نشرت صحيفة "
تسوريشر تسايتونغ"
السويسرية تقريرا تحدثت فيه عن استقالة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي على
خلفية موجة الاحتجاجات التي اجتاحت الشارع بسبب الإجراءات التقشفية التي فرضتها
الحكومة. ومن جهته، كلف الملك عبد الله الثاني عمر الرزاز بتكوين حكومة جديدة، في
خطوة أراد من خلالها امتصاص غضب الشارع، وعدم التراجع عن الإصلاحات المفروضة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن الملك دفع برئيس الوزراء الأردني هاني الملقي لتقديم
استقالته، بعد تواصل الاحتجاجات واسعة النطاق ضد السياسة التقشفية التي فرضتها
الحكومة. وقد قدم الملقي استقالته يوم الاثنين، ليأتي البديل عمر الرزاز، الذي تم
تكليفه بتشكيل حكومة جديدة. والجدير بالذكر أن الرزاز كان قد أشرف سابقا على
برنامج التغطية الاجتماعية في الأردن، وترأس مجلس إدارة الصندوق الملكي للتنمية،
وعمل أيضا كمدير لمكتب البنك الدولي في لبنان، وتقلد حقيبة وزارة التعليم في
الحكومة المقالة.
واعتبرت الصحيفة أن الملك أراد، من خلال تغيير
رئيس الحكومة، توجيه رسالة مزدوجة، حيث حاول أن يظهر كأنه يأخذ آراء شعبه على محمل
الجد، وهو ما يمكن اعتباره سياسة شعبوية. وفي نفس الوقت، أراد الملك، من خلال
تعيين عمر الرزاز البالغ من العمر 58 سنة، إظهار إصراره على مواجهة التحديات
الاقتصادية الصعبة. فالبنك الدولي يصر على فرض إجراءات تقشفية أسوة بصندوق النقد
الدولي، الذي يعد المسؤول عن اقتراح حزمة الإصلاحات التي أثارت غضبا شعبيا في
البلاد.
وقالت الصحيفة إن الكثير من المشاهير على غرار
عالم الاقتصاد الأمريكي جوزيف ستيغليتز، اتهموا البنك الدولي بأنه يصر على فرض
إجراءات موجعة في الدول النامية، متجاهلا أوضاع المجتمعات فيها. وعموما، يعلم
الرزاز جيدا أن الأردن الذي يعاني من ضعف الإنتاجية، أصبح مجبرا الآن على توفير
المداخيل المالية الإضافية ورفع الإنتاج.
وذكرت الصحيفة أن حوالي خمسة آلاف متظاهر
تجمعوا أمام مبنى الحكومة صباح يوم الاثنين، وهو اليوم الخامس من المظاهرات،
مرددين شعارات تدعو الملقي للاستماع لصوت الشعب، وتؤكد على عدم الرضوخ. وفي تلك
اللحظات، التقى الملقي مع الملك للاتفاق حول استقالته الفورية.
وذكرت الصحيفة أن حوالي 200 ألف متظاهر خرجوا
للشوارع يوم السبت، ودعت 33 منظمة نقابية أردنية للإضراب يوم الأربعاء، كما دعا
مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي المتظاهرين للصمود والمقاومة. وعلى الرغم من
استقالة رئيس الوزراء، إلا أن الآلاف من الجماهير واصلوا التظاهر في العاصمة عمان
ضد البرامج التقشفية، متمسكين بمطلبهم الأصلي وهو السحب الكامل لكل الإجراءات
التقشفية ولزيادات الضرائب المبرمجة.
ونبهت الصحيفة إلى أن الأردن لم يشهد مظاهرات
بهذا الشكل منذ سنوات، حتى خلال الربيع العربي واندلاع مسيرات التضامن مع
الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية. وفي سنة 2011، نجح الإخوان المسلمون في
مناسبتين في دعوة أكثر من 10 آلاف شخص للتظاهر في الشوارع. في المقابل، لم يكن ذلك
كافيا لإحداث تأثير.
واعتبرت الصحيفة أن عجز رؤساء الحكومات في
الأردن يبدو كبيرا. وعموما، يعد عمر الرزاز رئيس الحكومة السادس منذ سنة 2011، حيث
لا يملك هو الآخر "وصفة" جديدة وجاهزة لإخراج البلاد من الأزمة. والجدير
بالذكر أن الأردن بكل بساطة هو بلد فقير لا يمكنه تحقيق قفزة اقتصادية بسرعة. وفي
الحقيقة، ينمو الاقتصاد الأردني بوتيرة ضعيفة تبلغ 2.5 بالمائة، فيما يعاني قطاع
الصناعة من الركود، وتبلغ نسبة البطالة في صفوف الشباب 35 بالمائة.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه العوامل تعاني منها مصر
كذلك، حيث أن نتائجها الاجتماعية معروفة لدى الجميع. فعلى مدى عقود طويلة، عانى
الأردن من عجز كبير في الموازنة، كان يساهم في تغطيته كبار الرعاة على غرار
السعودية والولايات المتحدة وبقية دول الخليج. فقد ساهمت السعودية بمبلغ مليار
دولار، في حين قدمت دولة الكويت 300 مليون دولار. في المقابل، دفع انهيار أسعار
النفط بالسعودية للتفكير هي الأخرى في القيام بإصلاحات اقتصادية بهدف إنقاذ
اقتصادها، ليجد الأردن نفسه بمفرده أمام عجزه.
وأوردت الصحيفة أن الأردن يعاني في الوقت
الراهن من ديون تبلغ قيمتها 40 مليار دولار. ومن جهته، يفرض صندوق النقد الدولي
الذي يتم الاحتكام إليه في هذه الحالات، اعتماد إجراءات تقشفية. لذلك، كان هاني
الملقي مضطرا إلى فرض ضرائب ثقيلة على 165 نوعا من السلع. بالإضافة إلى ذلك، هناك
العديد من الإجراءات الأخرى التي من المنتظر أن يتم فرضها، بعد أن يوافق عليها
البرلمان.
واعتبرت الصحيفة أن سعي الحكومة لرفع قاعدة
دافعي الضرائب من 4.5 في المائة من الشعب إلى 10 بالمائة، هو دليل على مدى فقر
الأردن. وعلى الرغم من هذه التحويرات، إلا أن رئيس الوزراء الجديد عمر الرزاز وجد
نفسه في وضعية لا يحسد عليها. في المقابل، يبقى باب الحوار مفتوحا في الأردن، حيث
طلب البرلمان الإذن من الملك لمناقشة أزمة الضريبة على الدخل ضمن جلسة خاصة.