نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا لمسؤول برنامج الطاقة والخليج في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى سايمون هندرسون، حول إعلان
السعودية السماح للنساء بقيادة السيارات، واصفا القرار بأنه استثنائي من ناحية اجتماعية وسياسية.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى وجود بعد اقتصادي للقرار، حيث يوجد حاليا حوالي مليون رجل أجنبي من جنوب آسيا والفلبين، هم بشكل رئيسي يعملون سائقي سيارات لدى عائلات سعودية، وسيتم الآن الاستغناء عن خدماتهم.
ويلفت الكاتب إلى أن رجل دين سعوديا صرح الأسبوع الماضي، ربما لتوقعه الأخبار، بأن حظر
قيادة السيارة للمرأة يجب أن يبقى ساريا، واحتج بأن النساء لديهن نصف القوة العقلية التي يمتلكها الرجل، وعندما يذهبن للتسوق فإن هذه القوة تتراجع إلى الربع، حيث تسبب ذلك مباشرة باحتجاج كبير، ومنع رجل الدين من الوعظ، مستدركا بأنه غالبا لا يزال يتقاضى راتبا حكوميا.
ويقول هتدرسون إن "المجتمع السعودي يحترم تقليديا كبار السن، ويحترم الوعاظ الإسلاميين، علنيا على الأقل، لكن هذا كله قد يتغير، وقرار رفع الحظر عن قيادة المرأة كان شكليا قرار الملك سلمان، لكن من الواضح أن من يقف خلفه هو ولي العهد
محمد بن سلمان، العبقري البالغ من العمر 32 عاما، الذي يسعى لتحويل اقتصاد المملكة، وخطته (رؤية 2030)، خطة ضخمة أعلن عنها العام الماضي، لإدخال اقتصاد المملكة ومجتمعها القرن الحادي والعشرين، حيث تتوخى خطة قائمة على الصناعة، وترتبط أقل بالنفط".
ويضيف الكاتب أن "نظرة ابن سلمان للعادات الاجتماعية أقل محافظة، حيث سمحت السلطات السعودية للنساء بحضور احتفالات عيد الاستقلال في استاد رياضي هذا الأسبوع، كما تتضمن خطته الاقتصادية تطوير منتجع سياحي على ساحل البحر الأحمر، الذي يشكل جنة لهواة الغوص، وسيتم بناء تلك المرافق بحسب (مقاييس دولية)، وهو مصطلح يفسر على نطاق واسع ليعني بأنه سيسمح ليس فقط للسباحة المختلطة، بل لبس البيكيني وربما توفير الكحول".
ويبين هندرسون أن "كلمة (التغيير) تستخدم بحذر في السعودية، فكان يتم وصف أي تقدم بكلمة (إصلاح)، لكن السماح للنساء بالقيادة يكسر هذا القالب، ويطرح السؤال ما إذا كانت السياسة الجديدة ستنجح".
ويؤكد الكاتب أن "حظر القيادة لم يكن مطبقا مئة بالمئة، ففي المناطق النائية قامت نساء القبائل بالقيادة لعقود لرعاية الحيوانات، والقيام بمهام المزارع المختلفة، أما في المدينة فيسمح بالقيادة داخل المجمعات السكنية للأجانب، حيث لا يسمح للشرطة السعودية ولا الشرطة الدينية بدخولها، بالإضافة إلى أن شركة (أرامكو) تسمح للنساء بالقيادة في البلدات الخاصة بها، التي بنيت على الطراز الأمريكي منذ أن ملكتها شركات النفط الأمريكية".
ويقول هندرسون: "قد ينسب الفضل في هذا القرار إلى ولي العهد محمد بن سلمان، لكن الأرضية كانت ممهدة، وكانت
السعوديات الجريئات يخاطرن بأن يعتقلن ويقمن باحتجاجات جماعية منظمة منذ التسعينيات على الأقل، وفي عام 2005 كانت قضية حية عندما قابلت باربرا وولترز الملك عبدالله وسألته عن الموضوع، فأجابها: (أعتقد أنه مع الوقت سيكون ممكنا، وأعتقد أن الصبر فضيلة)، وكان المانع في وقتها وزير داخليته الأمير نايف، الذي ادعى أن اليهود ارتكبوا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.. في الوقت الذي عرف فيه عن الأميرة عديلة بنت الملك عبدالله بأنها كانت تدعم السماح للنساء بقيادة السيارات".
