نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا للصحافي آدم لاشر، حول الضجة التي أثارها أستاذ العلوم السياسية في جامعة بورتلاند في أوريغان البروفيسور
بروس غيلي، بسبب نشره مقالا في دورية Third World Quarterly، دافع فيه عن الاستعمار، وقال فيه: "حظي الاستعمار الغربي على مدى المئة سنة الماضية بسوء السمعة.. وقد حان الوقت لتمحيص هذا المعتقد التقليدي".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن البروفيسور قال في مقاله: "لقد كان الاستعمار الغربي، بشكل عام، مفيدا موضوعيا وشرعيا في معظم الأماكن التي وجد فيها.. وكان أداء البلدان التي تبنت الإرث الاستعماري بشكل عام أفضل من أداء تلك التي رفضته".
وأضاف البروفيسور أنه في المقابل "لا يمكن المبالغة في آثار معاداة الاستعمار عالميا على الشؤون المحلية والدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. لقد دمرت معاداة الاستعمار البلدان، في الوقت الذي قام فيه النخبة القوميون بتدمير بلدان بكاملها، بتحريكهم للشعوب غير المتعلمة، وإغرائهم بتدمير اقتصاد السوق والتعددية والأنظمة السياسية الدستورية والعمليات السياسية المنطقية للمستعمرين الأوروبيين.. وفي عصر الاعتذارات على الجرائم، فإن هناك صمتا واضحا تجاه الجرائم التي ارتكبها معادو الاستعمار ضد العالم الثالث".
وتابع غيلي قائلا: "لقد استخدم الديكتاتوريون في العالم الثالث شبح عودة الاستعمار، لإفقاد المعارضة الديمقراطية مصداقيتها".
ويذكر لاشر أن أستاذ الجامعة خلص في مقاله الذي يبرر الاستعمار إلى القول إن "مئة سنة من المأساة تكفي، وحان الوقت لأن ندافع عن الاستعمار ثانية".
وتلفت الصحيفة إلى أن البروفيسور غيلي أصر على أن الأنظمة الاستعمارية بدلا من كونها "فرضت سلطة أجنبية فاقدة للشرعية" كانت تحظى بدعم محلي، وادعى قائلا إن "الحكم الأجنبي كان في الغالب شرعيا؛ لأنه وفر حكما أفضل من البديل المحلي.. وقد انتقل ملايين الناس إلى مناطق قريبة من مراكز الحكم الاستعماري، وأرسلوا أطفالهم لمدارس المستعمرين ومستشفياتهم"، وادعى أن من سهلوا أمور الاستعمار ومن تعاونوا معه كانوا أكثر عددا ممن قاوموه، على الأقل حتى وقت متأخر.
وينوه التقرير إلى أن البروفيسور اقترح في مقاله ثلاث طرق للعودة للاستعمار:
الأولى أن تقلد الحكومات والشعب في الدول النامية إلى أبعد مدى ممكن الحكم الاستعماري الماضي -كما فعلت دولا ناجحة، مثل سنغافورة وبيليز وبوستوانة.
أو أن تشجع الدول الغربية لفرض سيطرتها في جوانب من الحكم، مثل التمويل أو العدالة لبدء عملية إصلاح للدول الضعيفة، وبدلا من الحديث بلغة ملطفة عن سيادة مشتركة، الحديث بصراحة عن استعمار.
ويمكن بناء مستعمرات غربية من البداية، ويقول إن هذا الاستعمار يجب أن يكون برضا الشعوب التي سيتم استعمارها، خاصة أن "الجيل القومي الذي تسبب بالانتهاء المفاجئ للاستعمار.. قد مات، فقد يكون الوقت (لإعادة الاستعمار) مناسبا".
ويفيد الكاتب بأن الغضب من هذا المقال وصل إلى درجة أن استقال 15 عضوا من لجنة تحرير الدورية التي نشرت المقال ثم سحبته، مع أن رئيس التحرير شهيد قدير يصر على أنه تمت استشارتهم بشأن المقال، لافتا إلى أن الكثير من الأكاديميين ردوا على المقال، حيث أشاروا إلى أن البروفيسور غيلي أهمل "كما كبيرا من الأبحاث" التي أظهرت سوء أداء اقتصادي للمستعمرات، والمعاناة التي ألحقت بالشعوب المستعمرة.
وتورد الصحيفة أن محرر مجلة (Current Affairs) ناثان روبينسون، كتب قائلا: "قد تكون أسهل طريقة لفهم سبب كون الاستعمار مروعا هي تخيل أن يحصل في بلدك.. حيث يتم غزوه وهزيمته واحتلاله من قوة خارجية، فيتم تفكيك مؤسسات الحكم، وتستبدل بالحكم الشمولي للمستعمر".
