هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا للصحافي سكوت بيترسون، يقول فيه إنه مع حلول الذكرى الثالثة للتدخل السعودي في اليمن، التي حلت الأسبوع الماضي، فإن التحالف، الذي تقوده السعودية، والذي تدعمه كل من أمريكا وبريطانيا، قام بشن 16749 غارة جوية ضد أحد أفقر بلدان العالم، حيث تقول الأمم المتحدة إن قنابل التحالف تسببت بثلثي القتلى من 10 آلاف قتيل في الصراع.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الحوثيين استذكروا الذكرى الثالثة لاندلاع الحرب، التي تقول الأمم المتحدة إنها تسببت بـ"أسوأ أزمة إنسانية من صناعة البشر في العالم"، بإطلاق سبعة صواريخ إلى العمق السعودي، ثلاثة منها سقطت على الرياض وقتلت مدنيا، في أكثف عملية إطلاق صواريخ من نوعها.
ويذكر بيترسون أنه بعد يومين، وفي الوقت الذي كان يجهز فيه اليمنيون أنفسهم للرد، فإنه صدرت عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أقوى إشارات بأن المملكة بدأت بالتركيز على الاحتياجات الإنسانية في الحرب، التي تسببت باستشراء الجوع وانتشار داء الكوليرا.
وتلفت المجلة إلى أن "ولي العهد قدم مبلغ 930 مليون دولار من السعودية وحليفتها الإمارات للأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس في نيويورك، ويغطي هذا المبلغ ثلث 2.96 مليار دولار، الذي تحاول الأمم المتحدة تأمينه لعام 2018، وهو ما سترحب به الأمم المتحدة في المؤتمر المنعقد في جنيف الثلاثاء، للحصول على وعود بالمساعدات في اليمن، وهذا المبلغ هو جزء من 1.5 مليار دولار، الذي أعلنت السعودية في شهر كانون الثاني/ يناير أنها ستنفقه في اليمن، ويتضمن توسيع الموانئ اليمنية، وفتح 17 معبرا آمنا للإمدادات الإنسانية، خاصة في المناطق غير الخاضعة للحوثيين".
ويستدرك التقرير بأن "اليمنيين المتأثرين بالحرب والمحللين يعتقدون أن التبرعات السعودية تهدف إلى إصلاح صورة المملكة المتضررة، أكثر من كونها لإنهاء الحرب، وفي الواقع فإن السعودية استأجرت شركات بريطانية وأمريكية للقيام بحملة تحسين للصورة".
وينقل الكاتب عن عبد الرشيد الفقيه، المدير التنفيذي لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، في العاصمة اليمنية صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيين منذ عام 2015، قوله: "إن الأموال التي تقدمها السعودية هي بمثابة مكياج لوجهها"، وأضاف الفقيه: "الأطراف المتحاربة كلها مسؤولة عن هذه المعاناة، لكن (تقع المسؤولية بالدرجة الأولى) على التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات.. وما هو أفضل من تقديم هذا (المبلغ) هو أن توقف السعودية الحرب في اليمن، فليس كافيا أن تصل المساعدات الإنسانية لليمن في الوقت الذي تستمر فيه الحرب".
وتنوه المجلة إلى أن مديرة مشروع شبه الجزيرة العربية في مجموعة الأزمات الدولية، أبريل لونغلي ألي، كان رأيها أكثر إيجابية بقليل، لكنها توصلت إلى النتيجة النهائية ذاتها، حيث قالت ألي متحدثة من دبي، بعد أن قامت بزيارة إلى عدن، التي تقع تحت سيطرة التحالف: "على مدى الأشهر القليلة الماضية كان من الواضح أن السعودية بدأت تنظر إلى الأضرار التي لحقت بسمعتها بجدية، وقامت بحشد إمكانياتها للتعامل مع الموضوع.. وهذا بالتأكيد صحيح فيما يتعلق بخططها الإنسانية في اليمن، التي أعلنت عنها مؤخرا".
