قال أحد مراكز الدراسات والأبحاث الرائدة في الغرب يوم الأربعاء بأن
مجلس التعاون الخليجي بدأ في تمزيق ذاته وقد ينتهي ويتلاشى تماماً بسبب الشقاق الحاصل بين المملكة العربية
السعودية وحلفائها من جهة ودولة
قطر من جهة أخرى.
يتحدث التقرير الاستراتيجي السنوي الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يتخذ من لندن مقراً له عن السيناريوهات المتوقعة في الأيام المقبلة، بما في ذلك ما أطلق عليه "قيكسيت" أي احتمال خروج قطر من التكتل الذي يجمع الدول الخليجية الست وانهيار ما وصفه التقرير بأنه "المؤسسة الإقليمية الوحيدة التي كانت منذ ظهورها تتسم بالاستقرار".
ويتوقع التقرير الذي نشره موقع "
ميدل إيست آي" وترجمته "
عربي21" دخول إسرائيل في وقت قريب "في صراع مع القوى التي تعمل بالوكالة عن إيران وربما مع إيران نفسها على امتداد حدود إسرائيل مع كل من سوريا ولبنان".
ويتحدث التقرير بثقة أكبر عن تنامي النفوذ الإيراني في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وعن تعاظم قوة حزب الله وغيره من مجموعات المليشيات الشيعية، وكذلك عن تنامي دور موسكو في المنطقة.
ويقول إيميل حوكاييم، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد، إن الغياب شبه التام للولايات المتحدة عن ما يجري من حراك في الشرق الأوسط "جعل الأعين كلها تتوجه نحو روسيا".
إلا أن أهم ما يتطرق إليه التقرير هو الغموض الشديد الذي يكتنف مستقبل مجلس التعاون الخليجي، الذي بات مصيره مصدر قلق للأقطار الغربية الذي ترتبط بالمنطقة بعلاقات استراتيجية واقتصادية بالغة الأهمية.
ويقول التقرير: "لقد بدأ مجلس التعاون الخليجي في تمزيق ذاته، من خلال تقديم كل من المملكة العربية السعودية ودولة
الإمارات العربية المتحدة والبحرين قائمة بالمطالب إلى قطر وترافق ذلك مع إقدام هذه الدول على إغلاق حدودها مع قطر وقطع جميع علاقاتها بها".
وكانت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين قد قطعت علاقاتها مع قطر في شهر يونيو/ حزيران، متهمة تلك الدولة شبه الجزيرة الصغيرة برعاية المنظمات الإرهابية ومطالبة إياها بتقليص علاقاتها مع إيران.
في المقابل، سارعت
الكويت –وهي أيضاً عضو في هذا التكتل الخليجي– إلى لعب دور الوسيط سعياً منها لحل الأزمة، بينما حافظت سلطنة عمان –العضو السادس في التكتل– على علاقاتها مع الدوحة.
ويمضي التقرير ليقول: "لم تدخل مفردة قيكسيت – والتي يقصد منها احتمال أن تغادر دولة قطر مجلس التعاون الخليجي – القاموس السياسي بعد كتعبير جديد، إلا أن كثيراً من الشخصيات المتنفذة باتت تناقش هذا الاحتمال بشكل علني".
ويتنبأ التقرير بأن تسعى الدول المتذمرة إلى انتزاع موافقة من الدوحة على "انتهاج الاعتدال" في سياساتها، وبشكل خاص في ما يتعلق بالخط التحريري الذي تنتهجه قناة الجزيرة الناطقة باللغة العربية.
تحالفات جديدة
ولقد أشار جون تشيبمان، المدير العام للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة ما فتئت تطرح علانية موضوع مغادرة قطر لمجلس التعاون الخليجي وتطالب بتشكيل مجموعة جديدة من التحالفات. وقال: "قد يكون الضرر الذي سيلحق بمجلس التعاون الخليجي دائماً وممهداً لتلاشيه تماماً".
ولاحظ التقرير أن المنظمات الإقليمية التي طالما حصلت على الدعم والمساندة من الأعضاء الأقوى في المجلس ومن المملكة العربية السعودية "قد تخلص إلى اعتبار أن اللجوء إلى تدمير مجلس التعاون الخليجي ليس بالأسلوب الحكيم من الناحية الاستراتيجية".
وهذا هو بالضبط الرأي الذي تتبناه كل من واشنطن ولندن، وكلا العاصمتين يساورهما القلق إزاء ما يجري. فلقد أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رأيه بوضوح كاف حين وصف إيران بالدولة المارقة وبالدكتاتورية الفاسدة، وذلك في خطابه الذي ألقاه يوم الثلاثاء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، معرباً عن تأييده ومساندته للمملكة العربية السعودية باعتبارها السد المنيع في مواجهة طهران.
وتشكل المملكة العربية السعودية سوق السلاح الأكثر ربحاً بالنسبة للمملكة المتحدة. إلا أن لندن ترغب في تطوير علاقات دفاعية أقوى وروابط أمنية وطيدة تتضمن مبيعات للسلاح مع بلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بما فيها قطر.
وكانت المملكة المتحدة قد وقعت قبل ثلاثة أعوام ميثاقاً مع قطر لمكافحة المجموعات المتطرفة (وهي الجماعات نفسها التي تتهم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى قطر بمساندتها) ومواجهة الهجمات التي تتم عبر الإنترنت.
