هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يولي لبنان الرسمي اهتماما كبيرا في دعم العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، في وقت عاد فيه المئات منهم خلال اليومين الماضيين إلى الأراضي السورية عبر نقطة "زمرداني" الحدودية في "عرسال" في منطقة البقاع في لبنان.
وتعمل الأجهزة اللبنانية على تسهيل إجراءات العودة، حيث يجري الأمن العام اللبناني معاملات إنهاء حالة اللجوء لهم عبر مراكزه الرسمية، إضافة إلى نقاط مستحدثة بالقرب من معبر "الزمراني" داخل الأراضي السورية.
وتطالب كتل سياسية في لبنان وفي مقدمها التيار الوطني الحر التابع لرئيس الجمهورية ميشال عون، بضرورة تفعيل ملف إعادة اللاجئين، لتخفيف ما يسمونه العبء على لبنان، نظرا لارتفاع أعداد اللاجئين السوريين قبل سنوات، متخطيا حاجز المليون لاجىء بعشرات الآلاف، قبل أن تعلن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تراجع عدد اللاجئين السوريين في لبنان إلى أقل من مليون شخص، للمرة الأولى منذ عام 2014.
وتعود أسباب هذا التراجع وفق مراقبين، إلى عوامل عدة منها، تراجع حدة المعارك في سوريا، والحملة المتصاعدة على السوريين من أطراف سياسية واقتصادية لبنانية.
إضافة الى الوعود التي يسوّقها حزب الله بدعم من النظام السوري، بأن لا ملاحقات أو تصفية حسابات تترتب على جميع السوريين العائدين، بمن فيهم معارضو النظام، شريطة عدم مشاركتهم في عمليات يسمونها "قتل" أو "إرهاب".
وبينما كان الموقف الأممي متحفظا على عودة اللاجئين السوريين، تخوفا من تداعيات إنسانية قد يتعرضون لها، بدا الموقف الجديد مرنا للغاية.
اقرا أيضا : ما مصير فلسطينيي سوريا بعد بسط النظام سيطرته ؟
وجدد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك تأييد المنظمة الأممية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم في ظروف سليمة ومضمونة.
إلا أنه وفي ظل هذا كله، تظهر تساؤلات حول إن كان اللاجئون السوريون في لبنان يعودون طواعية حقا؟ وإلى أين يعودون؟ وهل هناك ضغوط تمارس ضدهم؟
والتقت "عربي21" العديد من اللاجئين السوريين، للوقوف على حقيقة رغبتهم بالعودة إلى سوريا في ظل الظروف الحالية ميدانيا وسياسيا، وكانت كالتالي:
إلى أين نعود؟
من جهته، تحدث مهندس الديكور السوري (أبو شادي) عن صعوبة عودة رجال الأعمال السوريين الهاربين من العنف في سوريا إلى بلادهم، شأنهم شأن مئات الآلاف من السوريين لأسباب مختلفة.
وقال لـ"عربي21": "تحسنت أموري المالية جدا في لبنان، وأمتلك حاليا معملا للأثاث، وأي تفكير بالعودة العشوائية يعني انهيار ما بنيته خلال السنوات الماضية".
وحول ما يدور الحديث عنه لجهة عنصرية تمارس ضدهم، قال: "الأمر نادر في تعاملاتنا مع اللبنانيين، الأغلبية يتعايشون معنا، لكن هناك حملة من أحزاب سياسية ضد الوجود السوري لأسباب طائفية، وهذا يؤثر علينا بالطبع".
ولفت إلى أنه يسعى لأن تكون أوضاعه كلها قانونية، قائلا: "هناك أصدقاء لبنانيين يساعدوني على ذلك".
اقرا أيضا : بتنسيق مع الأسد.. لبنان يعيد مئات اللاجئين السوريين لبلادهم
وعن العائدين إلى سوريا، قال: "هناك من قد سدت السبل أمامه، ولم يعد له خيار سوى المضي في مغامرة العودة، في ظل محاولات البعض للتضييق على السوري في لبنان، ودفعه إلى القبول بالعودة تحت عنوان الطوعية".
تحدثت "عربي21" مع اللاجئ السوري (محمود.ب) الذي يعمل في أحد مقاهي العاصمة بيروت، مشيرا إلى عدم رغبته في العودة إلى سوريا لأسباب متعددة.
وقال: "بلدتي في ريف حلب ليست آمنة، وهي مدمرة، وتدور فيها معارك، ونحن كعائلة مشردون، فقسم منّا لجأ في تركيا والآخر في لبنان"، متابعا بأن "الظروف غير مواتية لنعود الآن، ولا يعني ذلك أني لا أشتاق الى بلدتي ووطني، غير أنّي لا أرغب في ذلك، ولا تتوفر أي عوامل تشجعني على ذلك الآن".
وأضاف: "عائلتي في تركيا تعيش في ظروف مقبولة، وإذا قررنا العودة لا بد أن تعود الأوضاع على الأقل إلى فترة ما قبل الأحداث، حيث كان لنا أرزاق نعتاش منها، كما كان لأخوتي وظائف... وكان لنا بيت وأرض زراعية".
وعمّا إذا كان الخوف من تعرضهم للتعنيف أو الاستجواب من النظام، قال: "لا أودّ التعليق على الموضوع نريد أن تعود سوريا مستقرة حتى نتشجع إلى العودة، فلا أحد يحب الغربة وحياة القهر".
أما اللاجئة السورية (عائشة.د) تبدو أقل تحفظا للعودة إلى سوريا، لكنها تربط ذلك بأن تكون عودة لتفقد الأهل على أن تعود مجددا إلى لبنان.