وأضافت ألي: "من ناحية هي جيدة جدا، (أليس ذلك) صحيحا؟ إنهم يركزون الآن على الأزمة الإنسانية.. فلدى الأمم المتحدة خطة إنسانية وتحتاج لتمويل، وهذا تطور إيجابي"، واستدركت قائلة: "لكن باعتبار الصورة الكبيرة، فإن تلك المساعدات الإنسانية لا تساوي إلا تضميد الجراح، والسبب لحاجتنا للمساعدات الإنسانية هي الصراع.. فما دام الصراع قائما فإنه سيخلق المزيد من الحاجة".
ويفيد التقرير بأن التدخل العسكري السعودي كان في البداية يهدف إلى عملية لا تزيد مدتها على ثلاثة أشهر؛ لإعادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي لموقعه، بعد أن سيطر الحوثيون على الحكم في اليمن، مستدركا بأن "عملية عاصفة الحزم" طالت، فتم تغيير تسميتها إلى "عملية إعادة الأمل"، فيما لا يزال هادي هو الرئيس اسميا لليمن، حيث يحكم من منفاه في الرياض، في الوقت الذي تسبب فيه قصف التحالف المستمر بتدمير البنية المدنية التحتية، من المستشفيات إلى المصانع إلى الجسور، وأدى إلى تهم بارتكاب جرائم حرب.
ويقول بيترسون إن "الحصار الجوي والبري والجوي الخانق، الذي وعدت السعودية أنها ستخففه منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، مع تطبيق القليل إلى الآن، عنى أن المواد الغذائية والبضائع الضرورية أصبحت أثمن مما يستطيع الغالبية شراءه، وتقول الأمم المتحدة بأن هناك رقما قياسيا (22.2 مليون) من اليمنيين، أي ما نسبته 75%، أصبح بحاجة لمساعدات إنسانية خلال عام 2018، وهذا أكثر من العام الماضي بـ3.4 مليون شخص".
وتورد المجلة نقلا عن المتخصصة في الشأن اليمني في مركز الأبحاث التطبيقية بالشراكة مع أورينت (كاربو)، وهو مركز فكري في بون في ألمانيا، كريستين هاينز، قولها إنه بالرغم من الخطة السعودية الإنسانية، إلا أنه من غير المحتمل أن تقوم المملكة بتخفيف حملتها العسكرية، وتضيف هاينز: "لا يزالون يحاصرون، ولايزالون يقصفون البنى التحتية المدنية، وذلك كله يستمر في التأثير على الوضع الإنساني على الأرض.. ولا أرى ذلك تغييرا".
وتابعت هاينز قائلة للمجلة إن حجم الغارات الجوية تسبب "بصدمة لشعب كامل"، خاصة جيل الأطفال، وأضافت: "حتى لو توقفت الحرب غدا، فإن علينا التعامل مع تداعياتها لعقود قادمة.. وهناك أيضا الصراع على المستوى المحلي وتداعياته الطائفية، والكراهية، والدعاية التي لا تقوم فقط بتقسيم المناطق، الشمال والجنوب، لكنها تقسم المحافظات والقرى والمجتمعات والعائلات، التي تمزق النسيج الاجتماعي بشكل لا يمكن إصلاحه بسهولة".
ويشير التقرير إلى أن أكثر من 79% من الأطفال عانوا من "أعراض شديدة" لاضطراب ما بعد الصدمة، مثل "عدم التمكن من البكاء، أو عدم التمكن من الشعور بالسعادة"، بحسب إحصائية نشرها (كاربو)، فيما تم فحص أكثر من 900 طفل يمني، بعد السنة الأولى من التدخل السعودي، التي قام التحالف خلالها بقصف صنعاء عدة مرات في اليوم، لافتا إلى أنه بالمقارنة فإنه لم تسجل نتائج شبيهة سوى للأطفال في شمال العراق، بعد عملية الأنفال التي قام بها صدام حسين ضد الأكراد عام 1988، بحسب هذه الدراسة، و"اليوم ستكون النتائج أكبر، خاصة أن أطفال اليمن تعرضوا لسنتين إضافيتين من الحرب".
