مذكرات عاكف

صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (30 والأخيرة)

محمد مهدي عاكف - جيتي
محمد مهدي عاكف - جيتي

حزب الوسط

 

يرجع موضوع حزب الوسط هذا إلى أيام الأستاذ عمر التلمساني، وأنا شخصيا أرفض كلمة أي حزب يمثل الإخوان المسلمين، وأقول إن الإخوان "يئة إسلامية جامعة" وليست حزبا، والحزب جزء يخرج منها يحمل عبء جزء من منهجها.. وعندما تأزمت الأمور في المهنيين، وكان يشرف عليها د. عبد المنعم أبو الفتوح، طُلب مني أن أترك الطلاب وأشرف على المهنيين. وكان إخوان المكتب قد اعتمدوا اللائحة الجديدة للمهنيين، وفي هذا الوقت كان الأخ محمد عبد اللطيف، رئيس القسم، معتكفا في بيته، فطلبت من الأخوين أبو العلا ماضي والدكتور سيد عبد الستار، وكانا وكيلي القسم، عمل الاجتماع للقسم بكامل هيئته. ولما اجتمع الإخوة، عرضت عليهم اللائحة الجديدة، وطلبت منهم اقتراحاتهم لتشكيل القسم وفقا للائحة الجديدة، وبدأ بعض الإخوة في تقديم الاقتراحات.

وقلت للمجتمعين: اللائحة الجديدة بين أيدينا.. نريد أن نشكل قسم المهنيين الجديد على أساسها، فاقترحوا عدة اقتراحات. ولم يعجبني أي اقتراح منها، فكلها تقوم على الثورة وإلغاء القديم، فقلت لهم: يا إخواننا إنني لم أبدا من فراغ ولكني جئت إلى مؤسسة عريقة لها تاريخها ولها عملها ولا أحب أن أبدأ من الصفر، ولكن أحب أن أبدأ من حيث انتهينا، لذلك أقترح عليكم أن قسم المهنيين القديم بكامل أفراده وبرئيسه الذي كان عليه قبل أن يقدم استقالته يأتي وهو الذي يضع الخطة لتكوين القسم الجديد على أساس اللائحة الجديدة، ووافقوا على ذلك. فقلت: أما وقد وافقتم، فيقوم الأخ محمد عبد اللطيف ويجلس بجانبي هنا كرئيس للقسم. وفعلا قام الأخ محمد عبد اللطيف وجلس بجواري.

وأسندوا إليّ تولي هذا الأمر، فجمعت قسم المهنيين، وقلت لهم: يا إخواننا لقد جاءتني موافقة من المكتب بإنشاء حزب، فلنجتهد لنجهز برنامجه والخطوات الأولى له حسب القوانين واللوائح المصرية، ونقدمه للإخوان. وذهبت إلى الإسكندرية، وكنت أتابعهم، وأرسلوا إليّ القانون الأساسي وبرنامج الحزب إلى المكتب. وأظن ذلك كان مع هشام جعفر، فذهب ليبحث عني في الروضة، فوجد إبراهيم شرف يحدثني في الإسكندرية، فعلم أني لست موجودا، وخوفا منهم من أن ينكشف الأمر للأمن (ولا أتهم نية أحد، وهذا ما قالوه لي) لم يعرضوه عليّ، وقاموا بتقديمه إلى لجنة الأحزاب (في وزارة الداخلية) مباشرة، وبدون عرضه على مكتب الإرشاد. وعندما قدمت من الإسكندرية، فوجئت بهم يحضرون إليّ البرنامج والنظام الأساسي ليلا، بعد أن كانوا قدموه في الصباح للجنة الأحزاب. فقلت لهم: كيف تقدمونه دون أن نعرضه على المكتب أولا؟ فقالوا خشينا أن يُعرف عند المباحث. وسواء كنت مقتنعا بهذا منهم أو لا، فهذا ما حدث بالفعل، ولا بد من معالجته بسرعة، وقلت لهم: الأستاذ مأمون يعلم؟ قالوا: لا.. الأستاذ مصطفى يعلم؟ قالوا: لا، فقلت لهم: حالا تعطون نسخة للأستاذ مأمون، ونسخة للأستاذ مصطفى، ثم نعالج هذا الخطأ. وذهبوا بالفعل لإعطاء هذه النسخ.

قرأت برنامج الحزب فوجدته ممتازا، وبالضبط كما اتفقنا عليه، وفيه أشياء طيبة جدا، ولكن الخطأ الخطير جدا هو أن يقدم دون أن يعرض على المكتب؛ لأنه أعلم بالوضع وصاحب القرار متى نتقدم. وقلت: سأتحمل هذا أمام المكتب، ففي الحقيقة، لقد كان إعلان الحزب لطمة على وجه الحكومة في ذلك الوقت. وذهبت إلى المكتب وقلت لهم: يا إخواننا ما حدث خطأ، وأنا أتحمله، ولكن يجب أن نعالج الأمر ونرى أين تكون المصلحة.

