هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتبة كيم غطاس، تقول فيه إن فلسطين هي ضحية الحرب الإيرانية السعودية، وهما منشغلتان بقتال بعضهما أكثر من تحدي قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وتقول غطاس: "في 18 شباط/ فبراير عام 1979، وبعد أيام من الثورة التي أطاحت بشاه إيران، والعودة الظافرة لآية الله الخميني، حطت طائرة خاصة في طهران قبل حلول الظلام وعلى متنها ياسر عرفات، وكان القائد الفلسطيني أول زعيم أجنبي يزور طهران بعد الثورة، وكان على ما يبدو محملا بالأمل من الأحداث التاريخية وما تقدمه من زخم لحركة المقاومة التي يقودها، حيث أخبر الصحافيين الإيرانيين لاحقا قائلا: (شعرت أنني أهبط في القدس)".
وتضيف الكاتبة أنه "في اليوم التالي منحت إيران مكتب البعثة التجارية الإسرائيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يقودها عرفات، وقال عرفات المتقد حماسة: (اليوم، نعلن انتصار الثورة الإسلامية في إيران وغدا سنعلن الانتصارات في فلسطين.. وسنحرر أرض فلسطين تحت قيادة الإمام آية الخميني)".
وتشير غطاس في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "حتى قبل عودته إلى إيران، فإنه عرف بذكاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه الموضوع الذي يمكن من خلاله تعبئة العالم الإسلامي، وتوسيع مجال جاذبيته الثورية أبعد من الطائفة الشيعية، ومنذ ذلك الوقت ظلت القضية الفلسطينية في مركز التنافس السعودي الإيراني للهيمنة على المنطقة".
وتجد الكاتبة أنه "من هنا، فإن إعلان ترامب عن القدس عاصمة لإسرائيل يمثل فرصة للقوتين الإقليمتين لزيادة التحركات ضد بعضهما، وفي هذه الأيام فإن إيران والسعودية منشغلتان بقتال بعضهما، وليس القيام بعمل من أجل تقويض قرار ترامب".
وتلفت غطاس إلى أنه "في الوقت الذي لم يسلم فيه الإيرانيون القدس للفلسطينيين، إلا أن القضية خدمت طموحات إيران الإقليمية، ففي كل عام تحيي إيران (يوم القدس) من أجل التعبير عن دعمها للفلسطينيين، وأطلقت على وحدة النخبة في الحرس الثوري اسم (فيلق القدس)، ووسعت من تأثيرها في العالم، وسلحت حزب الله وحركة حماس".
وتبين الكاتبة أنه "في مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية فإن السعودية كانت مستعدة على ما يبدو لبناء جبهة واحدة مع إيران بشأن القضية الفلسطينية، وبعد زيارة عرفات إلى طهران ظهر خبر في صحيفة (الرأي العام) الكويتية في 19 شباط/ فبراير يفيد بأن (السعودية تشيد بالثورة الإيرانية)".
وتعلق غطاس قائلة: "نعم حدث هذا، فقبل أن تبدأ إيران والسعودية في تمزيق المنطقة كانت الرياض مستعدة للعمل مع القادة الإيرانيين الجدد، وفي الوقت الذي تمت فيه الإطاحة بصديقهم الشاه، فبحسب صحيفة (الندوة) و(الرأي العام)، فإن السعودية حذرت من أي تحرك قد يؤثر على (الموقف الشجاع الذي اتخذته إيران لدعم الأمة العربية وكفاحها ضد العدو الصهيوني)".
وتقول الكاتبة: "لا حاجة للقول إنها كانت لحظة قصيرة انتهت عندما اكتشف السعوديون أن الخميني خطر عليهم، لكنها تؤشر للمزاج في المنطقة بعد عقد من هزيمة حرب الأيام الستة عام 1967، وحاول السعوديون مواجهة الخطاب الإيراني وموقف طهران، فبعد الإشارة إلى دعم فاتر لخطوة أنور السادات، الذي زار القدس ووقع المعاهدة مع إسرائيل عام 1978، غيروا موقفهم عام 1979، وقاد عرفات، الذي شعر بالجرأة بعد الدعم الذي حظي به من الخميني، الحملة على مصر مع الدول الأخرى المتشددة، مثل سوريا، حليفة الخميني، وقطعت السعودية العلاقات مع مصر في نيسان/ أبريل عام 1979، وقام وزير إعلامها بانتقاد السادات الذي أقام علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون أي حد أدنى من المطالب".
وتستدرك غطاس بأن "تحالف السعودية مع الولايات المتحدة قيد مواقفها، فلم تدعم أبدا الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وتقدمت بمبادرات سلام، من مبادرة الملك فهد عام 1982 والملك عبدالله عام2002، وكان هذا جزءا من محاولة السعودية تقديم صورة عن نفسها بصفتها بلد إجماع يمكن أن تحقق للعالم العربي اتفاقية سلام شاملة مع إسرائيل".
وتقول الكاتبة: "أما اليوم فالسعوديين ليسوا مقيدين في تحالفهم مع واشنطن، لكن تركيزهم الرئيسي على هزيمة إيران، التي يحتاجون فيها لمساعدة أمريكية، وهناك تقارير عدة حول التعاون الأمني السعودي الإسرائيلي لمواجهة إيران، التي تعد أولوية استراتيجية أهم من الدفاع الرمزي عن القدس".