ويجد الكاتب أنه "مع ذلك، فإن الحرب الجوية التي يشنها التحالف، وتدعمها بريطانيا وأمريكا بالمعلومات والمستشارين وطائرات التزويد بالوقود الأمريكية، تشكل فقط عاملا واحدا من عوامل المعاناة في اليمن".
وتنقل المجلة عن الأمم المتحدة، قولها في المناشدة الصادرة عنها، إن اليمن هو أحد أكثر الدول فقدانا للأمن الغذائي في العالم، حيث تشهد واحدة من كل ثلاث محافظات خطرا أعظم من وقوع المجاعة، وتحتاج تفاعلا شاملا سريعا لمنع وقوع كارثة وشيكة، وأضافت المناشدة أن الصراع "فاقم من الفقر والمخاطر، التي كانت موجودة في اليمن قبل عام 2015"، مشيرة إلى أن النتيجة اليوم هي أن هناك 17.8 مليون يمني فاقدون للأمن الغذائي، منهم 8.4 مليون عرضة للموت جوعا.
ويعلق بيترسون قائلا إن "هذه الأرقام مع التصور الشائع بأن السعودية هي المسؤولة عن معاناة المدنيين في اليمن، دون أن تحقق أي نتائج عسكرية، وضعت ولي العهد ووزير الدفاع ومهندس هذه الحرب الأمير محمد بن سلمان في موقف المدافع، فقال لبرنامج (سيكستي مينيتس) على (سي بي أس) بأن الحوثيين يستغلون الوضع الإنساني لصالحهم، وللحصول على التعاطف، وقال إن الحوثيين يمنعون وصول المساعدات الإنسانية لخلق المجاعة والأزمة الإنسانية".
وتبين المجلة أنه ليس من الواضح كيف ستتداخل الخطة السعودية المعلنة مع استراتيجية الأمم المتحدة، بتوفير مساعدات لليمن بملايين الدولارات، وقالت ألي من مجموعة الأزمات الدولية إن في الخطوات السعودية "إشكالية كبيرة"؛ لأنها لم تعرف بعد، ففي مسألة الموانئ يبدو أنها ستستثني ميناء الحديدة، الذي يسيطر عليه الحوثيون، ويغذي كلا من العاصمة صنعاء والمناطق الحوثية.
وأضافت ألي للمجلة أنه "بعد ثلاث سنوات لم تعد هناك دولة يمنية بالمعنى الحقيقي، فليس هناك بلد واحد، بل تشظى بحسب خطوط انقسام تاريخية، وأصبحت هناك مراكز قوى مختلفة.. ووصلت إلى طريق مسدود، وحرب استنزاف طاحنة على كثير من الجبهات.. وهو صراع مؤلف من عدة مستويات حتى داخل اليمن".
ويلفت التقرير إلى أن السعودية حاولت أن تتعامل مع الانتقادات بطرق أخرى، فسمحت لصحافي من "وول ستريت جورنال" بأن يزور مقر قيادة العمليات في الرياض، حيث شرح له الضباط بأنهم يحاولون جاهدين التقليل من الضحايا المدنيين، بالمراقبة أحيانا لأيام، وليس فقط ساعات، قبل أن يقوموا بالقصف الجوي.
ويتحدث الكاتب عن الصواريخ التي أطلقها الحوثيون في ذكرى بداية الحرب، مشيرا إلى أن ألي ترى أنهم أرادوا من خلالها أن يشعر السعوديون بالألم محليا، لتصبح السعودية جادة في مسألة المفاوضات.
وتورد المجلة نقلا عن ناشط حقوق الإنسان الفقيه، قوله إن وقوع الضحايا من المدنيين أمر غير مقبول، بغض النظر عن الجانب المتسبب به، مستدركا بأن سبعة صواريخ حوثية تبدو لا شيء مقابل ما يقارب 17000 غارة جوية للتحالف.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى قول الفقيه إن الغارات الجوية "ركزت جميعها تقريبا على تدمير مصالح الناس، مثل تدمير المصانع والأسواق.. والحملة العسكرية التي قام بها التحالف كانت ضد الناس وليست ضد الحوثيين، إنها ضد اليمنيين".