترفت أن هذه النسب خرجت في حين أنه تم احتساب نسبة الثلاثين في المئة من الناخبين الذين لم يحسموا إلى الآن لمن سيصوتون.
وعلى الرغم مما تروج له الوكالة، إلا أن حزب أردوغان حصل في الانتخابات البلدية التي أجريت عام 2014، على 43 في المئة من الأصوات، متقدما بفارق كبير على أقرب منافس له، وهو حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي حصل على أقل من 25 في المئة من الأصوات.
إلا أن الوكالة أصرت على أنه "من الممكن الآن أن يخسر حزب العدالة والتنمية العاصمة أنقرة كما يواجه منافسة شرسة في إسطنبول".
ولطالما سيطر حزب العدالة والتنمية على المدينتين، وعلى معظم المجالس البلدية الكبيرة في تركيا لمدة زادت على 20 عاما، ما يقلل من فرص ما تتحدث عنه الوكالة.
وكان أردوغان قد برز في الساحة السياسية التركية، حين كان في منصب رئيس بلدية إسطنبول. ومعروف عنه أنه يولي أهمية خاصة لانتخابات البلديات، ويعتبرها أساسية في موقف الناخبين من الحكومة.
وذهبت الوكالة إلى أن الانتخابات البلدية رغم أن أردوغان ليس مرشحا فيها، إلا أن "نتيجتها تعد استفتاء على حكمه"، وفق قولها.
واعتبرت من شأن أي تراجع حاد في شعبية حزب العدالة والتنمية، أن يسبب إزعاجا شديدا، لأن شريكه في الائتلاف الحاكم وهو حزب الحركة القومية اليميني لن يطرح مرشحين في بعض المجالس البلدية.
ونقلت الوكالة عن غاريث جينكينز، الذي اعتبرته محللا مخضرما للشؤون التركية، قوله: "بالنسبة لأردوغان الأمر مسألة هيبة أيضا. كان عليه أن يشكل ائتلافين في المناسبتين الانتخابيتين الماضيتين، وهو ما لم يكن في حاجة إليه فيما مضى".
وقال: "إذا خسر أنقرة أو اسطنبول هذه المرة رغم التحالف، فسيعني ذلك أن مستقبله يتراجع. من الممكن أن يكون التراجع طويلا وبطيئا، لكنه تراجع في نهاية المطاف".
"انتكاسة اقتصادية"
وتحدثت الوكالة عن ما أسمتها بـ"الانتكاسة الاقتصادية" التي قالت إن تركيا تعاني منها في ظل حكم العدالة والتنمية.
واكتسح حزب العدالة والتنمية، انتخابات عام 2002 ببرنامج وعد بمكافحة الفساد وبناء الاقتصاد ومساعدة ملايين الفقراء والمتدينين الأتراك الذين كانوا محل تجاهل من الصفوة التركية.
وبحسب الوكالة ذاتها، فقد حقق الحزب نموا اقتصاديا مدويا مولته الديون والمشروعات الإنشائية، وهو نمو حذر اقتصاديون من أنه غير مستدام. واهتز الاقتصاد في العام الماضي بسبب أزمة العملة التي جعلت معدل التضخم يقفز إلى 25 في المئة، وأضعفت النمو، في ظل "حرب اقتصادية" وفق تعبير أردوغان، بعد تحركات أمريكية ضد الاقتصاد التركي.
في الوقت الحالي يطبق حزب العدالة والتنمية إجراءات تحفيز تستهدف الناخبين الفقراء، وهي رفع الحد الأدنى للأجور، وخفض بعض الضرائب على الواردات، وإعادة هيكلة ديون بطاقات الائتمان.
ورغم أهمية ذلك للناخبين، إلا أن الوكالة روجت إلى أن أثره "محدود" وأن "الاقتصاد في طريقه إلى الركود"، وفق قولها.
اقرأ أيضا: أردوغان يعلن مرشحي الحزب الحاكم في أنقرة للانتخابات البلدية
ونقلت عن مسؤول قالت إنه مسؤول كبير في حزب العدالة والتنمية، دون أن تذكر هويته، قوله: "التأييد لحزبنا بين 32 و35 في المئة.. من الواضح أنه أقل من توقعاتنا. لكننا ما زلنا في بداية الحملة الانتخابية، وسنعمل في اتجاه إقناع من لم يحسموا موقفهم بعد".
