هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن دور اللوبي السعودي في شراء التأثير وإصلاح الصورة، والملايين التي أنفقتها على شركات العلاقات العامة واللوبي ومراكز البحث والتواصل مع النواب في الكونغرس.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه تحضيرا لزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في آذار/ مارس 2018، فإن السفير دعا مجموعة من اللوبيات المؤثرة في واشنطن لاجتماع مهم في مقر السفارة في واشنطن، وكان موضوع الاجتماع هو التحضير لزيارة ولي العهد محمد بن سلمان، وهي الأولى له بعد أربعة أشهر من توطيده معالم حكمه.
وتكشف الصحيفة عن أنه كان من بين الحاضرين، السيناتور السابق عن ولاية مينسوتا نورم كولمان، والمستشار المخضرم في الكابيتال هيل مارك أس لامبكين، الذي عمل مع فريق ترامب الانتقالي، والمخطط الاستراتيجي الديمقراطي الفريد إي موتور.
ويلفت التقرير إلى أن الاجتماع كان مهما، خاصة أن الكونغرس كان سيناقش بعد ثمانية أيام طرقا لإخراج الولايات المتحدة من الحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بـ"أسوأ كارثة إنسانية في العالم"، وتمت هزيمة المشروع، وبعد ساعات من ترحيب البيت الأبيض بالأمير محمد.
وتعلق الصحيفة قائلة إن استقبال الأمير وهزيمة مشروع قرار اليمن يلخصان الدور الذي قامت به آلة التأثير السعودي المتقنة لتشكيل السياسة والمفاهيم في واشنطن وعلى مدى عقود، مشيرة إلى أن المملكة واجهت نقادها من خلال ضخ الملايين من الدولارات إلى شركات العلاقات العامة والشركات القانونية ومراكز الأبحاث وصفقات الأسلحة الضخمة التي وقعتها مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
ويجد التقرير أن قوة آلة التأثير السعودية تعيش امتحانا وسط الشجب الدولي لمقتل صحافي "واشنطن بوست" جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، التي دخلها يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر، ولم يخرج منها، و اعترفت الحكومة السعودية بعد النفي المستمر الأسبوع الماضي بمقتله.
وتقول الصحيفة إن السعودية، بالإضافة إلى الملايين التي أنفقتها في واشنطن، تمتعت بعلاقات دافئة مع الرئيس نفسه، الذي أدار عمليات تجارية مع مواطنين سعوديين، فيما طور صهره جارد كوشنر صداقة مع ولي العهد محمد بن سلمان، فقامت العلاقة على الصلات الطويلة بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة والعائلة السعودية الحاكمة، بالإضافة إلى حملات قوية لتحسين صورتها، وبناء صلات مع قادة الرأي.
وينوه التقرير إلى أن المسؤولين الكبار والمؤثرين في الحكومة السعودية زاروا واشنطن لمقابلة الصحافيين وصناع الرأي، وزار نائب مدير المخابرات المعزول بسبب مقتل خاشقجي، الجنرال أحمد عسيري، واشنطن عدة مرات، والتقى بالصحافيين والمحليين في مراكز الأبحاث، فيما أقام السفير السعودي الأمير خالد بن سلمان مآدب عشاء وأحيانا احتفالات، مثل المناسبة الباذخة في قاعة أندرو ويلسون على شرف زيارة ولي العهد هذا العام للولايات المتحدة.
وتكشف الصحيفة عن أن جماعات اللوبي أرسلت إلى الكونغرس للتأكد من حضور النواب في لجنة الشؤون الخارجية الحفلة، كما عرض المسؤولون السعوديون بداية هذا العام تذاكر لحضور "سوبر بول" (مبارة كرة السلة النهائية)، وعرضوا توفير طائرات مستأجرة لحمل المشاركين في مناسبة إعلامية لنجوم، مثل جيك تابر من "سي أن أن"، وبريت بائير من "فوكس نيوز"، وذلك بحسب تابر والمتحدث باسم فوكس نيوز، وكلاهما قال إنه رفض العرض، فيما لم تستجب السفارة لمطالب متعددة من الصحيفة للتعليق على ما ورد في التقرير.
ويفيد التقرير بأن عددا من أصحاب اللوبيات في واشنطن قالوا إنهم لن يقبلوا المال السعودي، لافتا إلى أنه من غير المعلوم إن كانت هذه مرحلة هدوء قبل عودة الأمور لطبيعتها.
