هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن مقالا للكاتب بيتر أوبورن، يعلق فيه على وفاة المؤرخ البريطاني المعروف برنارد لويس، ويطلب فيه عدم البكاء عليه.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المؤرخ، الذي تجاوز المئة عام عند وفاته قبل أيام في الولايات المتحدة، ظل يقدم التبرير الأخلاقي للتعصب والحرب في الشرق الأوسط، لافتا إلى أن هذا المؤرخ، الذي تخصص في الدراسات العربية وتاريخ الإسلام وتكون الدولة التركية الحديثة، ظل حتى نهاية حياته صوتا للمحافظين الجدد الذين قاموا بغزو العراق عام 2003.
ويقول أوبورن: "عادة ما يتم الحديث عن محاسن الموتى، لكنني أرفض الالتزام بهذه الفضيلة في حالة برنارد لويس، المؤرخ عن الإسلام والشرق الأوسط، الذي توفي نهاية الأسبوع عن عمر 101 عام، ولا يمكنني التفكير في أي مؤرخ حديث تسبب بالأذى أكثر منه، وكان لويس على المستوى الثقافي رمزا معروفا، وكان ذلك يعني أنه يستطيع عمل الخير".
ويفيد الكاتب بأنه "بدلا من ذلك، فإنه أصبح الكاهن الأكبر للحروب الفاجعة، التي تسببت بالدماء في معظم أنحاء الشرق الأوسط، وأضر في الوقت ذاته بسمعة الولايات المتحدة".
ويجد أوبورن أن "تأثير لويس لا يزال مستمرا، حيث قال مدير (سي آي إيه) السابق ووزير الخارجية الحالي مايك بومبيو في 20 أيار/ مايو: (أنا مدين بشكل كبير لكتاباته التي علمتني عن الشرق الأوسط)، وكان تغيير النظام العراقي واحدا من مشاريع لويس السياسية، وربما قام بومبيو بعمل هذا الأمر مستلهما رؤية بطله المفكر".
ويقول الكاتب: "كنا هنا من قبل، فقد كان لويس القائد الأخلاقي لمجموعة صغيرة من المثقفين الذين دعوا إلى غزو العراق عام 2003، فبعد أيام من سقوط برجي التجارة العالمي، فإنه بدأ يحرض على سقوط صدام حسين، وعبر عن أفكار أفرحت المحافظين الجدد، الذين كانوا يدفعون للعمل العسكري في الشرق الأوسط".
ويلفت أوبورن إلى أنه "زعم لاحقا، وبطريقة مخادعة، أنه كان ضد الغزو، وهذا كلام تافه، حيث كان متورطا بشكل مباشر، بل إنه دعا قبل 11/ 9 لتغيير النظام في العراق، وبعد الهجوم انتهز الفرصة، وكان لويس حاضرا عندما عقد مجلس سياسة الدفاع في البنتاغون اجتماعه سيئ الذكر لمناقشة العمل العسكري ضد العراق في نهاية أيلول/ سبتمبر 2001".
ويذكر الكاتب أن "لويس أخبر المجلس أن على الولايات المتحدة دعم الديمقراطيين الإصلاحيين في الشرق الأوسط (مثل صديقي هنا أحمد الجلبي)، وكونه خبيرا عالميا في الإسلام، فإنه لم يكن لدى لويس أي مبرر للوقوع في حبائل الجلبي الدجال ورئيس المجلس الوطني العراقي، لكنه انغمس بشكل كامل بنتائج كارثية على حياة سكان الشرق الأوسط لا يزال تأثيرها قائما إلى اليوم".
ويبين أوبورن أن "خطأ لويس في العراق كان واحدا فقط من مظاهر عالمه الشنيع، والنهج العنصري الصارخ للشرق الأوسط، وأخبر نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، قائلا: (أعتقد بشيء واحد يجب أن تفعله مع العرب، وهو ضربهم بين عيونهم بعصا، لأنهم يحترمون القوة)".
وينوه الكاتب إلى أن لويس وسع موقفه هذا في عدد من الكتب والمحاضرات، التي صورت عالما إسلاميا متخلفا يغلي بالكراهية ضد الغرب الفاضل الحديث، وكان هو لا صموئيل هنتنغتون من صاغ عبارة (صدام الحضارات)".
ويورد أوبورن نقلا عن لويس، قوله في عام 1990: "نواجه مزاجا وحركة تتجاوز بشكل كبير مستوى القضايا والسياسة والحكومات التي تقوم بمتابعتها"، وأضاف: "هذا ليس أقل من صدام الحضارات، وقد يكون لا عقلانيا لكنه الرد التاريخي ضد التراث اليهودي المسيحي القديم، وحاضرنا العلماني، والرؤية التوسعية للأمرين".
ويشير الكاتب إلى أن "مقولة لويس إن رؤيته عن أن الإسلام والغرب يعيشان معركة وجودية للبقاء كانت مؤثرة على جانبي الأطلسي، وربما لا تزال تمثل التفكير الرسمي حتى يومنا هذا، لكنها مليئة بالتناقضات، فلو كان العالم يواجه حرب حضارات فلماذا لا تزال الدول هي القوى الفاعلة المهمة في الشأن العالمي؟ ولو كان الإسلام في حالة حرب مع الغرب فلماذا تتحالف الدول الإسلامية الكبرى، (مصر وماليزيا وتركيا والسعودية...إلخ) مع الغرب؟".
ويوضح أوبورن أن "لويس يتهم أيضا بالاختزال التاريخي الكارثي، ولو صغنا الأمر بطريقة رقيقة، فإن سكان العالم من المسلمين، البالغ عددهم 1.8 مليار نسمة، لا يفكرون بالطريقة ذاتها، لكن لويس طالما كتب عنهم وكأنهم على صعيد واحد في النظرة، ومع أن أحدا لا يمكنه تحميله مسؤولية الموت والدمار في الشرق الأوسط، لكن لويس يتحمل نصيبه من المسؤولية؛ لأنه قدم التبرير الأخلاقي للتعصب والحرب".
ويقول الكاتب: "لن يعرف أحد هذا عن لويس لو قرأ صحف اليوم، (وول ستريت جورنال) و(ذا تايمز) و(ذا ديلي تلغراف) وغيرها من الصحف ووسائل الإعلام، التي حملت صفحات كاملة عن حياة المؤرخ ومديحه، وبأنه واحد من أعظم الحكماء في عصرنا".
ويلفت أوبورن إلى أنه "قبل 30 عاما، تبادل لويس الجدل والنقاش مع الناقد الأدبي الفلسطيني إدوارد سعيد، ووجه العالمان الكبيران ضربات موجعة لبعضهما، لكنني أعتقد أن سعيد أشار إلى أمر مهم عندما ناقش لويس: أنه لا يمكنه التعامل مع التنوع بين المسلمين، بل والحياة الإنسانية؛ لأنه عالم مغلق أمامه وأجنبي ومختلف بشكل جذري، أي آخر".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "في قلب الهجوم الذي وجهه سعيد بأن لويس لم يكن باحثا موضوعيا بقدر كبير، بل كان دعائيا ضد العالمين العربي والإسلامي، ولا يزال الجدل مستمرا، لكنني أعتقد أن التاريخ سيوافق سعيد على موقفه، وفي الوقت الذي تلوح فيه حرب جديدة في الشرق الأوسط، هذه المرة مع إيران، فإن موقف لويس سيظل مرتفعا أكثر من أي وقت مضى".