هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل في معهد بروكنغز
خالد الجندي، يقول فيه إن الولايات المتحدة تتجاهل ببطء كونها ملتزمة بالحفاظ على
حقوق الفلسطينيين.
ويقول
الجندي في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن
المظاهرات وصلت إلى ذروتها في غزة يوم 15 أيار/ مايو، في الحملة التي أطلق عليها
"مسيرة العودة الكبرى"، التي بدأت قبل حوالي ستة أسابيع؛ وذلك لإحياء
الذكرى السبعين للنكبة، التي تم خلالها طرد معظم سكان فلسطين، مشيرا إلى أن
اللاجئين يشكلون نسبة 70% من سكان قطاع غزة، البالغ عددهم مليوني نسمة.
ويشير الكاتب إلى أن "إسرائيل لطالما أنكرت مسؤوليتها عن مشكلة
اللاجئين، وتصر على عدم عودة اللاجئين، وقبل صناع القرار الأمريكيون وجهة النظر
الإسرائيلية، لكن لم يكن هذا هو الحال دائما، فعلى خلاف الحال اليوم، لم تكن أحداث
النكبة، ولا حق العودة، الذي أكدته الأمم المتحدة، مثيرة للجدل في السياسة
الأمريكية في السنوات التي أتت بعد 1948 مباشرة، لكن وفي أقل من جيل تم نسيان كل
من أهمية النكبة سياسيا، وجذور الصراع العربي الإسرائيلي في واشنطن".
ويجد الجندي أنه "بعد سبعين عاما، فإن هناك عملية شبيهة من
الإنكار تحدث الآن -مع أنها بوتيرة أبطأ- فيما يتعلق باحتلال إسرائيل للضفة
الغربية وقطاع غزة على مدى نصف قرن، والمحو المتواصل لمصطلح الاحتلال الإسرائيلي
في خطاب واشنطن السياسي لن يجعل فقط من المستحيل على الولايات المتحدة أن تحل
الصراع، لكنه يضع الإسرائيليين والفلسطينيين على طريق غير قابل للرجوع نحو حل
الدولة الواحدة".
ويستدرك الكاتب بأنه "مع أن مصطلح النكبة لم يدخل قاموس واشنطن
السياسي، إلا أن صناع القرار الأمريكي يفهمون طبيعة النكبة التي أصابت الفلسطينيين
خلال قيام إسرائيل ومدها، وفي وقتها كان الدبلوماسيون الأمريكيون وضباط المخابرات
يراقبون عن كثب، ويكتبون التقارير حول ما يدور، فيما كانت فلسطين في وقتها تحت
الانتداب البريطاني، وكان معظم صناع القرار الأمريكيين، من الرئيس إلى وزير
الخارجية، يعلمون تماما طبيعة التشرد الفلسطيني".
ويلفت
الجندي إلى أن "وتيرة الهجرة تسارعت بعد مذبحة دير ياسين، التي راح ضحيتها
أكثر من 100 مدني فلسطيني على يد منظمتي الإرغون وستيرن غانغ، وكانت وزارة
الخارجية الأمريكية على اطلاع ومتابعة تامة لأعداد وأحوال الفلسطينيين الفارين من
المنطقة، وعندما كرر أول سفير أمريكي لإسرائيل، جيمس ماكدونالد، الادعاءات
الإسرائيلية بأن الفلسطينيين فروا بسبب غزو القوات العربية، كان وزير الخارجية
الأمريكي جورج مارشال هو من صحح له، وذكره بأن (مشكلة اللاجئين العرب.. بدأت قبل
اندلاع القتال العربي الإسرائيلي، فغادر عدد كبير من العرب بيوتهم بسبب احتلال
اليهود لحيفا في تاريخ 21-22 نيسان/ أبريل؛ وبسبب الهجوم اليهودي المسلح على يافا
في 25 نيسان/ أبريل)، وذهبت رسالة مارشال إلى التحذير بأن (القيادات الإسرائيلية
تخطئ التقدير كثيرا إن هي ظنت بأن هذه المعاملة القاسية لهذه القضية المأساوية
ستمر دون ملاحظة من العالم)".