وكان تصريح الأستاذ مأمون للإعلام في غاية الجمال، فعندما سألوه، قال لهم: مجموعة من شباب الإخوان أحبوا أن يكونوا حزبا، ونحن لم نحظر عليهم ذلك.. وقال الحاج مصطفى مشهور نفس الكلام. واجتمع المكتب وقررنا أن يكملوا ما بدأوه، وإذا سئلنا عن الأمر من خارج الإخوان نقول كما قال الأستاذ مأمون، وإذا سئلنا من الداخل نقول: نعم نحن لم نحظر عليهم، ولكن هناك بعض الأخطاء الإدارية ونحن في سبيل علاجها. وجعلت إبراهيم شرف يكتب هذا القرار وقدمه لأعضاء المكتب جميعا؛ حتى تكون تصريحاتنا كلها واحدة.

بيعة المقابر

كنت وقتها أتجهز للسفر إلى السعودية لأداء العمرة، وكانت حالة الأستاذ حامد أبو النصر الصحية متأخرة جدا، فأحببنا أن يعرض المرشد الجديد (الأستاذ مصطفى مشهور) على مجلس الشوري العالمي حتى يبايعوه، وذهبت إلى الأستاذ حامد أبو النصر، وكان في غيبوبة وأفاق، فسلمت عليه، وذهبت إلى السعودية. واتصلت بإخوان مجلس الشورى، وأعلمتهم بترشيح الأستاذ مصطفى مشهور مرشدا للإخوان، وأن الأستاذ مصطفى مشهور خليفة الأستاذ حامد أبو النصر، وإن كنا لم نستطع أن نجمع مجلس الشوري العالمي.

وجاءتني في الصباح محادثة من لندن بأن الأستاذ حامد أبو النصر قد توفي - عليه رحمة الله - وأعلن الإخوان الأستاذ مصطفى مشهور مرشدا عاما، وهم في المقبرة، والجرائد كتبت هذا الكلام، وعلمته وأنا في السعودية.

أزمة جديدة

 

كنت مطمئنا وأنا خارج مصر أن موضوع حزب الوسط قد أنهيناه، ولكني عدت فوجدت الأمور مضطربة جدا بين الأستاذ مأمون وأعضاء حزب الوسط، وبين أعضاء المكتب كله وكونوا لجنة تحقيق، وفيها قال كل الشباب إن الأستاذ عاكف هو الذي أمرنا بذلك، فقلت لهم: نعم أنا الذي أمرت، وإذا كنتم تريدون محاكمة فلتحاكموني أنا.

جمعت كل إخوان الحزب عند حسن مالك، وقلت لهم إن موضوع حزب الوسط ليس هو أول ولا آخر الإخوان، وسواء كان قرار المكتب صوابا أم خطأ، فما يهمني هو الجماعة.

وفي الحقيقة، وافق المجتمعون على ذلك، والذي تضايق وتضجر فقط محمد عبد اللطيف وصلاح عبد الكريم. وعدت من الاجتماع حوالي الساعة الثانية عشرة، وفي الساعة الواحدة كان الأمن يلقي القبض عليّ.

دخلنا السجن، وكان معي الحاج حسن جودة وستة من أعضاء مكتب الإرشاد. وتحدثنا في الموضوع من الألف إلى الياء، واتفقنا أن نغلق الموضوع حتى نخرج؛ لأن الطرف الآخر غير موجود، لكن بعض الإخوة الثرثارين ظلوا يتحدثون، فاضطررنا لفتح الموضوع، وقلت لهم ما حدث بالضبط في قضية حزب الوسط، وتوقف الجميع بعدها عن الكلام والتجريح، وانتهى أمر حزب الوسط داخل السجن.

عندما خرجت من السجن ظن الناس أن بيني وبين المكتب كلام شديد، فقلت لهم: نحن إخوان مسلمون، والكلام شيء والأخوة شيء آخر، وعلاقتي بالإخوان طيبة.

مرشد عام

في 2004م توفي المستشار محمد المأمون الهضيبي، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين. وقد اجتمع مكتب الإرشاد ليقرر انتخاب مرشد جديد للإخوان، فتقدمت لهم باقتراح بأن لا يترشح لمنصب المرشد العام من هو فوق السبعين عاما حتى يعطي الفرصة للجميع. وظل الأمر وسط الإخوان لمدة شهرين، وفي هذه الفترة تم اختيار الأخ الفاضل محمد هلال قائما بأعمال المرشد العام. وأجريت الانتخابات وفوجئت بانتخابي مرشدا عاما للإخوان المسلمين، وحينما تم اختياري كان سني 76 عاما، فقلت لهم حينما أصل إلى سن الثمانين عاما سأقول لكم السلام عليكم وأترك المكان.

لكن مرت الدعوة بظروف قاسية، وكان الوضع بين الإخوان والنظام شديد، فضغط عليّ الإخوان أن أكمل فترتي (ست سنوات) بسبب ما تمر به البلاد والدعوة، فقبلت أن أكمل فترتي حتى أتممتها في 13 كانون الثاني/ يناير 2010م، واخترت الدكتور محمد حبيب والمهندس خيرت الشاطر والدكتور حسن هويدي نوابا لي.

 

اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (29)
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (28)

التعليقات (0)