أعلنت الحكومة
المصرية مجموعة من التدابير لمواجهة النقص الشديد في مواردها المائية، المتوقع
تفاقمه جراء إنشاء إثيوبيا لسد النهضة، الذي قارب على الانتهاء.
ومن بين تلك
التدابير تقليص المساحات المزروعة بالمحاصيل الشرهة للمياه، مثل الأرز والقصب
والموز، وفرض عقوبات مغلظة على المخالفين تراوحت بين الغرامات المالية وإتلاف
المحاصيل وحتى حبس أصحاب الأراضي، كما أعلنت الحكومة بدء الاعتماد على نبات
"
الكينوا"، النبات الغريب على المصريين، بديلا عن الأرز والقمح.
وأثارت هذه الخطة
تساؤلات حول جدواها واحتمالات نجاحها في توفير
المياه، وسط شكوك في قدرة الحكومة
على تغيير عادات المصريين الغذائية، وإجبار الفلاحين على الالتزام بهذه السياسات
الزراعية الجديدة.
محصول المستقبل؟
وكانت وزارة
الزراعة أطلقت حملة قومية للتوسع في زراعة محصول "الكينوا"، باعتباره
واحدا من أهم المحاصيل ذات العائد الاقتصادي المرتفع، ولا يستهلك مياها بكميات
كبيرة مقارنة بالمحاصيل الزراعية الأخرى.
وأعلنت الوزارة أن
"الكينوا" يتمتع بقيمة غذائية مرتفعة ترجع إلى احتوائه على نسبة
عالية من البروتين، ويتحمل الجفاف وملوحة التربة، مقارنة بالحبوب الأخرى، موضحة أنه
يمكن استخدام الكينوا في إنتاج الدقيق الذي يخلط مع دقيق القمح؛ لرفع القيمة
الغذائية لرغيف الخبز، وصناعة أغذية الأطفال، كما يستخدم كشوربة أو يطبخ مثل الأرز، ويستخرج من حبوبه الزيت، وينتج مادة السابونين التي تدخل في صناعة الأدوية، ما
يجعله أحد المحاصيل الواعدة لسد جزء من الفجوة الغذائية في مصر.
وقال المتحدث باسم
وزارة الزراعة، حامد عبد الدايم، في تصريحات للإعلام، إن الوزارة تسعى لتصدير محصول
"الكينوا" مستقبلا، مشددا أنه حال التوسع في هذا المحصول ستقل الكميات
المستوردة من القمح؛ كونه سيدخل في صناعة الخبز.
مسار إجباري
وتعليقا على هذا
التوجه الجديد، قال أستاذ الاقتصاد الزراعي، جمال صيام، إن هناك توجها واضحا من
الحكومة خلال الفترة الحالية؛ لتقليل كميات المياه المستخدمة في الزراعة قدر
الإمكان، وهو تصرف طبيعي في ظل الأزمة الحالية مع إثيوبيا، فضلا عن التغيرات
المناخية التي تمر بها البلاد مؤخرا.
وأكد صيام، في
تصريحات لـ"
عربي21"، أن التغيير أصبح مسارا إجباريا لا مفر منه، مؤكدا "أننا
ما زلنا في مرحلة بداية أزمة سد النهضة، ولم تبدأ أديس أبابا بعد تخزين المياه في
سد النهضة، حيث يتوقع أن يزيد شح المياه، ولا ندري ما سيفعله بنا سد النهضة خلال
السنوات الماضية".
وأضاف أن هناك
محاصيل مقاومة للجفاف وتتحمل ملوحة التربة يجب أن تتوسع مصر في استخدامها في
الفترة المقبلة، لكنه حذر من أن إجراء هذه التغييرات في تركيبة المحاصيل التي تزرع
في البلاد ستستغرق وقتا طويلا، ولن تتم بين يوم وليلة؛ حتى يتعلم الفلاحون طريقة
زراعتها، كما أنه يحتاج إلى تغيير العادات الغذائية للشعب المصري.
وأوضح جمال صيام أن
مراكز البحوث الزراعية التابعة للحكومة تجري دراسات وبحوثا متواصلة؛ للتوصل إلى أفضل
المحاصيل الموفرة للمياه، والتي تناسب الأراضي الرملية المستصلحة حديثا، موضحا أن
هناك سلالة حديثة من الأرز، على سبيل المثال، يعرف باسم "الأرز الجاف"
يستهلك 2000 متر مكعب من المياه للفدان الواحد بدلا من 6000 آلاف متر مكعب للسلالة
الحالية.
ما زلنا في مرحلة
التجريب
من جانبه، قال سعد
نصار، مستشار وزير الزراعة، إن ما يتم تداوله عن استبدال محصول القمح أو الأرز
بالكينوا غير صحيح، موضحا أن زراعة الكينوا في مصر ما زالت في مرحلة التجارب، ومن
غير الوارد تعميم زراعته في الوقت الحالي.
وأضاف نصار، في
تصريحات لـ"
عربي21"، أنه لم تثبت حتى الآن جدوى التوسع في زراعة الكينوا
واعتباره من المحاصيل الأساسية في مصر، مشددا أن الوزارة تعتمد في مواجهة أزمة شح
المياه على مسارين أساسيين، هما تحديد المساحات التي يتم زراعتها بكل محصول،
بالإضافة إلى طرح سلالات جديدة من النباتات تكون موفرة للمياه.
وأوضح أن تحديد
التركيب المحصولي لكل موسم زراعي في مصر يتم بعد التنسيق مع وزارة الري، التي تحدد
الكميات المتاحة من المياه، مشيرا إلى أن قرار تقليل المساحات المنزرعة بالمحاصيل
الشرهة للمياه، مثل الأرز أو الموز أو القصب، ليس جديدا، حيث بدأت الحكومة في
تطبيقه منذ أكثر من خمس سنوات.
وأكد سعد نصار أنه
لا يمكن إجبار الفلاحين على زراعة أصناف معينة عن طريق تهديد المخالفين بالحبس، كما
ينص القانون الجديد الذي أقره البرلمان مؤخرا، أو إتلاف محاصيل المخالفين كما يحدث
الآن، بل يتم الأمر عن طريق توفير بدائل مجدية اقتصاديا وشرائها من الفلاحين
بأسعار جيدة بدلا من دفع أضعاف هذه المبالغ في استيراد محاصيل بديلة من خارج
البلاد.