وتلاحظ غطاس أن "البيت الأبيض، وفي محاولة منه لتذكير السعودية بالتزام الخط بعد ساعات من إعلان القدس، قام بتوبيخ الرياض وتحميلها مسؤولية الكارثة الإنسانية في اليمن، وأصدرت المملكة بيانا بعد الإعلان عبرت فيه عن (خيبة أملها)، وحذرت من (الآثار الخطيرة) بعد هذه الخطوة اللامسؤولة وغير المبررة".
وتنوه الكاتبة إلى أن روبرت ساتلوف من معهد واشنطن لدراسات الأدنى، الذي قاد وفدا من مركز البحث إلى الرياض، في الوقت الذي أعلن فيه ترامب عن قراره، كشف عن أنه لم يسمع ولا كلمة واحدة عنه من المسؤولين السعوديين، وفقط شكوى قصيرة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتعلق غطاس قائلة: "ربما كان هذا بسبب التزام السعوديين بأدب الضيافة، لكن أدب الزيارة لم يمنع الملك عبد الله من الطلب ذات مرة من مسؤولين أمريكيين أن عليهم (قطع رأس الأفعى) في إشارة لإيران".
وتقول الكاتبة إن "هذا لا يعني أن السعودية والدول الحليفة معها ليست قلقة من تداعيات قرار ترامب، وتحدث الملك سلمان مع االرئيس الأمريكي قبل الإعلان، حيث حذره من تأثير أي خطوة على العملية السلمية، وأنها ستكون هدية لإيران، وكتب مدير المخابرات السابق الأمير تركي الفيصل مرددا تحذيرات الملك، حيث قال إن قرار ترامب (جرأ إيران والجماعات الإرهابية لتدعي أنها المدافعة عن الحقوق الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية والإمبريالية الأمريكية)".
وتبين غطاس أنه "في الوقت ذاته حاولت إيران استخدام قرار ترامب لتحقق نفوذا على حساب منافستها، ورفضت الدول الإسلامية في 13 كانون الأول/ ديسمبر قرار ترامب، وذلك في قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، لكن السعودية لم ترسل إلى المؤتمر إلا وزيرا صغيرا، مع أن الرئيس الإيراني حسن روحاني شارك فيه، إلى جانب زعماء الدول الإسلامية، ولم يترك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف هذه اللفتة، واستغلها في تغريدة قائلا: (لقد شعرت بالفرح للمشاركة عالية المستوى في قمة منظمة التعاون الإسلامي رغم بعض الاستثناءات)".
وتتساءل الكاتبة: "لكن، هل يمكن لإيران أن تحمل راية الدفاع عن القدس نيابة عن المسلمين كلهم بعد دعمها للمليشيات الشيعية في العراق، وتقويتها لنظام بشار الأسد في سوريا، من خلال إرسال قوات الحرس الثوري وحزب الله بثمن مدمر على المدنيين في بلد غالبيته من السنة؟".
وتفيد غطاس بأنه "في الجمعة التي تلت إعلان ترامب، نظم حزب الله تظاهرة حاشدة في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث هتف مؤيدوه الهتافات المعروفة (الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل)، ودعا الأمين العام للحزب حسن نصر الله لانتفاضة جديدة، وناشد حركات المقاومة كلها للوحدة ضد إسرائيل، لكنه لم ينظم ولا تظاهرة منذ ذلك الوقت، في إشارة إلى أن قاعدة الحزب بعد سنوات من الحرب في سوريا أصبحت متعبة ولا يمكن حشدها".
وتذكر المجلة أنه في اليوم التالي لقرار ترامب، التقط فيديو لقيس الخزعلي، وهو أحد قادة المليشيات الشيعية في جنوب لبنان بزيه العسكري بصحبة مقاتلي حزب الله، وهو يشير إلى ميتولا وكريات شمونا، ويقول: "نعلن استعدادنا للوقوف إلى جانب الشعبين اللبناني والفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي".
وتعلق الكاتبة قائلة إن "خطوة كهذه كانت ستحظى بالثناء، إلا أن صورة إيران تضررت في العالم العربي بعد قرار حزب الله التدخل في حرب سوريا ومساعدة نظام ديكتاتوري في قمعه لشعب غالبيته من السنة، وأثر على زعم الحزب بأنه يقود المقاومة ضد إسرائيل، وبعد عامين من الحرب، التي استمرت 34 يوما بين الحزب وإسرائيل، كان حسن نصر الله الشخصية الأشهر في العالم العربي، يتبعه الأسد ورئيس إيران في حينه محمود أحمدي نجاد، الذي جاء في المرتبة الثالثة، وقد انتهت الايام التي حظي فيها قادة الشيعة بشعبية في المجتمعات السنية".
وتختم غطاس مقالها بالقول: "لا يزال التدافع حول القدس مستمرا، ووصفت ذات مرة بأنها (زهرة المدائن) في أغنية غنتها المغنية اللبنانية المشهورة فيروز، ولا تزال الموضوع الوحيد الذي يوحد العالمين العربي والإسلامي، واليوم عندما يتعلق الأمر بالمدينة المقدسة فإن إيران والسعودية عالقتان في المنافسة الجيوسياسية، ويجد الفلسطينيون أنفسهم مرة اخرى وحيدين".