بعدما صوت
الأكراد، الاثنين، في استفتاء على استقلال إقليم
كردستان، واجه رئيس الوزراء
العراقي حيدر العبادي دعوات لاتخاذ إجراءات، منها فرض حصار اقتصادي، والقيام بتحرك عسكري، لكن الأمر سيتطلب منه التحلي بالحذر.
ويسعى العبادي لتوحيد العراق منذ توليه السلطة، ويركز في الأساس على العداءات الطائفية بين الشيعة والسنة، التي أثارت حربا أهلية، وعلى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على ثلث البلاد قبل هزيمته.
وعلى مدار سنوات، عانت الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد والمنطقة الكردية في الشمال لحل خلافات بشأن النفط وغيرها من القضايا الحساسة.
لكن استفتاء الاثنين، الذي سيقود على الأرجح لقيام دولة كانت حلما لأجيال متعاقبة من الأكراد، أثار التوتر، وشكل أحد أكبر التحديات أمام العبادي، مع سعيه لحفظ وحدة العراق.
واستبعدت الحكومة العراقية الثلاثاء الدخول في محادثات بشأن انفصال محتمل للمناطق الخاضعة للأكراد في شمال البلاد، بعد توقعات لمحطة تلفزيونية كردية بوصول التأييد للانفصال في الاستفتاء إلى أكثر من 90 في المئة.
وتعارض الجارتان
تركيا وإيران الاستقلال بشدة، وتقولان إنه سيفجر فوضى إقليمية، وتخشيان أيضا من أن يشجع الأقلية الكردية بالبلدين للضغط من أجل الحصول على حق تقرير المصير.
والآن يضغط الشيعة الذين ينتمي إليهم العبادي والسنة أيضا على رئيس الوزراء لاتخاذ إجراء حازم.
وقد تكون مناطق متنازع عليها، مثل كركوك المنتجة للنفط، نقطة الاشتعال في اندلاع اضطرابات على نطاق واسع.
وقال محمد تميم، وهو مشرع سني من كركوك: "الأكراد تمادوا كثيرا، وعلى الحكومة أن تظهر لهم موقفا أكثر صلابة. القوات الحكومية يجب أن تقوم بحفظ السلم في كركوك وكل المناطق التي يحاول الأكراد السيطرة عليها بالقوة".
وأضاف قائلا: "البرلمان فوض العبادي لحفظ وحدة العراق، وهذا التفويض يخوله إرسال قوات".
* قوات الحكومة
تعبئة قوات الحكومة العراقية ليست بالأمر الهين؛ فقد قضى الجيش سنوات يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، وتسببت المعركة الأخيرة لطرد التنظيم من الموصل في إنهاك الكثير من تشكيلاته.
ويشارك الجنود العراقيون الجاهزون للقتال في عمليات ضد الدولة الإسلامية غربي كركوك وقرب الحدود مع سوريا.
وسيكون الخيار الآخر هو اللجوء إلى الفصائل المسلحة المدعومة من إيران. وقد هدد بعضها بالفعل مثل جماعة عصائب الحق بالزحف إلى كركوك.
وقال هاشم الموسوي المتحدث باسم جماعة النجباء الشيعية: "العبادي كقائد عام للقوات المسلحة يجب عليه إعادة توجيه إبرة بوصلة الحرب باتجاه كركوك".
ويتبع الحركة نحو عشرة آلاف مقاتل يدينون بالولاء لإيران.
وأضاف الموسوي: "نحن مستعدون تماما للاستجابة لأوامر العبادي لتحرير كركوك وحقول النفط من سيطرة المليشيات الانفصالية قبل فوات الأوان. سوف نقاتل من أجل حفظ هيبة الدولة".
ورغم أن استخدام هذه الجماعات المسلحة ضد الأكراد قد يعفي الجيش من خوض معارك ضد مواطنين عراقيين، فإنه ينطوي على مخاطر للعبادي.