وقالت في تصريحات لـ"عربي21": "زوجي يعمل (ناطور) في مبنى سكني (الشويفات جنوبي بيروت)، كما أنه يعمل في مشاريع بناء، وأتولى بنفسي في هذه الفترة مسؤولية المبنى".
وقالت: "أحوالنا المالية أفضل في لبنان، كما أننا تمكنا من إدخال أبنائنا إلى مدرسة رسمية"، مضيفة: "في سوريا تبدو الأمور غير مشجعة، إلا إذا تمّ تأمين العائدين من النواحي كافة".
اقرا أيضا : ما مدى واقعية المقترح الروسي حول عودة اللاجئين السوريين؟
وأشارت إلى أنهم يراقبون تفاصيل عودة لاجئين إلى سوريا، قائلة: "إذا سارت أمورهم بشكل سليم وشاهدنا ما يشجعنا، سنعود بالتأكيد".
بدورها اعتبرت ليزا أبو خالد المتحدثة الإعلامية بإسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الأخيرة "تحترم قرار عودة اللاجئين بمفردهم، ولن تحاول تغيير رأيهم أو ثنيهم عن العودة".
وأضافت في تصريحات لـ"عربي21": "تحاول المفوضية تقديم المساعدة قدر الإمكان للاجئين بينما يستعدون للمغادرة، بطرق متعددة، بما في ذلك مساعدتهم في الحصول على الوثائق الرئيسية التي فقدوها، مثل شهادات الولادة والزواج وشهادات الوفاة أو السجلات المدرسية، وكل ما يساعد اللاجئ على إعادة تأسيس نفسه، والحصول على الخدمات وتأكيد حقوقه عند عودته إلى سوريا".
وعلى الصعيد الطبي قالت: "تقوم المفوضية بتقييم الاحتياجات الطبية وتحاول إيجاد طرق لتزويد اللاجئين مسبقاً ببعض المساعدات".
وحول التضييقات التي تمارس على اللاجئين وموقف المفوضية منها، قالت: "عملت المفوضية بنشاط كجزء من تفويضها لإيجاد الحلول، وذلك في عملياتها في جميع أنحاء المنطقة، ولتحديد الظروف التي من شأنها أن تسمح للأغلبية الساحقة بالعودة بأمان وكرامة"، مشيرة الى أن "هذا الجهد يشمل إجراء تدخلات متعددة منذ عام 2016 لتقييم العقبات التي تحول دون العودة"، وتحدثت عن إجراء المفوضية لحوار مستمر مع السلطات في سوريا بشأن عدد من الضمانات الأساسية".
تابعت: "بالنسبة إلينا من المهم ان تكون قرارات العودة مبنية على الخيارات الفردية والحرة للاجئين، ووفق معلومات كاملة قدر الامكان حول الوضع في المناطق التي سيعودون اليها".
اقرا أيضا : حزب الله يدفع بثقله نحو إعادة اللاجئين السوريين ويسبب جدلا
وشددت على أن "تنظيم المفوضية لعودة اللاجئين، يعني ضمناً أن المنظمة تتحمل جزءاً من المسؤولية عن مصير هؤلاء الأفراد لدى عودتهم، ولا سيما قدرتهم على إعادة تأسيس حياتهم في أمان وكرامة".
ولفتت الى أن المفوضية "لا تستطيع مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى حاليا الوصول إلى العديد من المناطق في سوريا التي قد يعود إليها اللاجئون، وتفتقر إلى الضمانات الرسمية المتعلقة بحماية اللاجئين عند العودة".
وشددت على ضرورة "أن يتمكن اللاجئون السوريون من الوصول إلى الحماية والاستمرار في التمتع بها في ظروف كريمة في لبنان، وأن تتمسك جميع الجهات الفاعلة بالمبادئ الدولية المتمثلة في عدم الإعادة القسرية والعودة الطوعية في كرامة وأمان، لضمان أن لا يتم إجبار أي لاجئ على العودة إلى وضع قد يتعرض فيه للأذى أو قد يجبره على الفرار مرة أخرى".
وتطرقت الى ما ينقله بعض اللاجئين للمنظمة الأممية عن العودة الطوعية، فقالت: "أشار عدد من العائلات التي أجريت معها مقابلات إلى نيتهم في العودة"، مردفة: "لم نقم بمقابلة جميع العائلات، ونحن لا نعرف حتى الآن من هم الذين عادوا".
من جهته اعتبر عضو هيئة العلماء المسلمين في لبنان الشيخ نبيل رحيم أن ثمة مخاطر فعلية تحوم حول عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم، وقال في تصريحات لـ"عربي21" أن "تجارب مريرة عدة حصلت لسوريين عائدين منهم أحد الأشخاص الذي قتل في منطقة القلمون بذريعة تواجدة في منطقة عرسال (البقاع اللبناني).
كما حصلت توقيفات عدة طالت العديد من السوريين الذين قرروا العودة"، لافتا الى أن "بعض العائدين أجبر على التجند في صفوف جيش النظام تحت وقع التهديدات".
واشار الى أن المخاوف تتجاوز التطمينات التي تعطى للاجئين السوريين، وقال: "أغلبية السوريين في لبنان يريدون العودة ولكن ضمن ضمانات لهم، وما نقوله نأمل أن يلقى تجاوبا ولكن لا رأي لمن لا يطاع".
واستبعد رحيم أن يجبر السوريون في مرحلة ثانية على العودة "على اعتبار أن الموقف الدولي واضح في هذا الخصوص ولم تنته المعارك بعد في سوريا وليس هناك ما يؤشر الى قرب انتهائها".