وأضاف أن "الوضع في أنقرة ليس مريحا. قد نواجه تحديات مماثلة في مدن كبيرة أخرى". وتابع بأنه يعتقد أن الوضع طيب نسبيا في اسطنبول وهي أكبر مدينة تركية والعاصمة الاقتصادية للبلاد.
وأقر مسؤول آخر في حزب العدالة والتنمية بأن شعبية الحزب لا تزيد على 35 في المئة، وهي أقل بكثير من نسبة الأصوات التي حصل عليها أردوغان في انتخابات الرئاسة في حزيران/ يونيو التي بلغت 52.59 في المئة، وفق تقرير "رويترز" الذي ركز على أن نسبة التأييد في أقل حالاتها، رغم أن نسبة الأصوات ما تزال لم تحسم بغالبيتها.
ورفض حزب الشعب الجمهوري المعارض الحديث عن التقديرات الداخلية لشعبيته بين الناخبين عندما طلبت رويترز منه ذلك. وقال مسؤول كبير في الحزب إن هدفه هو الفوز في بعض المدن الكبيرة، ومنها إسطنبول وأنقرة. أما ثالث أكبر مدينة تركية وهي أزمير فهي معقل لحزب الشعب الجمهوري.
ورغم ما تثيره الوكالة ضد الحزب الحاكم، إلا أن التنافس في المدن التركية الكبرى يشهد بالفعل تنافسا حامي الوطيس، إذ إن أنقرة وإسطنبول من المدن التي باتت اليوم غير محسومة لأحد الأطراف.
ستراتفور: لا مفاجآت
ورغم توقعات وكالة "رويترز"، إلا أن مركز "ستراتفور" الأمريكي رأى أن حزب الحرية والعدالة الحاكم في تركيا سيحسم الانتخابات المحلية المزمعة إقامتها، رغم التراجع الاقتصادي الذي تمر به البلاد.
وأوضح المركز أن من أسباب ذلك أيضا ضعف الأحزاب المعارضة للرئيس التركي.
وقال المركز الأمريكي، إنه من الصعب تخيُّل أن ينتج عن الانتخابات المحلية التركية، المُقرَّر انعقادها في 31 آذار/ مارس 2019، أي مفاجآت مثيرة.
وأورد على عكس ما روجت له "رويترز"، بأنه من المُرجَّح أن تصب النتائج مجددا في مصلحة حزب العدالة والتنمية الحاكم، رغم الأزمة الاقتصادية المحتدمة، التي تحاصر تركيا والمتمثِّلة بشكلٍ رئيس في ديون القطاع الخاص، وارتفاع معدل التضخُّم الذي يتأرجح حاليا فوق مستوى 20 في المئة.
وبحسب الموقع الأمريكي، ينصب اهتمام النخبة السياسية التركية عبر الأحزاب المختلفة، على الانتخابات المقبلة. وبينما يسعى حزب العدالة والتنمية إلى اختيار المُرشَّحين الجذابين، للحفاظ على سيطرته على المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، تتنافس أحزاب المعارضة -وخاصة حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيس- حول اختيار المُرشَّحين لمناصب العُمَد العديدة، التي ستكون متاحةً في الربيع المقبل، ولا يُركِّزون على ابتكار استراتيجية كبيرة بالفوز بالانتخابات المحلية المقبلة.
وتشتهي الأحزاب والنخب السياسية على حدٍّ سواء، المناصب المحلية، لأن الإدارة الحكومية المحلية مُربحةٌ للغاية للعُمَد وأعضاء المجالس المحلية، الذين يحصلون على مناصب ممتازة تخول لهم سلطة إصدار أوامر المشتريات الحكومية، والتقسيم الإداري للمناطق، ومنح تراخيص البناء، وجميعها وسائل مثالية للثراء الذاتي.
ويعد هذا السبب الأخير هو الدافع الذي يجعل العديد من المُرشَّحين المحتملين يتزاحمون للحصول على ترشيح رسمي للمنصب، بحسب الموقع الأمريكي.