وتفاقمت التوترات بالفعل بين مقاتلي البشمركة الأكراد والفصائل المسلحة الشيعية، رغم تعاون الطرفين في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
والآن، وبعد طرد الدولة الإسلامية من مناطق استراتيجية، فإن المعارك العرقية والطائفية على الأرض والنفوذ قد تعقد المساعي لخلق تناغم بين الطوائف والأعراق المختلفة في العراق.
وإذا وقعت اشتباكات بين الفصائل الشيعية والأكراد، فإن هذا قد يعني حربا شاملة بين اثنتين من أفضل القوات المقاتلة في العراق، وهو حليف للولايات المتحدة، تعثر اقتصاده بسبب الصراع.
وقال فهال علي، وهو متحدث باسم مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان، إن الأكراد لن يتخذوا خطوات أخرى نحو الاستقلال دون إجراء مفاوضات سلمية مع حكومة بغداد.
لكنه أضاف أن صبر الأكراد له حدود.
وقال: "إذا تعرضنا لهجوم، فسندافع عن أنفسنا. لم نخالف أي قوانين. الشعب الكردي حصل على فرصة للتصويت، فقام بذلك".
*السيطرة على المطارات
نقل التلفزيون الرسمي العراقي عن العبادي قوله إن حكومة بغداد أمهلت حكومة إقليم كردستان حتى الساعة الثالثة مساء (1200 بتوقيت جرينتش) من يوم الجمعة، لتسليم السيطرة على مطاراته لتفادي حظر جوي دولي.
وطلبت بغداد قبل عدة أيام من الدول الأجنبية وقف الرحلات المباشرة إلى مطاري أربيل والسليمانية الدوليين داخل الإقليم، لكن لم تستجب لهذا النداء سوى إيران التي علقت الرحلات المباشرة إلى الإقليم.
ودعا مشرعون العبادي إلى فرض ضغط اقتصادي على الأكراد، الذين عانوا لعقود تحت حكم صدام حسين، ثم بدأوا يقيمون منطقتهم للحكم الذاتي في الشمال بعد سقوطه.
ومن الاحتمالات المطروحة فرض حصار على المناطق الكردية، وهو أمر قال فاهال علي إنه سيضر بحكومة بغداد.
وقال المشرع الشيعي عمار طعمة: "على الحكومة أن تتخذ خطوات رادعة لمنع القادة الأكراد من التمادي".
ودعا لإغلاق المداخل والمخارج والسيطرة على المعابر الحدودية وملاحقة الإيرادات التي يحصل عليها زعماء الأكراد من مبيعات النفط غير المشروعة، وأخيرا نشر القوات العراقية في المناطق التي يحاول الأكراد السيطرة عليها بالقوة.
وأثارت مبيعات النفط الكردية دون موافقة الحكومة غضب القادة العراقيين.
لكن خنق الأكراد اقتصاديا قد لا يحقق سوى نجاح محدود بالنسبة لبغداد إذا واصلت تركيا التعامل التجاري مع الشمال. ولطالما كانت تركيا الرابط الرئيسي بين شمال العراق والعالم الخارجي، ويصدر إقليم كردستان مئات الآلاف من براميل النفط يوميا لأسواق العالم عبر تركيا.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن أكراد العراق سيتضورون جوعا إذا أوقفت بلاده تدفق البضائع والنفط عبر الحدود مع شمال العراق.
ورغم أن تركيا ترى الاستفتاء أمرا خطيرا على أمنها القومي، فإنها تتمتع بعلاقات طيبة مع حكومة برزاني. وكان العراق ومن بينه الإقليم الكردي ثالث أكبر سوق للصادرات التركية في 2016.
وهدد أردوغان مرارا بفرض عقوبات اقتصادية على الأكراد ردا على الاستفتاء، لكنه لم يذكر حتى الآن أي تفاصيل محددة.