البصرة ثغر
العراق وعصبه الاقتصادي الرئيس، إذ تضم الجزء الأكبر من
الاحتياطي النفطي العراقي المكتشف حتى الآن، ويصل مجموع حقولها النفطية إلى خمسة
عشر حقلا، ويقدر مجموع الاحتياطي النفطي المعلن في البصرة بخمسة وستين مليار
برميل، في حين تشير معلومات شبه رسمية إلى أن مجموع الاحتياطي يصل إلى تسعة وتسعين
مليار برميل، إلا إنها لم تنل من نفطها نصيبا.
والسؤال
هنا: كيف يعيش البصريون، رغم أن ثروات مدينتهم تعادل ثروات دولتين من دول جوارها
الجنوبي؟!
في
الجانب الاقتصادي والخدمي، حال البصرة اليوم كحال العديد من المدن العراقية التي
تعاني سوء الخدمات والإهمال، حيث أشارت مصادر صحفية، نقلا عن تقرير أممي عام 2014،
إلى أن نسبة الفقر في البصرة بلغت أكثر من 16 في المئة، فضلا عن معدلات البطالة
المرتفعة جدا. كما أن لجنة التخطيط والمتابعة في مجلس محافظة البصرة، أعلنت عام
2016 نتائج دراسة أظهرت أن 48 في المئة من الخريجين لم يتمكنوا من الحصول على
وظائف حكومية، ويعاني الآلاف من أهل المدينة القابعة على بحر من النفط؛ من مشكلة
البطالة، رغم النشاط التجاري الكبير في المحافظة على مدار العام. هذه النسب لا شك
أنها ارتفعت إلى درجة أعلى عن عامي 2014 و2016، الأمر الذي دفع آلاف المواطنين
للخروج بتظاهرات احتجاجا على تردي الأوضاع في المدينة.
وإذا
ما أردنا أن نرجع أسباب هذه الأرقام وانعكاسها إلى الواقع، فسنجد أن
الفساد
المستشري في مفاصل الدولة والتقاتل المستمر بين حيتان الأحزاب على نيل
"الكعكة" الأكبر من هذه المدينة، فضلا عن سوء الإدارة، أوصل المدينة إلى
ما هي عليه الآن من انتشار للأوبئة والأمراض بسبب شح المياه وتلوثها، حتى بلغ
الأمر إلى تسمم آلاف البصريين دون أن يتحرك المعنيون للحد من الكارثة.
ووثقت
مفوضية حقوق الإنسان العراقية، وهي جهة رسمية مرتبطة بالبرلمان خلال الأيام
الماضية، ارتفاع إصابات سكان البصرة بعدة أمراض، بينها السرطان، جراء تلوث البيئة
والمياه. كما أن وزارة الموارد المائية ذكرت أن نسبة الأملاح الذائبة في المياه
بلغت مؤخرا "7500 tds"، في حين تقول منظمة الصحة
العالمية، إن النسبة تصبح غير مقبولة في حال تجاوزت "1200 tds". وعلى مدى الأسابيع
القليلة الماضية، جرى الحديث عن ارتفاع نسبة الملوحة في مياه الشرب، وهو ما تسبب
بتسجيل الآلاف من حالات التسمم بين السكان.
رغم
ذلك كله، تخرج وزيرة الصحة "عديلة حمود" بمؤتمر صحفي تزعم فيه دون خجل
أو وجل؛ أن "إصابة هذا الكم من الأشخاص بحالات تسمم جراء تلوث المياه أمر
"بسيط"، وكأن المطلوب أن يموت البصريون جراء التلوث كي يكونَ الأمر أزمة
حقيقية.
هذه
التصريحات غير المسؤولة تجاه أزمة حقيقية تعصف بالبصرة، إلى جانب وقوف الحكومة
متفرجة على ما يحصل من مآسٍ حقيقة، يدل بشكل قاطع على أن هؤلاء
"المسؤولين" يستهينون استهانة تامة بحياة المواطنين.
في
الجانب الأمني، رغم أن البصرة كانت في منأى عن الأحداث الساخنة التي شهدها العديد
من مدن العراق عقب سيطرة تنظيم داعش على ثلثي مساحة العراق عام 2014، خلال عهد
المالكي بالطريقة التي بات يعرفها الجميع، فإن المدينة تعاني وضعا أمنيا مترديا
للغاية، بلغ حد الاشتباك بالأسلحة الثقيلة في النزاعات العشائرية، إلى جانب تعاطي
المخدرات وتجارتها، وسيطرة عصابات متنفذة على مُدْخلات المنافذ الحدودية البرية
والبحرية في المحافظة، فيما أكدت تقارير أن العراق لم يعد محطة ترانزيت لنقل
المخدرات فحسب، بل تحول إلى مركز توزيع واستهلاك، لدرجة أن معظم تجار المخدرات في
شرق آسيا يوجهون بضاعتهم إلى العراق، ثم يتم شحنها إلى دول أخرى، مستغلين تدهور
الأوضاع الأمنية لتمرير الشحن والبضائع المخدرة.
للخروج
من هذا المأزق، يجب أن تتظافر الجهود - ويبدو أن هذا لن يحصل - لوضع حلول سريعة
وناجعة في ظل تأزم الوضع الاقتصادي والأمني في البصرة، فإن الأمور تسير إلى طريق
الانهيار، وسيكون من الصعب السيطرة عليها.