نشر موقع "ديلي بيست" مقالا للطبيبة قانتا أحمد، التي عملت سابقا طبيبة جراحة في
السعودية، تصف فيه شعورها لدى سماعها الأخبار بسماح الملك سلمان أخيرا للنساء بقيادة السيارة، وكيف عادت بها الذكريات إلى الفترة التي قضتها تعمل في السعودية، وكيف تأثرت حياتها وحياة
النساء الأخريات بسبب منعهن من
قيادة السيارات.
وتقول الكاتبة إنها سمعت الخبر في الوقت الذي كانت تقود فيه سيارتها في ساعة الذروة المسائية في نيويورك، وتضيف: "أحسست بالدموع تملأ عينيّ، وسمعت ناشطة سعودية تتحدث لإذاعة (بي بي سي)، لم أكد أتبين كثيرا مما قالت، لكنها كانت فرحة جدا، وقالت إنها ستقود سيارتها المفضلة، وهي (فورد موستانغ) بسقف متحرك".
وتتابع أحمد في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلة إن السعودية كانت إلى الآن هي الدولة الوحيدة التي تمنع النساء من القيادة، وإنه عندما انتقلت لممارسة الطب في السعودية، وتركت سيارتها في لونغ آيلاند، كانت تعلم أنها تودع حرية الحركة التي كانت تتمتع بها، لكنها لم تعرف مدى أثر ذلك على بنات جنسها إلا عندما وصلت السعودية بعد 24 ساعة.
وتشير الكاتبة إلى أنه كانت في انتظارها سيارة مظللة النوافذ، حملها فيها السائق حمزة المكلف باستقبالها، الذي لم يتحدث معها وأوصلها إلى مجمع السكن، حيث ستعيش فترة عملها في مستشفى الحرس الوطني السعودي، لافتة إلى أنها منذ ذلك الوقت كانت ممنوعة بموجب القانون من قيادة السيارة.
وتقول الطبيبة: "قضيت عامين أنتظر سائقا ليأخذني هنا أو هناك، في درجات حرارة تصل إلى 120 درجة فهرنهايت، حيث يندفع الهواء الحار من أكمام عباءتي السوداء، وكأنه هواء ساخن من مجفف الشعر، وأشعر أنه كوى أنفي عندما أستنشقه، ولأنني لم أعتد على انتظار أي شخص كانت تلك التجربة اختبارا صعبا لي، ولم أنجح دائما".
وتضيف الكاتبة: "كان من الصعب تنسيق الحياة الاجتماعية دون معرفة وقت وصول السائق، ومتى يجب أن أكون جاهزة وأغادر، وكان التنسيق مع صديقاتي صعبا، بالرغم من وجود عدة سيارات وعدة سائقين كانت تشترك العائلات فيها، وكان هناك في العادة تأخير وخيبة أمل بالرغم من حجم الترتيبات، وهذا جزء من واقع الحياة في السعودية، وكنا نساء أوفر حظا؛ لأننا ميسورات الحال ولدينا سيارات وسائقون، وهذا يعني أن النساء الأسوأ حالا يبقين سجينات البيوت، حيث لم تكن حتى خدمات سيارات الأجرة قد تطورت بعد".
وتتابع أحمد قائلة: "أول كلمة عربية تعلمتها كانت (على طول)، لتوجيه السائق، والكلمة الثانية كانت (شوية) لأطلب من السائق تخفيف السرعة، وهي ما كنت أعيدها كثيرا حتى وجدت سائقا مصريا مسيحيا اسمه زكريا كان يلتزم بالسرعة المحددة (40 ميلا في الساعة)، في الوقت الذي يقود بقية الناس بسرعة 80 أو 100 ميل في الساعة".
وتصفت الطبيبة عملها، قائلة: "أما في العمل فكنت أجري عمليات على الكثير من ضحايا حوادث السير، ووقعت شهادات وفاة الكثير أيضا، وكانت التجربة بعدم تمكني من القيادة ورؤية آثارها في وحدة العناية المركزة تكفي لأن أغير شعوري تجاه القيادة طيلة حياتي".
