احتمالات إطلاق عملية عسكرية تركية في العراق

خلال الشهرين الماضيين، سلطت بعض التقارير الضوء على وجود تحركات غير اعتيادية للقوات المسلحة التركية داخل الحدود العراقية، وبينت هذه التقارير أن الهدف من التحركات إنشاء نقاط تمركز ثابتة في الطريق المؤدية إلى معقل مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل. 

شكلت التحركات مؤشرات متزايدة على تحضيرات الجانب التركي لإطلاق عملية عسكرية في شمال العراق، بعدما كان قد نجح في عمليته العسكرية في عفرين شمال غرب سوريا، بداية هذا العام.
 
في تلك الفترة، كانت أنقرة قد هددت بشن عملية برية إذا لم تقم الحكومة العراقية بحرمان مقاتلي حزب العمّال الكردستاني من الملجأ الآمن وطردهم من سنجار. 

وقد بدا أن الحكومة العراقية تفاعلت إيجابيا مع هذا الطلب، الأمر الذي بدد شبح إطلاق مثل هذه العملية العسكرية، لا سيما أن هذه التطورات كانت قد تزامنت مع التعقيدات التي طرأت على العلاقات التركية- الأمريكية بخصوص مصير مدينة منبج في سوريا، بالإضافة إلى الإعلان لاحقا عن تقديم موعد الانتخابات.
 
وفي الوقت الذي اعتقد فيه البعض أن الموضوع قد حفظ في الأدراج، عاد الحديث عن إمكانية إطلاق عملية عسكرية ليطفو على السطح من جديد. 

ففي 2 حزيران/ يونيو، كشف وزير الداخلية التركي سليمان سويلو عن توغل القوات التركية حوالي 16 ميلا في عمق الشمال العراقي. 

وفي تصريح له يوم الثلاثاء الماضي، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإمكانية إطلاق عملية برية للقيام بما يلزم ضد مسلحي تنظيم حزب العمال الكردستاني إذا تطلب الأمر ذلك، فيما أشار وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، إلى أن مثل هذه العملية ستنطوي على تعاون رباعي بين تركيا والولايات المتّحدة والحكومة العراقية وحكومة أربيل.
 
وترافق هذا التسخين الكلامي مع تكثيف للطلعات الجوية للمقاتلات التركية ضد أماكن تمركز مقاتلي حزب العمال الكردستاني شمال العراق. 

وعلى الرغم من أنّ مثل هذا الأمر لا يخرج عن المألوف أو المتعارف عليه، إلا أن تطور الموضوع إعلاميا أوحى بأن العملية العسكرية البرية قاب قوسين أو أدنى، في ظل الحديث المتكرر للمسؤولين الأتراك عن أن مثل هذه العملية قد تنطلق في أي وقت.
 
يشكل تواجد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل تهديدا استراتيجيا طويلا للداخل التركي، كما أن تحصنه في تلك المنطقة يعطيه القدرة على الصمود وإشغال الجانب التركي، لكن إطلاق تركيا لعملية عسكرية واسعة في هذا التوقيت بالتحديد لا يبدو منطقيا أو واقعيا. 

إذ ليس ثمة خطر داهم يتهدد الجانب التركي الآن أو يجبره على إطلاق مثل هذه العملية، مع ما تحمله مخاطر وتكاليف اقتصادية ومالية، ما يعني أن تصعيد وتيرة التصريحات الإعلامية ضد حزب العمال الكردستاني يستهدف على الأرجح تحقيق حسابات انتخابية. 

في المقابل، يمكن تفسير الحشد العسكري المتزايد، وتكثيف الطلعات الجوية، على أنها استكمال للتحضيرات اللوجستية اللازمة لإطلاق مثل هذه العملية، بعد الانتخابات مباشرة، إن تطلب الأمر ذلك بالفعل. 

هناك بُعد آخر لهذا التصعيد، المتعلق باختبار مصداقية الجانب الأمريكي، فقد سبق لواشنطن أن قطعت مرارا وتكرارا تعهدات لأنقرة فيما يتعلق بوضع المليشيات الكردية في سوريا والعراق، دون أن تفي بهذه التعهدات. 

وتوصل الطرفان مؤخرا إلى اتفاق بخصوص وضع منبج، يقضي بخروج المليشيات الكردية من المدينة، لكن الاتفاق ليس كافيا ليطمئن الجانب التركي، لذلك تسعى أنقرة إلى اختبار مدى تعاون واشنطن في عملية عسكرية تركية محتملة في الشمال العراقي، خاصة أن مسؤولين أمريكيين كانوا قد وعدوا نظراءهم الأتراك بتوفير معلومات استخباراتية عن قيادات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، فور إنطلاق مثل هذه العملية.
 
خلاصة القول، بالرغم من أن احتمال إطلاق عملية عسكرية برية سيبقى قائما بالتأكيد، لكنها لن تكون قبل الانتخابات كما يعتقد البعض، علما بأن مثل هذه العملية ضد معقل حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل ستعتمد بالضرورة أيضا على عناصر ترتبط بعلاقات أنقرة في حينه مع كل من واشنطن وأربيل وبغداد، وهو أمر سيظهر بشكل أوضح بعد الانتخابات المنتظرة.