وأضاف روبينسون: "هناك هرمية تفصل المستعمَر (بفتح الميم الثانية) عن المستعمِر.. وتعامل وكأنك أقل من إنسان، ويمكن الاعتداء عليك.. ويرتكب المستعمِر جرائم دون خوف من عقوبة ضد شعبكـ وجهود المقاومة تقابل بانتقامات بشعة وأحيانا مذابح.. وكلما استطعت تخيل هذا المشهد بوضوح أكبر.. يكون رعبك أكثر من فكرة الاستعمار".
وبحسب التقرير، فإنه تم إنشاء عريضة على الشبكة تدعو للاعتذار وسحب المقال من دورية (Third World Quarterly)، وتتهم البروفيسور غيلي بعدم الالتزام بأساليب البحث العلمي، وسوقه حججا "تعج بالازدراء الاستعماري لأصحاب البلاد الأصليين.. وتصل إلى الاستنتاجات العنصرية المتوقعة"، وقعها 6936 شخصا.
وينقل لاشر عن أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة وينبغ البروفيسورة المساعدة جيني هيجون ويلز: "في جونا السياسي الذي نعيشه حاليا يتم تهديد حياة اللاجئين وحلفائهم من مجموعات العنصريين البيض المتطرفين.. وهذا النوع من الأفكار ليس مجرد استفزازات مجردة، لكن تنبني عليه آثار مادية بالنسبة لمن يسعى البروفيسور غيلي السيطرة عليهم والتعامل معهم كأنهم أشياء".
وتذكر الصحيفة أن بعض الحوارات على "فيسبوك" بين الطلاب والأكاديميين ذهبت إلى اقتراح أن تقوم جامعة برنستون بسحب شهادة الدكتوراة من البروفيسور غيلي، وترتيب تظاهرات خارج مكتبه في بورتلاند، لافتة إلى أن رسالة بريد إلكتروني نشرت لاحقا وصف فيها أحد الأكاديميين غيلي بـ"المؤلف العنصري الفاشي"، وأن له سجلا حافلا في نشر "الخطاب العنصري الأبيض في حلة أبحاث أكاديمية".
ويشير التقرير إلى أن الرسالة ذكرت أن مناقشة المقال تعطي الدعاية والأكسجين لغيلي دون إحداث تقدم في المعرفة، وبدا في الرسالة أمل بأن تقوم جامعته بتأديبه، حيث ذكرت أن عددا من الناس أرسلوا رسائل احتجاج ورسائل بريد إلكتروني لجامعته وقسمه، إلا "أنه لا يتوقع أن تقوم الجامعة بشيء من ناحية التأديب".
وينقل الكاتب عن مؤيدي غيلي، قولهم إنه وصله تهديدات، ثم قام الناشر "تيلر أند فرانسيس" بسحب المقال "بناء على طلب رئيس تحرير الدورية وبالاتفاق مع المؤلف"، وقال الناشر: "في الوقت الذي خضع فيه المقال لمراجعة زميل ثنائية الحجب (لا يعرف الزميل الأكاديمي الذي يراجع المقال من هو المؤلف، ولا المؤلف يعرف من هو مراجع المقال)، إلا أنه وصلت تهديدات خطيرة لرئيس تحرير الدورية بالعنف الشخصي، وكوننا الجهة الناشرة، فإن علينا أن نحمل الأمر محمل الجد"، موضحا أنه لحماية فريق المحررين الأكاديميين تم سحب المقال.
وتلفت الصحيفة إلى أن سحب المقال أثار احتجاجا، وهذه المرة من أكاديميين قد لا يتفقون مع ما ورد في المقال، لكنهم عارضوا الطريقة التي تم بها سحب المقال؛ استجابة للتهديدات، وليس بناء على حجج منطقية، حتى أن أحد أعضاء لجنة التحرير استقال من اللجنة بسبب الطريقة التي سحب بها المقال، حيث قال فيجي براشاد، من جامعة "ترينيتي كوليج" إنه كان يجب سحب المقال لأنه لم يكن بمستوى "المقاييس الأكاديمية دقة وتوازنا"، وليس بسبب التهديدات.
ويبين التقرير أن مؤيدي غيلي يربطون سحب المقال بما يسموه إغلاق أفق الحوار في الجامعات؛ بسبب استخدام عصا "الكياسة السياسية".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أنه رغم اعتذار غيلي عن المقال، إلا أن زميلا له قال إنه فعل ذلك تحت ضغط التهديد، وإنه رجع عن اعتذاره، وعاد للحلبة ليدافع عن آرائه.