هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا تحدثت فيه عن وضعية فرنسا، باعتبارها من بين القوى المتدخلة في الصراع السوري، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي السورية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن باريس باتت تعاني من عزلة في التعامل مع الملف السوري، بينما يناشد الأكراد السوريون ماكرون أملا في أن يقدم لهم دعما دبلوماسيا وعسكريا بعد أن تخلت عنهم الولايات المتحدة.
وفي الواقع، لقد تفاجأ الفرنسيون من خبر انسحاب حلفائهم الأمريكيين من سوريا، ومع ذلك لا زالت فرنسا تنشر قواتها خاصة في مدينة منبج السورية، ولكنها ربما لن تمكث طويلا.
وذكرت الصحيفة أن القوات الفرنسية تتمركز أيضا في شمال شرق سوريا، وتحديدا غرب نهر الفرات.
وكانت هذه المنطقة طيلة أشهر بمثابة نقطة مواجهة بين القوات التركية والمليشيات العربية الكردية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية وقوات نظام الأسد.
ولكن يبدو أن هذه المواجهة جعلت فرنسا في عزلة تامة. وهاجم الرئيس الفرنسي نظيره الأمريكي وعلق على انسحاب الولايات المتحدة من الأراضي السورية، قائلا إنه "يجب على الحليف أن يكون أولا وقبل كل شيء موثوقا به".
اقرأ أيضا: صحيفة: لماذا تعارض فرنسا أمريكا وتفضل البقاء في سوريا؟
وأشارت الصحيفة إلى أن فرنسا عملت جاهدة على إقناع الولايات المتحدة بالعدول عن قرارها، وقد اعتقد ماكرون أنه نجح في ذلك، لكن خاب ظنه.
من جهته، أكد الرئيس الفرنسي عزم بلاده على حماية القوات العربية الكردية التي لعبت دورا حاسما في محاربة الجماعات المسلحة مثل تنظيم الدولة.
ولكن لسائل أن يسأل، هل ستحافظ فرنسا بدورها على ثقة حلفائها، في الوقت الذي تكثف فيه أنقرة من نشر قواتها على طول حدودها مع سوريا، بينما يتفاوض الأكراد مع النظام السوري على اتفاق ساخن تدعمه موسكو؟
ونقلت الصحيفة عن مصدر فرنسي مطلع على الوضع السوري أنه "من دون الأمريكيين لا يمكن فعل شيء، ولا يمكننا البقاء (أي الفرنسيين) عندما يرحلون، وليس لدينا الإمكانيات لكي نواصل العمل من دونهم". وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على أن القوات الفرنسية لا يمكنها الاستغناء عن حليفها الأمريكي، لأن قواتها تنشط في سوريا تحت لواء التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وأضافت الصحيفة أن القرار الأمريكي بالانسحاب أوقع فرنسا في مأزق. فقد ركزت باريس على تعزيز تعاونها مع إدارة ترامب بشأن التدخل في سوريا أكثر من التعاون مع سلفه أوباما، لا سيما أن ترامب لم يتردد في مناسبتين في قصف مواقع تابعة للنظام السوري، ردا على استعماله السلاح الكيماوي ضد شعبه.
وأفاد الباحث الفرنسي مارك بياريني، الذي سبق له أن شغل منصب سفير الاتحاد الأوروبي في كل من دمشق وأنقرة، بأنه "من أولويات السلطات الفرنسية دحر تنظيم الدولة والقضاء عليه نهائيا، وبغض النظر عن هذا الهدف، نحن نراقب بقلق ما الذي تفكر فرنسا في فعله في سوريا بعد ذلك. كما أن روسيا وتركيا وإيران يتجاهلون الأمم المتحدة فيما يتعلق بالقرارات التي تخص الملف السوري".
اقرأ أيضا: "ليبراسيون": باريس مجبرة على الاختيار بين الأكراد أو أنقرة
وتجدر الإشارة إلى أن استنجاد أكراد سوريا بفرنسا يندرج ضمن العلاقات الفرنسية الكردية التي يعود تاريخها إلى أيام الرئيس فرنسوا ميتران، حيث بادرت فرنسا خلال شهر نيسان/ أبريل من سنة 1991، أي بعد حرب الخليج وقضاء صدام حسين على الانتفاضة الكردية، بالدعوة لمساعدة الأكراد باسم قانون حق التدخل الدولي الإنساني عدد 688 في مجلس الأمن. وأدى ذلك إلى إنشاء منطقة حظر جوي في شمال العراق.
ونوّهت الصحيفة بأن حدوث مثل هذا السيناريو مستبعد في الوقت الراهن، فتركيا التي تعد طرفا هاما في قوات حلف شمال الأطلسي والمرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ليست مثل عراق صدام حسين.
وأكد المستشار الخاص لمركز "معهد مونتانيو" الفرنسي للأبحاث، ميشال دوكلو، أنه "لم يتضح بعد ما إن كان دونالد ترامب ينوي فقط الانسحاب من سوريا أو من الشرق الأوسط ككل، ولكن في كل الأحوال عملية الانسحاب قد انطلقت".
وأشارت الصحيفة إلى أن المستفيد الأول من هذا القرار هو فلاديمير بوتين، الذي ينتشي بتدخله العسكري خلال خريف 2015 الذي ساهم في جعل موسكو سيدة اللعبة وصاحبة الكلمة بين جميع المتدخلين في الصراع السوري الذي تحول إلى مواجهة إقليمية، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة. وبناء على هذا المعطى، ستكون مساحة المناورة بالنسبة لفرنسا في هذا الملف محدودة للغاية.
وفي الختام، أوردت الصحيفة أن فرنسا ستعمل على تعويض حليفها الأمريكي المنسحب من سوريا. ومن المستحيل أن تتفاوض فرنسا مع نظام الأسد أو مع عرابه الإيراني.
في المقابل، تتسم العلاقات بين باريس وموسكو بعدم الثقة. ولم يبق أمام فرنسا سوى تركيا، حيث كانت كل من أنقرة وباريس في بداية الثورة تدعمان الثوار، ولكن تغيرت المعادلة بعد وقوف فرنسا إلى جانب الأكراد.