هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عزز إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس- هيئة دستورية مستقلة- تأجيل موعد أول انتخابات بلدية بعد الثورة للمرة الثانية على التوالي مخاوف الأوساط السياسية والشعبية على مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، وضرب استقلالية المؤسسات الدستورية التي تعد من مكاسب الثورة، وسط اتهامات للأحزاب الحاكمة –النهضة والنداء- بممارسة ضغوطات على الهيئة وجعل شفافيتها ومصداقيتها على المحك.
وكانت الهيئة قد حددت موعدا أولا للانتخابات البلدية بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2017 لتؤجله إلى موعد 25 آذار/ مارس 2018 ثم إلى موعد ثان في 6 أيار/ مايو 2018 بطلب من الأحزاب الكبرى.
واتهمت أحزاب في المعارضة الائتلاف الحكومي بممارسة سياسة المماطلة وبإفراغ الهيئة من سلطاتها من خلال استمرار تأجيل أول استحقاق انتخابي بعد الثورة لتركيز سلطة محلية في البلاد في ظل تعثر مسار التنمية المحلية في البلاد وانهيار في البنية التحية إثر حل أغلب المجالس البلدية بعد الثورة.
اتهامات بممارسة ضغوط
النائب عمار عمروسية عن كتلة الجبهة الشعبية، اعتبر في تصريح لـ"عربي21" أن تأجيل موعد الانتخابات البلدية في تونس كان متوقعا، في ظل ما أسماه عدم توفر الشروط الموضعية للانتخابات الشفافة والحرة، وأعاد ذلك للحسابات السياسية الضيقة لحزبي النهضة والنداء.
كما عبر في ذات السياق عن خشيته من تأخير ثالث محتمل لموعد الانتخابات البلدية لما بعد 2019، مشيرا إلى ابتعاد هيئة الانتخابات عن الاستقلالية التي عرفت بها منذ إجراء أول انتخابات رئاسية بعد الثورة في 2014، مما يطرح حسب قوله مخاوف حول مدى نزاهة العملية الانتخابية برمتها، مضيفا: "هناك مفاوضات بين أحزاب الحكم تتم في غرف مغلقة وزد عليها موقف رئيس الجمهورية المشبع بثقافة الحكم الفردي وتصريحاته السلبية حول الهيئات الدستورية المستقلة".
اقرأ أيضا: تأجيل الانتخابات البلدية بتونس مرة أخرى
وكانت أحزاب أخرى معارضة قد عبرت عن رفضها لما أسمته "أسلوب الحكومة ورئيس الجمهورية في تعطيل الانتخابات بعد الامتناع عن نشر رزنامة الانتخابات في الرائد الرسمي –الجريدة الرسمية للبلاد التونسية- " معتبرة ذلك "تدخلا غير قانوني في عمل هيئة الانتخابات." بحسب بيان لحزب البناء المعارض.
و استنكر الحزب ما أسماه بـ"استقواء أحزاب الائتلاف الحاكم من أجل فرض موعد جديد للانتخابات لا يخدم العملية الديمقراطية ويكرس ممارسات تسلطية ترتقي إلى مستوى الاستهداف الممنهج للانتقال الديمقراطي". بحسب ذات البيان.
بدوره استنكر القيادي في حزب التيار الديمقراطي المعارض، محمد عبو في حديثه لـ"عربي21" رغبة بعض الأحزاب في تأجيل الانتخابات، بحجة عدم جاهزيتها، مؤكدا على أن الاستحقاق الانتخابي لا يجب أن يرتبط بمصالح كل حزب على حدا بل بمصالح الدولة، وأضاف:" تغليب المصالح الحزبية الضيقة على المصلحة العامة أمر خطير جدا والمبررات المقدمة من قبل بعض الأحزاب التي طالبت بالتأجيل غير مقنعة".
وعبر في ذات السياق عن مخاوفه مما أسماه بتلاعب رئيس الجمهورية بالموعد الانتخابي واستغلال صلاحياته التي منحها له القانون الانتخابي بدعوة الناخبين للاقتراع قبل ثلاثة أشهر من الموعد الانتخابي واصفا ذلك بالأمر الغير مطمئن خاصة إذا تكرر نفس السيناريو في موعد الانتخابات الرئاسية القادمة 2019.
الرد على الاتهامات
من جانبه، نفى العضو في الهيئة العليا للانتخابات أنيس الجربوعي خضوع الهيئة لأية ضغوطات سياسية سواء أن كانت في الحكم أو في المعارضة.
موضحا في حديثه لـ"عربي21" أن تأجيل موعد الانتخابات البلدية هو فقط تعديل للتاريخ السابق، "وينصب ضمن تقدير الهيئة وتفهمها للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد التونسية ومراعاة منها للأحزاب حتى تستكمل تجهيز قوائمها الانتخابية"، على حد تعبيره.
وشدد الجربوعي على أن الهيئة تلقت ضمانات جدية من رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية بنشر الرزنامة الجديدة للانتخابات مطلع الأسبوع القادم في الرائد الرسمي للبلاد، وبأن رئيس الجمهورية سيقوم مطلع هذا الأسبوع بإصدار الأمر الخاص بدعوة الناخبين للاقتراع.
موقف "النهضة ونداء تونس"
وحول اتهامات الهيئة بالانحياز للأحزاب الحاكمة ومحاباتها في تحديد موعد انتخابي يتناسب مع تطلعات هذه الأحزاب، اعتبر الجربوعي أن الهيئة مخول لها دستوريا إقرار تاريخ الانتخابات دون الرجوع لأي حزب واستدرك بالقول: "لكن لا يمكن إجراء الانتخابات بمعزل عن الحياة السياسية ولابد من وجود توافق وتشارك بين الهيئة والأحزاب في تحديد موعد يتفق عليه الجميع".
بدوره، نفى الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري الاتهامات الموجهة لحزبه بممارسة ضغوطات أو املاءات على هيئة الانتخابات مضيفا لـ"عربي21": "النهضة غير معنية بالتأجيل ولم تطالب به على خلاف أطراف سياسية أخرى وقد حرصنا على إجراء الانتخابات البلدية في موعدها الأول 17 كانون الأول/ ديسمبر 2017 وموعدها الثاني في 25 مارس/آذار 2018 لكن قرار الانتخابات يتطلب إجماع كافة الأطراف المتداخلة في العملية الانتخابية".
وفي نفس السياق أكد القيادي في نداء تونس المنجي الحرباوي، حرص حزبه على عمل الهيئة في مناخ ديمقراطي بعيدا عن كل التجاذبات السياسية مذكرا خلال حديثه لـ "عربي21"، بدعوة حزبه لجلسة استثنائية في البرلمان بهدف التصويت لاستكمال شد الشغورات الحاصلة في هيئة الانتخابات اثر استقالة شملت رئيس الهيئة السابق وعضوين آخرين.
واعتبر أن موعد أول انتخابات بلدية بعد سبع سنوات من الثورة من الضروري أن يحظى بأكبر اتفاق وإجماع وطني بين كافة الأطياف السياسية في البلاد.
الحرباوي أكد على جاهزية حزبه لخوض الانتخابات في أي موعد تحدده الهيئة، مشددا على استجابة حزبه لدعوات أحزاب أخرى في المعارضة طالبت بتأجيل موعد الانتخابات وأضاف بلهجة ساخرة :" أحزاب كالجمهوري والجبهة الشعبية وآفاق تونس تتهمنا بتأجيل موعد الانتخابات وهم ذاتهم من رفضوا موعد 25 آذار/ مارس كتاريخ ثابت لهذا الاستحقاق الانتخابي".