وتنقل الصحيفة عن السيناتور الجمهوري عن أوتاما مايك لي، قوله إن "حسن النية الذي تمتعت به السعودية في واشنطن كان إما بسبب جهود اللوبي، أو لأنها حليف مهم، وهو أمر تجب مراقبته"، ويضيف لي أن الكونغرس تخلى عن مسؤولياته الدستورية، من خلال دعم الحرب في اليمن دون إعلان الحرب.
ويورد التقرير نقلا عن كولمان، الذي يعد عميد جماعات اللوبي السعودية في واشنطن، والشخصية المؤثرة في الحزب الجمهوري، قوله إن المصالح القومية على المحك لو لم تستمر الشراكة الأمريكية السعودية، وأضاف: "العلاقة مع السعودية مهمة جدا، وشراكتها في مواجهة التهديد الإيراني حيوية للأمن الأمريكي وأمن المنطقة، بما في ذلك أمن إسرائيل".
وتلاحظ الصحيفة أن السعودية تنفق بشكل واسع على شركات اللوبي وتقوية العلاقة مع أمريكا، فتراجع الإنفاق من 14.3 مليون دولار في عام 2015 إلى 7.7 ملايين دولار عام 2016، ليزيد مرة أخرى إلى 27.3 مليون دولار العام الماضي، مشيرة إلى أنه منذ عام 2016 سجل أكثر من 200 شخص أنفسهم بصفنهم عملاء نيابة عن المصالح السعودية، وذلك بحسب أوراق اللوبي في "سنتر فور رسيبونسف بوليسيز".
ويكشف التقرير عن أن من بين الجماعات التي حصلت على الأموال السعودية، أهم شركات العلاقات العامة، مثل "ماكيون غروب"، التي يديرها الرئيس السابق للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب هوارد ماكيون، و"بي جي آر" التي أنشأها الجمهوري البارز إد روجرز وهيلي بربور، بالإضافة إلى "غلوفر بارك غروب"، التي أنشأها المخطط الاستراتيجي جوي لوك هارت، و"كارتر إيسكو" التي كانت تعرف بمجموعة بوديستا.
وتذكر الصحيفة أن كلا من روجرز وإيسكو أسهما بمقالات رأي في صحيفة "واشنطن بوست"، وأعلنت الشركتان الأسبوع الماضي أنهما لن تمثلا السعودية، وقالت لهما الصحيفة إنهما لا يستطيعان مواصلة الكتابة والدفاع عن السعودية في الوقت ذاته.
ويبين التقرير أنه بشكل منفصل، فإن أموال الإمارات العربية المتحدة، حليفة السعودية، تدفقت إلى مراكز الأبحاث في واشنطن، بما فيها المركز للدراسات الاستراتيجية والدولية ومعهد بروكينغز ومعهد الشرق الأوسط، وأعلنت المراكز الثلاثة أنها ستنهي أو ستعيد النظر في المنح السعودية.
وتنقل الصحيفة عن السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيكتيكت كريس ميرفي، قوله: "واحدة من البديهيات التي تم ترويجها في واشنطن هي أن الولايات المتحدة والسعودية لديهما علاقة خاصة غير قابلة للكسر"، وأضاف السيناتور الناقد للحرب في اليمن:"كل شخص ذكي يعرف السياسة الخارجية يأتي لمكتبك ويخبرك بهذا، وظهر أن كثيرا منهم يحصلون على المال الخليجي".
ويكشف التقرير عن أن أكبر مستفيد من المال السعودي هو معهد الشرق الأوسط، الذي يقدم نفسه على أنه "مصدر غير متحيز للمعلومات والتحليلات لهذه المنطقة الحيوية"، ويدير المعهد ريتشارد إي كلارك، الذي تولى مناصب في الأمن القومي خلال إدارات رونالد ريغان وجورج هيربرت بوش وبيل كلينتون، وحصل المعهد في الفترة ما بين 2016- 2017 على 1.25- 4 ملايين دولار كتمويل من المصالح السعودية، وفي عام 2016 حصل على 20 مليون دولار من الإمارات ليقوم بتجهيز مقره من جديد.
