سافر رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الأحد الماضي، إلى الولايات المتحدة للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة بمدينة نيويورك. ومن المقرر أن تستمر زيارة أردوغان هذه حتى الثاني والعشرين من الشهر الجاري.
كانت هناك تكهنات قبل سفر أردوغان إلى نيويورك تقول إن رئيس الجمهورية التركي لن يشارك هذه السنة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بل سيوفد إلى نيويورك رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، كما قيل إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يعطي أردوغان موعدا للقاء، بسبب التوتر الذي يشوب علاقات أنقرة مع واشنطن، بالإضافة إلى إصدار السلطات الأمريكية مذكرات اعتقال في حق 12 من عناصر المرافقة الأمنية للرئيس التركي واتهام الادعاء الفيدرالي في نيويورك وزير الاقتصاد التركي السابق ظفر تشاغلايان بالتآمر لخرق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
زيارة رئيس الجمهورية التركي للولايات المتحدة أثبتت أن تلك التكهنات والتوقعات التي أسالت لعاب أعداء أردوغان كانت خاطئة. ولم يوفد أردوغان إلى نيويورك، بل ذهب إليها ومعه زوجته أمينة أردوغان وعدد من الوزراء والمسؤولين الكبار، واستقبله هناك أبناء الجالية التركية بحفاوة، وعقد لقاءات عديدة، كما شارك في مراسم وضع حجر الأساس لمبنى "البيت التركي" في نيويورك، وجدد فيها دعوته إلى إجراء إصلاحات في بنية الأمم المتحدة، وقال: "ظروف العالم تغيرت عن الظروف التي تأسست فيها الأمم المتحدة، وولت فترة الحرب العالمية الثانية، ونواجه الآن تحديات جديدة، ولذلك يجب إجراء إصلاحات في بنية الأمم المتحدة بشكل يتلاءم مع التطورات الجديدة".
أردوغان، في كلمته التي ألقاها، الاثنين، أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، دعا إلى إعادة هيكلة مجلس الأمن تحت شعار "العالم أكبر من خمسة" في إشارة إلى الدول الخمس التي تملك حق الفيتو في مجلس الأمن، ولفت إلى ضرورة التضامن مع مسلمي أراكان الذين يتعرضون لمجازر جماعية في ميانمار، كما تطرق إلى عناوين أخرى متعلقة بقضايا المنطقة وأزمات العالم، وانتقد موقف المجتمع الدولي من تلك الأزمات، متهما إياه بعدم تحمل مسؤوليته في إنهاء المعاناة والمآسي، وأشار إلى المساعدات الإنسانية التي تقدمها تركيا إلى الفقراء والمحتاجين حول العالم.
بخلاف توقعات بعض المعارضين لأردوغان، تم تحديد موعد للقاء يجمع رئيس الجمهورية التركي والرئيس الأمريكي في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ومن المقرر أن يلتقي أردوغان وترامب مساء الخميس لبحث ملفات عديدة، أولها الملف السوري ودعم الولايات المتحدة لمليشيات وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. ومما لا شك في أن الخلاف الأكبر بين أنقرة وواشنطن هو الدعم الأمريكي للمنظمة الإرهابية التي تهدد أمن تركيا ووحدة أراضيها.
ومن الملفات التي سيتم طرحها على طاولة المباحثات بين الرئيسين التركي والأمريكي ملف تسليم فتح الله كولن، زعيم الكيان الموازي الإرهابي المقيم في ولاية بنسلفانيا. وعلى الرغم من مطالبة تركيا رسميا بتسليم كولن لمحاكمته، وتقديم أنقرة كافة الأدلة إلى واشنطن حول تورط كولن في محاولة الانقلاب الفاشلة وجرائم أخرى ارتكبها الكيان الموازي، إلا أن واشنطن ما زالت تصر على عدم تسليم زعيم الكيان الموازي إلى تركيا، بل وتسمح لكولن باستهداف تركيا من خلال أوامره التي يرسلها إلى خلايا تنظيمه من مزرعته بكل حرية.
تركيا ترغب في استمرار التواصل مع الإدارة الأمريكية، كي لا تقطع شعرة معاوية، على الرغم من الخلافات العميقة التي تعصف بعلاقات البلدين في الآونة الأخيرة، إلا أنها في الوقت نفسه لن تتخلى عن سياساتها في حفظ أمنها واستقرارها ومصالحها العليا لعيون الولايات المتحدة، بدليل تقاربها مع موسكو وشرائها من روسيا صواريخ أس-400 لتعزيز دفاعاتها الجوية، على الرغم من انزعاج واشنطن من هذه الصفقة.
أنقرة تدرك أن الرئيس في الولايات المتحدة لا يرسم سياسات البلاد وحده، وأن هناك آخرين يشاركونه في صنع القرار، كما أن ترامب ما زال يواجه معارضة قوية في واشنطن. ولذلك لا يتوقع كثير من المحللين الأتراك تغييرا كبيرا بعد لقاء ترامب وأردوغان في سياسات الولايات المتحدة ومواقفها من الملفات التي تختلف فيها أنقرة وواشنطن.
* كاتب تركي