هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها من بيروت بن هبارد، يتحدث فيه عن الهجوم الكيماوي الذي تعرضت له المدينة السورية دوما.
ويقول هبارد إن طالب الحاسوب كان مع عائلته في طابق تحت الأرض لمدة يومين، في الوقت الذي كانت فيه القوات الموالية للحكومة تمطر بلدته التي يسيطر عليها الثوار بالقنابل.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه بعد دخول الليل سمعوا صوت المروحيات، وأتبع ذلك صفير أجسام نازلة من السماء، وأعقب ذلك بقليل انتشار رائحة غريبة وصلت إلى الطوابق السفلى، حيث قال الطالب محمد الحناش (25 عاما) على الهاتف من سوريا: "بدأ الناس يصرخون في الشوارع، كيماوي، كيماوي".
ويقول الكاتب إن صدى الهجوم الذي وقع يوم السبت على بلدة دوما، الذي يقول الشهود والعاملون الطبيون، إن الأسلحة الكيماوية استخدمت فيه، تردد أبعد بكثير من المناطق المدمرة، وزاد من التوتر بين الدول العظمى، وهدد بتصعيد الحرب السورية متعددة الأطراف.
وتذكر الصحيفة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعد بمعاقبة ليس رئيس النظام السوري بشار الأسد فحسب، بل حتى حلفائه الروس والإيرانيين، مشيرة إلى قول مسؤول روسي يوم الأربعاء إنه سيتم اعتراض أي صواريخ تطلق ضد سوريا، ورد عليه ترامب في تغريدة على "تويتر"، قائلا إن على روسيا أن "تتهيأ" للصواريخ التي ستكون "جميلة وجديدة وذكية".
ويلفت التقرير إلى أن سوريا وروسيا وإيران أنكرت استخدام أسلحة كيماوية، متهمة الثوار وعمال الإغاثة باختلاق القصة؛ للحصول على التعاطف عندما اقتربت هزيمتهم، مشيرا إلى أن المحققين الدوليين لم يقوموا بزيارة المنطقة بعد، لتحديد ما إذا كانت الأسلحة الكيماوية استخدمت أم لا، لكن منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية سترسل الفريق، فيما قالت وزارة الخارجية الأمريكية بأن الأعراض التي تناقلتها التقارير "تتسق مع عامل اختناق وعامل أعصاب من نوع ما".
ويفيد هبارد بأنه في الوقت الذي يبقى فيه الكثير حول الهجوم غير واضح، إلا أن استعراضا قامت به "نيويورك تايمز" لأكثر من 20 فيديو لما بعد الحادث، وتفحصا لسجلات الطيران قام بتجميعها مراقبون مدنيون، ومقابلات مع عشرات المواطنين والمسعفين وعمال الإنقاذ، تشير إلى أنه خلال العملية العسكرية، ولكسر إرادة الثوار، قامت القوات الموالية للحكومة بإسقاط عبوات تحمل بعض التركيبات الكيماوية، تسببت باختناق ما لا يقل عن 43 فردا، وتركت العديد يحاولون التنفس بصعوبة.
وتنقل الصحيفة عن الطالب حناش، قوله: "تخيل نفسك أنك في يوم القيامة، وهناك موت في كل مكان حولك.. إنه مشهد لا تريد لأحد أن يمر به؛ الرجال المسنون والنساء والأطفال يصيحون ويعانون".
ويجد التقرير أنه بغض النظر عن الذخيرة المستخدمة، فإن الهجوم حقق النتيجة المرجوة، فبعد ساعات، بعد أن قام المنقذون بصف الأجساد على الشوارع، وافق الثوار على تسليم البلدة، وعلى الخروج هم وعائلاتهم في باصات إلى منطقة أخرى يسيطر عليها الثوار، لافتا إلى أن دوما هي بلدة بسيطة في ريف دمشق، وكانت تحت سيطرة المعارضة منذ السنوات الأولى للثورة، وكانت آخر بلدة يسيطر عليها الثوار في الغوطة الشرقية.
وينوه الكاتب إلى أن المفاوضات مع الثوار فشلت يوم الجمعة، وبدأت الحكومة السورية هجوما جديدا ضد البلدة، وتم قصفها بالمدفعية بشدة، في الوقت الذي قامت فيه الطائرات والمروحيات بإلقاء القنابل من أعلى، بحسب ما قاله المواطنون.
وتصف الصحيفة المشهد قائلة: "سقطت الأسقف، وتهدمت الجدران، واختبأ الناس في الطوابق السفلى تحت الأرض، التي تستخدم مخازن، ولتجنب الخروج إلى الخارج فإنهم قاموا بالطبخ والخبز تحت الأرض، ويخرجون فقط في أوقات الهدوء؛ لجلب الماء للطبخ والاستحمام، بحسب محمود بويداني (19 عاما)، الذي قضى معظم أوقات الأشهر القليلة الماضية مع عشرة آخرين في غرفتين تحت الأرض، وقال: (تجلس فقط وتفكر في الغارات.. هل هي قريبة أم بعيدة؟ هل كانت تلك قنبلة أم صاروخا؟)".