ولقد مهدت تلك الاتفاقية السبيل أمام تعاون وثيق في القيام بعمليات استخباراتية بين الطرفين بمشاركة المقر الرئيسي للاتصالات الحكومية البريطانية، وهي وكالة استخباراتية وأمنية حكومية بالغة السرية تناط بها مهمة التنصت الإلكتروني ومكافحة جرائم الإنترنت.
في حينه، صرح مصدر في وزارة الداخلية البريطانية لصحيفة الفايننشال تايمز بأن الاتفاقية "من شأنها أن تعمق العلاقة الأمنية المهمة بين بلدينا".
وتشبه هذه الصفقة، التي قالت الفايننشال تايمز إن قطر هي التي ستتحمل تكاليفها، تلك الاتفاقية الأمنية والاستخباراتية المبرمة بين بريطانيا وشريكتها المقربة منها داخل مجلس التعاون الخليجي، سلطنة عمان.
وكان وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون قد وقع في وقت مبكر من هذا الشهر مع نظيره القطري خالد بن محمد العطية اتفاقية جديدة بين بريطانيا وقطر، هي بمثابة "إعلان نوايا"، تقول المملكة المتحدة إنه بشر بإبرام أول عقد كبير لمشتريات السلاح بين الطرفين.
والنية هي أن تشتري قطر 24 طائرة هجومية من نوع تايفون، تمكنت المملكة المتحدة حتى الآن من إقناع كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والكويت بشرائها. وحينها قال فالون إن الصفقة مع قطر ستوفر "فرصة لتعزيز أمن جميع الشركاء في مجلس التعاون الخليجي".
روسيا بوصفها "لاعبا عسكريا حاسما"
وترغب بريطانيا في استعادة دورها السياسي والاقتصادي القديم في منطقة الخليج في وقت تسوده الأزمات وتعصف به التحالفات المتقلبة والمتغيرة. في الماضي ظهر في المنطقة لاعب أكبر، هو الولايات المتحدة الأمريكية، والآن برز على الساحة لاعب كبير آخر.
ويؤكد تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن روسيا نجحت في "تمكين نفسها في موضع اللاعب العسكري الحاسم وكقطب بديل يمكن أن تلجأ إليه البلدان التي تسعى لإحداث توازن في علاقاتها مع واشنطن".
ويضيف التقرير أنه على الرغم من أن روسيا تسعى لتحقيق أهداف تتعارض مع مصالح دول مجلس التعاون الخليجي في سوريا إلا أنها تحتفظ بعلاقات قوية مع دولة الإمارات العربية المتحدة "انطلاقاً من انسجام الرؤية بين البلدين حول مصر وحركات الإسلامي السياسي وغير ذلك من القضايا، بالإضافة إلى العلاقة الشخصية الطيبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم الإمارات المنتظر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان".
في هذه الأثناء، برزت مصر "كشريك مفضل لروسيا" وتوسعت الشراكة الروسية الإيرانية، لدرجة أن خبراء المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يتوقعون البقاء في الحكم لحليف روسيا بشار الأسد على الرغم من أن سوريا التي يترأسها قد لا تعرف أوضاعها الاستقرار في أي وقت في المستقبل القريب.
أحد هؤلاء الخبراء هو نايجيل إنكستار، الذي كان يشغل في السابق منصب مدير وكالة المخابرات الخارجية في بريطانيا. ويقدم إنكستار بعض الملاحظات المثيرة للاهتمام في ما يتعلق بمستقبل الجماعات المتشددة في الوقت الذي ينحسر فيه تنظيم الدولة ويفقد كثيراً من مواقعه في شمال العراق وسوريا.
وتحدث إنكستار عن "نمط مختلف من الإرهاب"، موضحاً أن القاعدة يمكن أن توصف بأنها النموذج رقم 1، حيث يدار التنظيم مركزياً من خلال بنية للأمر والسيطرة، ولكن "يسهل نسبياً" رصده من قبل وكالات الاستخبارات.
ومع ظهور تنظيم الدولة جاء "الإرهاب رقم 2" الذي يستخدم سردية قابلة للبقاء والاستمرار والتطور وربط نفسه بمختلف التظلمات، بما في ذلك نكبة مسلمي الروهينغا في ميانمار.
ولكن بينما يتراجع تنظيم الدولة ويفقد المناطق التي كان يسيطر يوماً عليها في العراق وفي سوريا، وبينما ينتظر تنظيم القاعدة في حالة من التربص، يرى إنكستار أنه قد يبرز في قابل الأيام تهديد "أكثر توحشاً وشراسة" مما كان عليه تنظيم الدولة.
يقول إنكستار: "والسؤال المطروح هو ما إذا كان تنظيم القاعدة قادراً على إعادة فرض نفسه كزعيم للجهاد العالمي وكيف يمكن أن يحقق ذلك. ولا ينبغي اعتبار ذلك أمراً حتمياً. فقد يحدث أن تبقى القاعدة على حالها، باردة هادئة ومهمشة. وحينها سنرى شيئاً آخر، شيئاً أشد تطرفاً وأكثر توحشاً حتى من تنظيم الدولة عندما كان في أوج عنفوانه".
التقرير كاملا من
هنا