هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قامت صحيفة "نيويورك تايمز" بإعادة تركيب مسرح الهجوم الكيماوي، الذي وقع في 7 نيسان/ أبريل في بلدة دوما في ريف دمشق، باستخدام الواقع المعزز، "وهو تحسين على ما كان يعرف بالواقع الافتراضي، وأفضل الأجهزة تطبيقا له هي أجهزة آيباد وآيفون"،
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن طائرات الهيلوكوبتر التابعة للنظام السوري أسقطت قنابل كلور على شرفة للدور العلوي لبناية سكنية، وقتل بسببها عشرات الأشخاص المختبئين داخل البناية، خلال المحاولة الأخيرة لجيش الأسد للسيطرة على البلدة التي كانت جيبا للثوار.
وتفيد الصحيفة بأن الكلور غاز ثقيل، ما يعني أنه يتحرك إلى الأسفل ليحل محل الهواء، وعندما يكون مركزا بشكل كبير فإن له أثرا قاتلا، مشيرة إلى أن غاز الكلور استخدم كثيرا في الحرب السورية، بحيث يعرف السوريون بأنهم يجب عليهم أن يصعدوا للأعلى ويحاولوا إيجاد مصدر مياه عندما يشمون رائحته.
ويقول التقرير: "قمنا بإحصاء 34 ضحية موزعين على طابقين، ووجد الكثير منهم بالقرب من مصادر مياه، وهذا يشير إلى أن هؤلاء الضحايا كانوا يحاولون الصعود للأعلى في البناية؛ لعدم معرفتهم بأن القنبلة في الواقع كانت في الطابق الأعلى، أو أنهم كانوا في الواقع يتحركون نحو مصيدة مميتة، وأظهرت جثثهم علامات تعرض لمواد كيماوية".
وتورد الصحيفة نقلا عن تقرير مسرب للأمم المتحدة، حصلت عليه "نيويورك تايمز" حصريا، قوله إن عدد الذين قتلوا في ذلك الهجوم كان 49 شخصا، بينهم 11 طفلا، مشيرة إلى أن المسؤولين السوريين وحلفاءهم الروس أنكروا وقوع أي هجوم كيماوي، فيما أصبح إثبات خلاف ذلك أمرا صعبا.
ويلفت التقرير إلى أن النظام السوري انتصر في حملته العسكرية، وسيطر على دوما وعلى مسرح الجريمة، مشيرا إلى أن الشرطة العسكرية الروسية كانت هي أول من سمح له بزيارة المكان، وتبعها الصحافيون الروس، الذين قدموا روايتهم للأحداث، وقالوا إن البناية لا تظهر دليلا على وقوع هجوم كيماوي، وبأن القنبلة الموجودة على السطح وضعت هناك للادعاء بأن هجوما قد وقع.
وتعلق الصحيفة قائلة: "بما أنه لم يكن بإمكاننا زيارة دوما، وللتوصل إلى الحقيقة فإننا قمنا بتحليل المواد المرئية المتوفرة؛ للبحث عن أدلة مرئية، بعضها وفرته تقارير الصحافيين الروس دون قصد، ومن خلال جمع تلك الصورة مع الفيديوهات، التي قام بتصويرها ناشطون سوريون، قمنا بإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد للبناية والشرفة والقنبلة، بالتعاون مع جامعة غولدسميثس، ووكالة الأبحاث التابعة لجامعة لندن، قسم معمار البحث الجنائي".
وينوه التقرير إلى أن "بناء هذا النموذج وفر لنا مسرح جريمة افتراضيا، جعل بإمكاننا رؤية العلاقة بين القنبلة والكم الهائل من الأدلة حولها، والحطام المنتشر على الشرفة، وتصميم القنبلة، وهندسة السطح العلوي، والأضرار التي تبدو علاماتها على جسم القنبلة، والثقب الذي أحدثته في السطح، وكيف اخترقت القنبلة إلى الغرفة التي في الأسفل".
وتستنتج الصحيفة أن "الأدلة المجمعة تشير إلى أن هذه القنبلة لم يتم زرعها هناك، كما ادعى المسؤولون، لكن تم إسقاطها من طائرة هيلوكوبتر، وتدعم الأدلة أن غاز الكلور كان هو المستخدم، وأكدت وقت حصولها -مساء يوم 7 نيسان/ أبريل- وهو وقت يتماشى مع الوقت المذكور في التقارير والمقابلات التي قام النشطاء ببثها في ذلك اليوم".
وبحسب التقرير، فإن التكنولوجيا، التي تسمح بإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد، والواقع المعزز والواقع الافتراضي، توفر مستوى جديدا من الوصول عن بعد وفهم مسرح الجريمة، ويمكن الاستفادة منها في التحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان، لافتا إلى أنه تم استخدامها لأكثر من عقد اعتمادا على صور الأقمار الصناعية وغيرها من وسائل الاستشعار عن بعد.
وتبين الصحيفة أن المجموعة المتخصصة في هندسة الأدلة الجنائية وشركة ستيو لأبحاث العمارة استخدمت لإعادة تشكيل القصف الأمريكي لمسجد الجنة في سوريا، وإطلاق النار على المتظاهرين العزل في أوكرانيا.
ويذكر التقرير أن المؤسسات الحقوقية قامت باستخدام هذا الأسلوب لإعادة تشكيل غرف التعذيب في سجن صيدنايا، بالقرب من دمشق، بالإضافة إلى أنه تم عرض مقطع واقع افتراضي على المحلفين في محاكمة حارس تابع للجيش النازي "أس أس"؛ ليستطيعوا فهم ما كان يمكن للحارس أن يراه.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول: "لكن لا يمكن للوصول عن بعد أن يخبرنا كل شيء، فهناك حاجة لعينات بيئية وأنسجة للتحقيق في الهجمات الكيماوية، لكنه يسمح لنا بالقيام ببعض القياسات، ويوفر تحليلات تعتمد بشكل أقل على التخمين وأكثر على الحسابات الرياضية، ويوفر عروضا للأدلة المرئية الحساسة".