ويفيد الكاتب بأن "أمريكا، كغيرها من دول المجتمع الدولي، دعمت
قرار 194، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي طالب إسرائيل بالسماح
للاجئين الفلسطينيين الراغبين بالعودة إلى بيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم بأن
يعودوا في أقرب تاريخ ممكن، وبحسب مبعوث الرئيس هاري ترومان للسلام في الشرق
الأوسط، مارك إثريدج، فإن إسرائيل تتحمل مسؤولية (أولئك الذين طردوا بالإرهاب
والقمع والطرد إكراها)، واعترف العديد بمسؤولية أمريكا أيضا، حيث شكا القنصل
الأمريكي في القدس ويليام بارديت بأن (أمريكا راكمت على نفسها مسؤولية أخلاقية،
وحتى مالية، ضخمة في الوضع؛ بسبب حماسنا المبرر لخلق دولة "يهودية")،
وحتى ترومان، الذي يعد المشرف على ولادة إسرائيل، فإنه اعترف بأنه (يشعر
بالاشمئزاز جدا من الطريقة التي تعامل فيها اليهود مع مشكلة اللاجئين)".
ويستدرك الجندي بأنه "مع مرور السنوات، بدأ الشعور بمدى إلحاح
قضية اللاجئين الفلسطينيين يقل، وكذلك الذاكرة لسبب وجود قضية اللاجئين، ومع ذلك
بقيت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ترى أن حل قضية اللاجئين هو مفتاح الحل السلمي،
حتى الرئيس ليندون جونسون، الذي وعلى خلاف الثلاثة رؤساء الذين سبقوه، لم يحاول
التعامل مع قضية اللاجئين، لذلك عندنا أخطر الدبلوماسيون الإسرائيليون وزارة
الخارجية الأمريكية عام 1966، بأن إسرائيل لن تقبل أي مقترحات تتضمن عودة
اللاجئين، وأنها من ذلك الوعد فصاعدا ستعد أي محاولة من هذا القبيل تساوي الدعوة
لتدمير إسرائيل، فإن الإدارة لم تنزعج من هذا الإخطار، بل إن آراء جونسون تماشت مع
آراء القيادات الإسرائيلية، وفي مذكراته لام العرب لأنهم لم يستوعبوا اللاجئين
لاستخدام قضيتهم لخدمة مصالح الزعماء الشخصية، واختفت أي إشارة إلى دور إسرائيل في
خلق قضية اللاجئين أو الدور الأمريكي في ذلك".
وينوه الكاتب إلى أن "النوع ذاته من فقدان الذاكرة السياسية
والتاريخية، الذي تسبب بمحو النكبة من الضمير السياسي لواشنطن قبل نصف قرن من
الزمان، عاد الآن بين السياسيين الأمريكيين، لكن هذه المرة فيما يتعلق بالاحتلال
الإسرائيلي، فمنذ عام 1967 والسياسة الأمريكية تجاه القضية قائمة بناء على قرار
242، الذي دعا إسرائيل للانسحاب من الضفة الغربية وغزة، ومنذ عام 2000 فسرت أمريكا
والمجتمع الدولي قرار 242 في إطار خلق دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة إلى
جانب إسرائيل".
ويقول الجندي إن "بيل كلينتون كان أول رئيس أمريكي يجعل من دعم
الدولة الفلسطينية سياسة أمريكية غير رسمية، وجعل جورج بوش الابن سياسة إنهاء
الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة سياسة رسمية، وكرر أوباما موقف سلفيه، لكنها
لم تعد في وقتها موضوع توافق بين الحزبين، ولذلك عندما دعا أوباما عام 2011 إلى حل
الدولتين بحدود 67، وتبادل بعض الأراضي التي يتفق عليها، اتهمه الجمهوريون بخذلان
إسرائيل، وفي عام 2016 قام الحزب الجمهوري رسميا بحذف أي إشارة إلى حل الدولتين من
أجندته، وأعلن في الوقت ذاته (رفض المفهوم المزيف بأن إسرائيل محتلة)".