وتشير الصحيفة إلى أن أبو ظبي دعمت مزاعم السعودية بشأن مقتل خاشقجي، لافتة إلى أن شركة مايكل بتروزيلو "كيو أورفيس أم أس أل غروب" حصلت على 3.6 ملايين دولار من السعوديين، كأجور لوبي ما بين 2016- 2017، وكان عضوا في مجلس إدارة المعهد، بالإضافة إلى أن جاك مور، وهو مدير شركة تابعة للسعودية في أمريكا الشمالية، عضو في مجلس إدارة الشركة، حيث لم يرد أي منهما على طلب من الصحيفة للتعليق.
ويورد التقرير نقلا عن المتحدث باسم المعهد سكوت زوك، قوله إن المعهد يؤكد للمتبرعين أنه مستقل، وأضاف: "لا نقبل أي تبرع من حكومة أو فرد أو شركة أو مؤسسة تحاول تقييد حريتنا الأكاديمية".
وبحسب الصحيفة، فإن شركات اللوبي زادت عملها بعد نكسة قانون جاستا، الذي سمح لعائلات ضحايا 11/ 9 بتقديم الحكومة السعودية أو أي من مسؤوليها للمحاكم بتهمة دعم الإرهاب، واستخدم الرئيس باراك أوباما الفيتو، ومع ذلك مرر القانون بغالبية رغم تحذير الإدارة من تعرض المصالح والجنود الأمريكيين للخطر، فيما واصلت السعودية جهودها ضد القانون، حيث حاولت تعديله، وأحضرت المحاربين القدماء إلى واشنطن للقول إن القانون سيعرضهم لقضايا قانونية مماثلة.
وينقل التقرير عن تيري سترادا، التي قتل زوجها في الهجمات، قولها إن "السعوديين قذرون في قتالهم"، وأضافت أن "المحاربين القدماء جاءوا إلى واشنطن واستخدموا اللغة التي استخدمها السعوديون ذاتها، وعلينا أن نواجه الأمر، لقد اعتقدوا أن الناس الذين يستطيعون الحديث ضد عائلات 11/ 9 هم المحاربون القدماء".
وتعلق الصحيفة قائلة إن المحاربين القدماء، أو بعضهم، لم يكونوا يعلمون أن المصالح السعودية هي التي تدعم زياراتهم إلى واشنطن، بحسب شكوى قدمتها العام الماضي عائلات ضحايا هجمات 11/ 9، لافتة إلى أن المحاربين القدماء نزلوا في فندق ترامب الدولي، الذي يملكه الرئيس، ودفعت المملكة في النهاية الفاتورة التي بلغت قيمتها 270 ألف دولار، بحسب سجلات اللوبي.
ويورد التقرير نقلا عن رسالة إلكترونية كانت ضمن الدعوة، قولها: "كانت رحلة رائعة ومثل عطلة الخمس نجوم"، فيما قال الملازم المتقاعد من المارينز ديفيد كاسلر، الذي يعيش في سكرمنتو، إنه وغيره اعتقدوا أن جماعات غير ربحية تعود إلى المحاربين السابقين هي التي مولت الزيارة، وهي التي حجزت لهم في الطائرات وفندق ترامب، ولم يكتشف أن السعوديين هم الذين مولوا الرحلة إلا بعد وصوله إلى واشنطن، قائلا: "اكتشفنا أننا (بيدقا) في يد السعوديين"، وساعد بتروزيلو في تنظيم حملات المحاربين القدماء، وقال لياهو نيوز، إن شركته اتبعت قوانين اللوبي، وبأن فكرة خداع المحاربين القدماء لا معنى لها بالنسبة له.
وتلفت الصحيفة إلى أن ترامب، الذي كان مرشحا رئاسيا في حينه، وصف الفيتو الذي قام به أوباما بالعار، وأنه أدنى لحظة في رئاسته، إلا أنه كان وصهره يقيمون علاقات قوية مع السعوديين، وفي البداية قدمهما توم باراك، صديق ترامب، الذي له علاقات تجارية مع الشرق الأوسط، ولديه صلات شخصية مع المسؤولين البارزين في السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، ورفض باراك التعليق على ما ورد في التقرير.
