هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعتقد كثيرون أنّ النّظام السّوري يسدل السّتار على الفصل قبل الأخير لثورة الشّعب السّوري في درعا (مهد الثّورة السّورية)، تماماً كما فعل السيسي عندما انقلب عسكريّاً على ثورة الشّعب المصري، وكما يحاول اللواء حفتر خطف ثورة الليبيين في ليبيا مدعوماً بقوًى خارجيّة أرعبها الرّبيع العربي؛ لما سيتبعه من تغيرات ستغيّر وجه المنطقة، وبذلك يعود الاستبداد من جديد ليكرّسَ الطغاةُ بدايةَ مرحلةٍ جديدة من الظّلم والاضطهاد مُنهين - وفق اعتقادهم - ثورات الحريّة والعدالة.
نجزم يقيناً أنّ ثورات الرّبيع العربي لم تفشل، سواء على المدى القريب أو البعيد، رغم نجاح الطّغاة في الاستحواذ على السُّلطة، وعرقلة التّحول الديمقراطي مؤقتاً. ويبدو هذا طبيعيّاً في ظلّ موازين القوى العسكريّة بين الثوّار والطّغاة، والعمالة (الخيانة) للخارج الذي دَعَمَ الطُّغاة في الثّورات المضادّة. فالنّظام السّوري لم يتقدم شبراً على أرض درعا إلا عقب تفاهمات أمريكيّة روسيّة، ودعم جوي روسي، وصمت إقليمي مُريب ممّن يسمون أصدقاء الشَّعب السّوري، كما لم يقم السّيسي بانقلابه إلّا بعد تفاهمات دوليّة وعربيّة ولقاءات شبه يومية مع السّفيرة الأمريكيّة آن باترسون، في فندق الماسة، كما كُشِف مؤخراً طلب الرّئيس الأمريكي أوباما من الرئيس الشرعي محمد مرسي تقديم تنازلات كبرى وأخذ خطوات للخلف. ويحدث الأمر ذاتُه حاليّاً مع قوّات حفتر في ليبيا، فمالت الكفّة لصالح الطّغاة بسبب العاملين السّابقين، رغم الطّابع الشّعبي لثورات الرّبيع العربي.
ثورات الرّبيع العربي لم تفشل، سواء على المدى القريب أو البعيد، رغم نجاح الطّغاة في الاستحواذ على السُّلطة، وعرقلة التّحول الديمقراطي مؤقتاً
رغم ذلك، تلوح تباشير النّصر والتّحوّل الدّيمقراطي. فالاستبداد الحالي - رغم ادّعائه النّصر - فإنّه في نزعه الأخير، حيث لم تعد ورقة التّوت قادرة على ستر عوراته؛ خلافاً للاستبداد القديم (ما قبل القرن العشرين)، حيث تشكل بفعل ثّورات الرّبيع العربي وعي فكري ووعي سياسي جديدان؛ ينتظران التبلور ليحققا التّحول المنشود. فقبل الثّورات العربيّة كان يُحاط الطّغاة العرب (الأسد الأب، مبارك، القذافي...) بهالة من العظمة والقداسة تبعث في النّفوس الرهبة والخوف، بل يمتدح كثيرون استبدادهم وطغيانهم باعتباره طغياناً "إيجابياً"، تماماً كما يمدح كثيرون استبداد غيرهم في دول أخرى تحت مسمى "الحكم الرّشيد"، أي الاستبداد العادل، متجاهلين أنّ الضّدين (الاستبداد، العدل) لا يجتمعان، وأنّ حسنات هذا الاستبداد مهما كانت وازنة فإنّها تنسف أمام سيّئات تدمير الإنسان وسلبه حريته، وحقّه بمحاسبة الحاكم إن أخطأ. فهذا المستبد مهما كان عادلاً؛ لن يكون بوزن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - اللذين أسسا لما يوصف بالحكم الرّشيد من خلال التّداول السّلمي للسلطة، وحق الأمّة بمحاسبة الحاكم إن أخطأ، وحقّها قبل ذلك في قبول الحاكم أو رفضه من خلال بيعة لا إكراه فيها ولا خوف. فالحرية السّياسية مكفولة للجميع، وحق الرّأي مُصان خلافاً لعقود الاستبداد الطويلة التي تحكمت بالأمّة من خلال مُلك جبري سلب الشعوب إرادتها، فغدت البيعة (الانتخابات أو الاستفتاءات) صورية شكليّة، والويل والثبور لمن يعلن رأياً مخالفاً، فهذا الفقيه أنس بن مالك يُجلد عارياً من قبل المستبد لأنّه أفتى بعدم مشروعية بيعة المُكره، واليوم يعذّب الأحرار حتّى الموت لرفضهم الخنوع للمستبد، وهذا العالم أبو الحسن الماوردي يوصي بعدم نشر كتابه "الأحكام السّلطانية" قبل وفاته، خوفاً من تبعات كلمة الحق التي قالها في مصنّفه، تماماً كما يخشى المثقفون اليوم قول كلمة الحق. فمقولة الحكم الرّشيد كلمة حق أريد بها باطل؛ ما دامت الأمّة غير قادرة على محاسبة هذا الحاكم أو تغييره سلميّاً إن أفسد وظلم. وما أكثر فسادهم وظلمهم اليوم!.
أهميّة الثورات والنّقلة النّوعية التي حققتها في العقل الجمعي.. حيث لم يعد الطغاة قادرين على خداع الجماهير بخطاباتهم الجوفاء ووعودهم الكاذبة لاستمرار حكمهم