وينوه الكاتب إلى أن "انتخاب دونالد ترامب سرّع هذا التوجه،
فسفيره إلى إسرائيل، ديفيد فريدمان، مؤيد متحمس للاستيطان، ودائما ما يشير إلى
احتلال الضفة الغربية بـ(الاحتلال المزعوم)، في الوقت الذي لم يجعل فيه ترامب
موقفه واضحا، كما أن إدارته لم تعبر عن تأييدها قيام دولة فلسطينية وإنهاء
الاحتلال، كما فعل آخر ثلاثة رؤساء من قبله، وكل ما قاله ترامب هو أن أمريكا تؤيد
حل الدولتين (إذا اتفق عليها الجانبان)، مع أنه يتوقع أن خطة الإدارة للسلام تقوم
على رؤية لا تمنح الفلسطينيين سيادة كاملة، بالإضافة إلى أن قرار وزارة الخارجية
التوقف عن الإشارة للضفة الغربية وغزة على أنها (أراض محتلة) من تقرير حقوق
الإنسان السنوي يشير إلى أن إنكار الاحتلال اقترب بشكل مخيف إلى أن يصبح عاديا على
المستوى الرسمي".
ويذهب الجندي إلى القول إنه "ليس من الصعب فهم الدوافع خلف
إنكار الاحتلال؛ فإن لم يكن هناك احتلال فإنه ليس على إسرائيل أن تتخلى عن أي من
الأراضي التي تسيطر عليها حاليا، لكن الخطاب الذي ينكر الاحتلال والانتصار
الإسرائيلي، الذي يبدو أنه سيطر على خطاب اليمين الأمريكي والإسرائيلي، إشكالي لإسرائيل
ولمؤيديها؛ لأنه إن لم تكن الضفة الغربية والقدس وغزة أراضي محتلة، فإن الطريقة
الوحيدة لوصف الاستمرار في السيطرة على ملايين السكان، مع حرمانهم من الحقوق
المدنية كاملة، هو أنه شكل من أشكال الأبارتهايد، وفي الواقع فإن هؤلاء الذين
ينكرون الاحتلال يبرزون واقع الدولة الواحدة الموجودة اليوم، الذي تقوم فيه
إسرائيل بالسيطرة على الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض ونهر الأردن، فمن جهة هناك
6.5 مليون يهودي إسرائيلي ينعمون بحقوق مدنية كاملة يعيشون على جانبي حدود عام
1967, وفي الجانب الآخر هناك عدد مساو تقريبا من الفلسطينيين العرب بدرجات مختلفة
من الحقوق السياسية، ومع غياب احتمال قيام دولة مستقلة خاصة بهم فإن الفلسطينيين
لا بد وأن يميلوا نحو المطالبة بمواطنة متساوية في إسرائيل، وهو توجه موجود".
ويرى الكاتب أنه "بالرغم من أوجه الشبه، إلا أنه لا يتوقع أن
تتجذر حالة فقدان الذاكرة السياسية الحديثة؛ ليس فقط بسبب وجود التكنولوجيا
الرقمية التي لا تسمح لأحد بأن ينسى، ولكن أيضا لأنه بخلاف الفترة التي أعقبت نكبة
1948، فإن هناك الآن مقاومة سياسية للنسيان، بالإضافة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت
تحولا في الرأي العام الأمريكي باتجاه المزيد من المعرفة والإدراك والدعم لحقوق
الفلسطينيين، بالذات بين الشباب التقدميين والناخبات والملونين واليهود
الليبراليين، وفي الوقت الذي كان فيه نسيان النكبة وحقوق اللاجئين عاما تقريبا،
إلا أن إنكار الاحتلال يتعلق بشكل كبير بحزب بذاته، ويقابل بمقاومة من
الديمقراطيين التقدميين، مثل السيناتور بيرني ساندرز والنائبة بيتي ماكولام".
ويختم الجندي مقاله بالقول: "ما لم يكن صناع القرار الأمريكيون
مستعدين للنظر بشكل واضح ونزيه للاحتلال الإسرائيلي للضفة والقدس الشرقية،
بالإضافة إلى قضية اللاجئين التي لطالما أهملت، فإن أمريكا لن تكون قادرة على فعل
شيء من ناحية السلام، وكما أن عقودا من إهمال موضوع اللاجئين لم تنجح في إزالة هذه
القضية عن الطاولة، فإن إنكار الاحتلال سيولد المزيد من المشكلات".