وينوه التقرير إلى أن باراك قدم في أيار/ مايو 2016 كوشنر إلى السفير الإماراتي المؤثر في واشنطن يوسف العتيبة، بحسب شخص يعرف بالعلاقة، وتحدث باراك مع ترامب بشأن لقاء القادة الإقليميين، بمن فيهم أمير قطر، مشيرا إلى ما يمثله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من وعود، وبعد أشهر من وصول ترامب إلى البيت الأبيض التقى كوشنر ابن سلمان شخصيا في البيت الأبيض، وتناولا العشاء في غرفة المآدب، وواصل الشخصان العلاقة من خلال المكالمات الهاتفية، بشكل أثار قلق المسؤولين في الاستخبارات حول الدبلوماسية الحرة التي يمارسها كوشنر.
وتفيد الصحيفة بأن منافسي ابن سلمان حاولوا في الوقت ذاته الحصول على مدخل لإدارة ترامب، حيث دفعت وزارة الداخلية التي كان يقودها الأمير محمد بن نايف مبلغ 5.4 ملايين دولار إلى شركة يديرها مستشار لترامب، الذي يملك شركة خمر في أوريغان، روبرت ستريك، بحسب السجلات العامة، وبعد شهر تم ترفيع ابن سلمان لمنصب ولي العهد، وتم وقف العقد؛ "نظرا لتغيير النظام السعودي"، بحسب أوراق اللوبي التي قدمها، مشيرة إلى أن ستريك رفض التعليق.
ويذكر التقرير أنه بعد أشهر من الغداء في البيت الأبيض، أقنع كوشنر ترامب بأن تكون السعودية هي المحطة الأولى لزيارته الخارجية، لافتا إلى أن البيت الأبيض رفض التعليق باستثناء الإشارة إلى مقابلة ترامب مع الصحيفة يوم السبت، التي قلل فيها من علاقة كوشنر مع ابن سلمان، "جارد لا يقوم بالتجارة مع السعودية، لا يعرفه جارد كثيرا، ويحبان بعضهما، على ما أعتقد".
وتشير الصحيفة إلى أن ولي العهد لم يكن الشخص الوحيد الذي زار واشنطن، بل الجنرال أحمد عسيري، الذي عزل بسبب خاشقجي، والذي أخبر الصحافيين بأن إدارة ترامب تعهدت بزيادة الدعم الاستخباراتي والتشارك في التعاون الدفاعي، وبعد أيام كتب عسيري مقال رأي في موقع "فوكس نيوز"، وأثنى فيه على التعاون الأمريكي السعودي في مكافحة الإرهاب، وأرسل المقال إلى مكتب النائب الجمهوري عن كاليفورنيا إدوارد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية، الذي أثنى على "دعم عسيري للتشارك في المعلومات"، ولاحظ أن "العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية مركزية لمحاربة الإرهاب".
ويلفت التقرير إلى أن عسيري التقى الصحافيين، واستضافه المركز للدراسات الاستراتيجية والدولية، لمناقشة حقوق الإنسان في اليمن، بحسب المركز، مشيرا إلى اجتماع آذار/ مارس مع قرب زيارة ولي العهد وتصويت الكونغرس على اليمن، انشغلت الآلة السعودية، وقدمت السفارة برنامج ولي العهد والشخصيات التي يجب أن يقابلها ابن سلمان، ووصف كولمان اللقاء بالروتيني، فيما أكد موتور ولامبكين حضورهما بصفتهما ممثلين عن شركتهما بروانيستين هيت فاربر شريك.
وتكشف الصحيفة عن أنه تم خلال الأسابيع السبعة التي سبقت زيارة ابن سلمان، الاتصال بـ 759 من نواب الكونغرس نيابة عن الحكومة السعودية، التي كانت تواجه سيناتورات مؤثرين، مثل ميرفي ولي وسيناتور فيرمونت بيرني ساندرز، وفي 20 آذار/ مارس فشل مشروع القرار في الحصول على 55 صوتا، وحصل على 44، وفي اليوم ذاته بدأ ابن سلمان زيارته، التي التقى فيها مع النخبة الأمريكية من مؤسس مايكروسوفت إلى أوبرا وينفري.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإٌشارة إلى أن معهد الشرق الأوسط استقبل ابن سلمان بمقالة كتبها فهد ناظر، الذي دعا فيه الولايات المتحدة والغرب لملاحظة التغيرات الاجتماعية التي تحدث في السعودية ودعم ولي العهد، لافتة إلى أن ناظر هو كاتب عمود في "عرب نيوز" ومستشار للسفارة في واشنطن، "والآراء التي عبر عنها لا تعبر إلا عن كاتبها".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا