أمس نشرت القناة الإسرائيلية العاشرة خبراً يقول إن
محمود عباس مصاب بأمراض كثيرة، ولا يستطيع العمل سوى ساعتين، وينال عن الساعتين أجراً كاملاً، ومعه طبيب لا يفارقه، وأنه مصاب بفقدان الذاكرة، لكنها لم تذكر أن أمراً واحداً لا ينساه أبداً وهو الانتقام من حماس، وحصار غزة.
"الرئيس إلى الأبد"، ليس شعاراً هذه الأيام، بلغة السلف الصالح هو دثارٌ أيضاً، وواقع، ليس له دافع، في أكثر من دولة عربية. ولا فرق كبيرا بين الممالك والجمهوريات، والملوك على نقائضهم وخلافاتهم، بل ومذاهبهم الدينية المتباينة، متضامنون مع بعضهم ومتحالفون ضد شعوبهم. هناك اتحاد عربي بين الملوك ضد شعوبهم. ومن إشارات الاتحاد المبشرة بين سوريا ومصر أن جنرالها الفيلسوف ينتوي إعادة الأسد إلى الجامعة العربية، والسعودية تغازل أسد سوريا بعد جفوة، وما الحب إلا للحبيب الأول. الملوك على أشكالها تقع، ولذلك أطاحوا بمحمد مرسي والمنصف المرزوقي، وهم في طريقهم للإطاحة بأردوغان، البطل في هذا الزمان.
زمن الأبد يعني الفردوس، الزمن بتعريف أرسطو القديم هو الحركة، والحركة قليلة. حركة البلاد تشبه حركة الرئيس، وهي مثله مصابة بالزهايمر والشحوم الثلاثية وعمى القلب، وهو أسوأ من عمى الأبصار. كنا نعرّف الزمن في المدرسة قديماً بأنه الفرق بين متغيرين، والفرق شبه معدوم، أو محسوب بدقة. ولأن البلاد تشبه الملك صحةً وسقماً، رأينا رافعة تسقط على الحجاج الآمنين في الحرم، وغزة تحتضر من الحصار، وسوريا عادت إلى ما قبل تاريخ اكتشاف النار، ومصر تنضج على نار هادئة.
كانت مصر الفرعونية القديمة قد برعت في تحنيط الفراعنة الموتى، ثم برع الجزائريون في تحنيط الفراعنة الأحياء. وينعم العرب حالياً بحكم ثلاثة رؤساء عرب في أرذل العمر؛ الذي استعاذ منه النبي عليه الصلاة والسلام، فهو عمر الضعف الشديد والذلة، حتى لا يعلم من بعد علم شيئا. الأول مصاب بفقدان الذاكرة، والثاني لا يعرف نطق البسملة بشكل صحيح، والثالث لا ينطق ولا يرف له جفن، ولا نعرف هل هو حي أم مومياء. وهناك جنرال جديد على المشهد، لكنه مرحّب به، ويسمى اللواء المتقاعد، ولم يتقاعد سوى بالاسم.
وكان الكاتب السوري وليد معماري قد نشر قصة جميلة، عنوانها "عشية موت الزعيم"، في مجموعة "تحت خط المطر"، وزعم أنها مترجمة من الصينية، وهو لا يعرف من الصينية أكثر مما أعرف من اللغة الهنغارية، حيلةً للخلاص من بطش الرقابة. ولم يذكر في القصة اسم المؤلف، وكانت الأمانة في الترجمة تقضي أن يذكر اسم المؤلف الصيني، ويحكي فيها قصة زعيم صيني مات في ليلة الخطاب الرئاسي، فاحتارت الحاشية في المصيبة السوداء. والصين معروفة بتقديسها لزعمائها، وقد جمع ماوتسي تونغ بين التقاليد الكونفوشية والتقاليد الشيوعية الروسية في تقديس الزعماء، لكن الصينيين لم يبلغوا بعد تقديس الكوريين، ولا العرب لزعمائهم. وكان أن اقترح أحد العلماء النابهين بث خطبته، وبعثه من الموت بالصور، فعمد إلى حيلة فيزيائية، وخدع علمية من آلات السينما مثل المونتاج السينمائي، واستطاع أن يجعل الرئيس الميت يخطب، بالصوت والصورة، بعد معالجة صوته في خطاباته القديمة.
كان جلّ قُواد معارك الفتوحات الإسلامية من الفتيان، ولا أعرف خليفة وسلطاناً عربياً من الخلفاء العباسيين أو الأمويين أو الأيوبيين أو المماليك، بلغ سن الخرف، فالصراع على
السلطة والملك اللذيذ كان يجنّب التاريخ والأمة مهزلة رؤية ملك في أرذل العمر، والتي لم يعرفها العرب والمسلمون إلا في عصر الدول القومية، التي بلغ بها الطغيان حد الشمولية، وإن رأينا أطفالاً صغاراً يحكمون الخلافة والسلطنات المسلمة القديمة مباشرة أو بالنيابة.
في الحديث أن الدهر هو الله. الله هو الأبدي الأبد، "يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ"، ويظن كثيرون من هؤلاء أنهم يكسبون الوقت، لكن الوقت لا يهزم، والزعيم الأبدي يشيخ، وما زال يحكم بصور مزورة من الأرشيف بعد مونتاج أو على عجلات، ويستغرب العاقل كيف دحرت أمة مثل الجزائر أقوى جيوش العالم، ودفعت ملايين الشهداء، وسطّرت أكبر الملاحم، وتعجز عن العثور على بديل لعجوز
مقعد يعاني من كل الأمراض، آن له أن يرتاح من "المسؤولية". يكاد المرء أن يقول وهو يرى صور هؤلاء الزعماء: "لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعبا"، بالرغم من كل أنواع العقاقير ومساحيق التجميل. الرئيس عندما يعاند الزمن يصير مهرجاً. وصدق الله حين قال: "اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ". أعلنت فضائية العربية مرتين خبر تنازل الملك السعودي لولي عهده، ثم حذفت الخبر، ويبدو أنّ الملك خاف من أن يحوله ابنه إلى الريتز، أو أنه ضنّ بالعرش على ابنه، فليس ألذ من المُلك.
يظن الملك العربي أنه قادر على هزيمة الزمن، والزمن يهزم الجميع، ولذلك نرى الملك عارياً وهو في جميع ثيابه.