وتتحدث الكاتبة عن التحرشات قائلة: "في بعض الليالي في الوقت الذي كنا فيه ننتظر السائقين بعد تناول طعام العشاء في ناطحة السحاب (الفيصلية)، التي لم تكن قد اكتملت بعد، كنا نقع ضحية غمزات الشباب السعوديين، الذين يعانون زيادة في هرمون تستوستيرون المكبوت، وكانوا يحومون حولنا في سيارات (لامبورغيني) و(فيراري تيستا روزا)، وبالإضافة إلى ذلك كان المطوعون يوبخوننا لإظهارنا مفاتننا (لأننا كنا نكشف وجوهنا) وينصحوننا بتغطية وجوهنا، وكنا نشعر بأننا محاصرات من المطوعين من جهة، والشباب الذين يحاولون مغازلتنا من جهة، في انتظار السائق المحترم".
وتقول الطبيبة: "كانت هناك أيضا الأحاديث الغريبة في الوقت الذي كنت أحلم فيه بالعودة إلى سيارتي الفاخرة، وجلسنا في سيارة تشبه سيارة أجرة في جنوب أفريقيا وتسمى ظلما (ليموزين)، وكانت صديقاتي السعوديات، وهن فتيات ثريات ومتعلمات، يناقشن ميزات شراء سيارة (المرسيدس) من المصنع في ألمانيا، وهذا هو طقس العبور للطبقة المتوسطة في السعودية، وفي يوم من الأيام بدأت صديقتي تتحدث عن ميزة السيارات التي تزيد فيها المسافة بين العجلات، فقلت لنفسي ومن يهمه ما هي المسافة بين العجلات، لكنها شرحت لي بأنه عندما تزيد المسافة يكون لديك حيز أفضل لمن يجلس في الكرسي الخلفي، ولذلك فإنه في الوقت الذي كنت فيه عندما أريد شراء سيارة أجلس في مقعد القيادة وأجربها كانت صديقاتي السعوديات عند فحص سيارة للشراء يذهبن ويجلسن في المقعد الخلفي ويقمن بمقارنة المسافة بين العجلات".
وتضيف الكاتبة: "نعم هذا هو الجنون الذي وصلنا إليه بسبب منعنا من القيادة، ومع أنه مر 16 عاما على حرماني من القيادة، إلا أنني اليوم ولدى سماع الأخبار كنت فرحة جدا لأجل النساء والفتيات في السعودية، ففتيات صديقات لن يعرفن شعور المنع من القيادة، ولا الحرمان من الاستقلالية كأمهاتهن".
وتجد الطبيبة أن "الرجال السعوديين سيستفيدون أيضا من هذا القرار، حيث من لم يستطع منهم توفير سيارة وسائق للنساء يضطر هو للقيام بذلك، وستستفيد النساء الوافدات أيضا، وهذا يقرب النساء من اعتراف الحكومة بمساواتهن بالرجال، كما أراد الإسلام أصلا، فكانت السيدة خديجة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم تاجرة ثرية، وكانت تتصرف بثروتها، وهي من عرضت الزواج، وكانت تملك قوافل الجمال وكانت تسافر، فكانت النساء المسلمات منذ بداية الإسلام مستقلات في الذمة المالية، وحرات في حركتهن وقراراتهن، وستلتحق السعوديات أخيرا بصفوف تلك النساء".
وتختم الطبيبة مقالها بالقول: "ستكون هناك تعديلات كبيرة طبعا، حيث سيخسر آلاف السائقين، وهم في العادة من مصر وباكستان، مصدر رزقهم، بالإضافة إلى أن شركات تصنيع السيارات كانت تدرك أن 40% من الثروة هي في يد النساء، بناء على إحصائيات عام 2011، وكانت تحاول كسب الزبائن من النساء، لكن الآن سيكون هناك تغير في السوق".