ويبين التقرير أنه بعد إحدى الغارات مساء السبت، بدأ 15 شخصا بالاختناق، بحسب محمود آدم من الدفاع المدني السوري، وهم مجموعة متطوعين تعرف أيضا باسم الخوذات البيضاء، حيث قال الشهود بأنه كانت هناك رائحة تشبه الكلور، الذي تم استخدامه مكررا خلال هذه الحرب بصفته سلاحا، لافتا إلى أنه في وقت لاحق من تلك الليلة، قال حناش إنه سمع طائرات مروحية والصفير الذي تتسبب به البراميل المتفجرة لدى سقوطها، التي يبدو أنها كانت تحمل بعض الكيماويات، وأضاف: "بعد سقوط البراميل، بدأنا نشم رائحة"، ووصف تلك الرائحة بـ"الحلوة"
ويستدرك هبارد بأن الناس المختبئين في الملاجئ تحت الأرض بدأوا يصرخون، وقام رجال الإنقاذ بحمل ستة أشخاص فقدوا الوعي، بحسب حناش، الذي قال إنه لم يعرف ماذا كان قد حصل لهم، مشيرا إلى أن هناك عبوة وقعت على فراش في طابق علوي متضرر ولم تنفجر، بحسب فيديو قام ناشط عثر على العبوة بتصويره، بالإضافة إلى أنه تم العثور على عبوة أخرى على سطح بناية سكنية من 4 طوابق في وسط البلدة، بحسب فيديو للعبوة وناشط زار البناية في اليوم التالي.
وتورد الصحيفة نقلا عن منقذين وناشط، بشرط عدم ذكر أسمائهم؛ خوفا من انتقام الحكومة منهم، قولهم بأنهم وجدوا عشرات الرجال والنساء والأطفال الموتى في الطابق الأعلى من تلك البناية، منوهة إلى أن لقطات الفيديو لا تظهر أي علامات لأضرار جسدية، لكن ظهر زبد على أفواه وأنوف البعض، وظهر البعض وكان قرنيات عيونهم قد احترقت.
وينقل التقرير عن ناشطين، قولهم بأنه عندما شمت الرائحة الغريبة في الطوابق تحت الأرضية صعد بعض الناس للطوابق العليا؛ أملا في الحصول على هواء نقي، ما قربهم من مصدر الغاز السام دون علمهم.
ويورد الكاتب نقلا عن عدد من المواطنين، قولهم إنهم سمعوا أصوات مروحيات قرب وقت الهجوم، كما أن شبكة من المراقبين المدنيين، الذين يتابعون حركة الطائرات، قالوا إن مروحيتين من نوع "ميل مي 8" قالوا إنها تتبع للحكومة السورية، شوهدت وهي تغادر قاعدة الدامر الجوية، متجهة إلى دوما قرب وقت الهجوم.
وتنوه الصحيفة إلى أن موجة من الضحايا وصلت بعد الغارة إلى عيادة محلية، بحسب طالب طب كان يعمل هناك في ذلك الوقت، وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته؛ خشية انتقام الحكومة السورية.
ويكشف التقرير عن أن الطواقم الطبية قامت برش الماء على المرضى، واستخدام العدد المحدود من مضخات التنفس والأدوية لمحاولة معالجة الضحايا؛ لعدم وجود أدوية، وقال الطالب إن أحد المرضى عانى من تشنجات عضلية، وحاول بجهد أن يتنفس قبل أن يسعل دما ويموت، وأضاف: "إن معظم أصحاب الحالات الخطيرة ماتوا في المستشفى".
ويشير هبارد إلى أن الدفاع المدني السوري قام بتجميع قائمة من الأسماء، ضمت 35 شخصا في الهجوم، وقالوا إن ثمانية جثامين آخرى لم يمكن التعرف عليها.
وتقول الصحيفة: "كان صباح اليوم التالي هادئا، وعندما خرج الناس من ملاجئهم علموا أن الثوار استسلموا، وستعيد الحكومة السيطرة على دوما للمرة الأولى، بعد أكثر من خمس سنوات، وسيتم نقل الثوار وعشرات آلاف المواطنين إلى مناطق الثوار في شمال سوريا".
وقال بويداني للصحيفة: "لم يعلنوا أي شيء، لكن كان واضحا أن هناك اتفاقا؛ لأن القصف توقف، وخرجنا لنرى أن البلدة كلها تم تدميرها".
وبحسب التقرير، فإن المنقذين قاموا يوم الأحد بإخراج الأجساد من البنايات، التي مات فيها العشرات، وأخرجوها إلى الشارع، لافتا إلى أنه بحسب الفيديو، فإنهم قاموا برشها بالماء، ثم تحميلها في شاحنات، حيث أخذت للدفن، إلا أنه لم يكن واضحا ماذا حصل لبقية الجثامين، وقال السكان بأن عائلاتهم إما أن تكون دفنتهم، أو أنها تركتهم خلفها.
ويلفت الكاتب إلى أن ضباطا من الشرطة العسكرية الروسية قاموا يوم الاثنين بالدخول إلى دوما، وزاروا البناية التي أخرج منها المنقذون الأجساد، بحسب فيديو يظهر تلك الزيارة، وقال بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية بأن الزيارة "فندت التقارير التي تحدثت عن استخدام للأسلحة الكيماوية في المدينة كلها"، ووصف الاتهامات والصور والفيديوهات التي نشرت على الإنترنت بأنها "مزورة"، ومحاولة لتعطيل الاتفاق الذي أنهى القتال.
وتستدرك الصحيفة بأن أمريكا لم تصرح متى ستقوم بالرد، مشيرة إلى أن سكان دوما لا يهمهم رد ترامب بقدر الإجابة على سؤال بسيط: هل يبقون تحت حكم حكومة قامت بقصفهم، أم ينتقلون إلى منطقة من سوريا لم يدخلوها من قبل أبدا؟
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الكثيرين لا يتوقعون أن يؤثر التدخل الأمريكي على حياتهم، حيث يخطط بويداني لمغادرة دوما؛ لأنه يخشى أن تعتقله الحكومة أو تجنده إجباريا، ويقول: "نحن هنا بصفتنا مدنيين فقدنا الثقة بكل ما يقوله الناس.. أرى كلاما كثيرا، لكن لا أرى فعلا".