ويضيف الكاتب: "السؤال الآن هو إن كانت العائلة المالكة ستفي بقرارها، وستكون هناك عدة أشهر قبل أن يسمح للنساء بالقيادة بشكل قانوني، وعليهن التقديم للحصول على رخص قيادة، والقيام بعدها بتلقي دروس في القيادة، وربما هناك حاجة لشرطة سير نسوية أيضا، أما التفاصيل الأخرى فبحاجة للإجابة عليها، مثل: هل تحتاج المرأة لموافقة ولي أمرها للحصول على رخصة؟ (قال السفير السعودي في واشنطن الأمير خالد بن سلمان أمس إنهن لا يحتجن لذلك)، هل سيسمح للمرأة بأن تقود السيارة ويكون معها في السيارة ذاتها ذكر غير قريب؟ هل سيكون لدى النساء الاستعداد للانتظار؟".
ويجد هندرسون أنه "في السياق الاجتماعي السياسي، فإن هذا الإجراء يقلل من نفوذ رجال الدين المحافظين، الذين لهم مكانة مؤسساتية، لكنها أصبحت مهددة، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى تآكل البناء الاجتماعي التقليدي، حيث القيادة في العائلة تعود لكبار السن، وتحدي النساء لسلطة الأب أو الجد في البيت مسألة خطيرة، لكن الأخطر منها أن ينظر إلى هذا الشخص أنه يفتقد الاحترام الكامل لأفراد عائلته في العلن".
ويرى الكاتب أن "أسلوب محمد بن سلمان في القيادة يقوم على مزيج من الطاقة والصراحة والتوقد، والجرأة لدرجة أنه خطير، فكونه وزير دفاع جديدا عام 2015 كان مهندس الحرب في اليمن، وبعد ذلك بأشهر، بعد أن تم ترفيعه لنائب ولي العهد، أعلن عن رؤية السعودية 2030، وغيّر من الأهداف قصيرة الأمد في خطة التحويل الوطنية، وشهد هذا الصيف الخلاف الدبلوماسي مع قطر، عندما وصلت المملكة وحليفتها الإمارات إلى مرحلة الغضب من فردية الدبلوماسية في الجارة قطر".
ويستدرك هندرسون بأنه "مع ذلك، فاليمن الآن أصبحت مستنقعا، ويتم تعديل خطة التحول الوطنية، بعد أن تبين أن أهدافها كانت طموحة جدا، ووصلت الأزمة مع قطر إلى طريق مسدود، وفي ظل مثل هذه الظروف ما هي فرص أن تسير مبادرة السماح للنساء بقيادة السيارات بشكل سلس؟".
ويقول الكاتب: "كان يمكن وصف السعودية في مرحلة ما بأنها تحالف بين آل سعود والمؤسسة الدينية الوهابية، ويعود تحالفهما لعام 1745، عندما تحالف الزعيم القبلي محمد بن سعود مع الواعظ محمد بن عبد الوهاب، وقرر أن يجمع الشجاعة القتالية مع الحماسة الدينية لغزو وتطهير الجزيرة العربية، وتضاءل نفوذ رجال الدين على مدى السنوات، لكن العائلة المالكة السعودية لا تزال تعرف أن مكانتها، بصفتها راعية للمقدسات في مكة والمدينة، أهم بكثير من قيادة العالم العربي، أو أن تكون مصدرا رئيسيا للنفط، ولذلك فهم يبذلون جهدا ضخما لإنجاح الحج كل عام عندما يتوافد ملايين المسلمين إلى المملكة لأداء فريضة الحج".
وينوه هندرسون إلى أن "رجال الدين الخارجين عن الدائرة تعلموا أنهم ليسوا محصنين من العقوبات الرسمية، عندما تم اعتقال عدد منهم في وقت سابق من هذا الشهر؛ لعدم إبداء التأييد للسياسات المعادية لقطر، وكانت المؤسسة الدينية مترددة في إبداء أي انتقاد للملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، وربما تنتظر أزمة سياسية أو إخفاقا لتتمكن من القول: (لقد قلنا لكم ذلك)".
ويخلص الكاتب إلى القول: "قد يبدو حق المرأة في قيادة السيارة تافها لبقية العالم، لكن بالنسبة للسعودية فإن إحداث تغيير اقتصادي عندما تكون أسعار النفط متدنية، بالإضافة إلى المشكلات الدبلوماسية في اليمن وقطر، قد يقود إلى تحول وطني، أو قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير".