خلت نفسي أقف على عرفات الله مع الحجيج هذا العام، لكن قدر الله وما شاء فعل. فلكم تمنيت الحج بعد حجتي الأولى منذ ستة عشر عاما، ولكن كنت أقول لنفسي إنه من الأفضل أن تفسح المجال لغيرك طالما أديت الفريضة، ولكن لا أعرف لماذا يلح علي هاتف الحج هذا العام؟ ولماذا رغم رغبتي أشعر بعجزي عن السفر لأسباب لا تخفى على أحد.
تمنيت لو كنت بين الحجيج، من هنا ننوي ونحرم، وهنا بالبيت العتيق نطوف وهنا نسعى بين الصفا والمروة وهنا نبيت بمنى ثم ننطلق إلى عرفات ثم ننزل إلى المزدلفة ثم نعود فنرمي الجمرات ثم ننحر ونحلق رؤوسنا ثم نطوف ونودع البيت الحرام كما أمرنا ربنا وامتثالا لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
تمنيت ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، أن لو كنت بصحبة الأهل والأحباب الذين باعد الانقلاب بيني وبينهم سواء في بلدي
مصر أو خارجها فلا هم تمكنوا من الحج ولا أنا بمقدوري المغامرة والسفر للحج ولست أدري هل بمقدوري العودة مرة أخرى غانما سالما أم ستقوم السلطات بعمل الواجب نحو الانقلاب وتسليمي لها كعربون صداقة وتأكيد على متانة العلاقات الأمنية بين سلطة الانقلاب في مصر وسلطة دعم الانقلاب في المملكة، فكما تعلم عزيزي القارئ فقد تواترت الأخبار التي تفيد بأن السلطات في السعودية قامت بتسليم معتمرين ليبيين بحجة أنهما من فصيل لا ترضى عنه المملكة.
لم أعد أثق في فكرة أن المملكة تؤمن بالفصل بين الحج والسياسة، بل غالب ظني أنها تعتمد الحج كموسم للسياسة، وعن طريق الحج تساوم هذا البلد أو ذاك عبر تحديد عدد الحجيج، أو كما تفعل في مصر الانقلاب حين تقوم بدعوة كبار الساسة والصحفيين وتقدم لهم خدمة سبعة نجوم لأن هؤلاء يردون لها الجميل عبر تشريعات تضمن مصالح المملكة كما حدث في بيع تيران وصنافير فقد تم إسكات أعضاء برلمان الدم بألف تأشيرة حج، كما تم دعوة كل الصحفيين والإعلاميين المطبلين لبيع الجزيرتين ودافعوا عن سعوديتها رغم أنهما مصريتان حتى النخاع.
الدعوات التي توجه للوفود من أجل التمتع بالحج وبصحبة الأمراء والعودة بالهدايا هي عين العمل السياسي والعلاقات العامة، وفي نفس الوقت الذي يسمح فيه بدعوة (س) من الناس يمنع من الحج ولو على نفقته (ص) لأن السلطات لا ترضى عنه أو ربما لم يقدم ما يستحق عليه السماح له بالمرور إلى الأرض المقدسة التي هي في الأساس ملك للأمة وإن كانت المملكة مستأمنة عليها.
الحج هذا العام ليس كمثله في سابق الأعوام وأنا أشاهد عملية تسييس واضحة فيم يخص قطر وأهلها الذين منعوا الحج رغم أنهم من ذوي القربى ومن الجيران الذين لا تفصلهم عن المقدسات سوى ساعات بالسيارات. لماذا حرم القطريون من الحج إلا بعد واسطة مزعومة من أمير قطري بدا لي ولغيري كمن يتسول على باب لئيم يعلم أنه لن يمنحه حجا ولن يعطيه وجها.
منع القطريون وتقريبا كل الرموز السياسية التي تعارض الانقلاب التي تدافع عن مصرية أراضينا من الحج ومن العمرة، ولعل قائل يقول لم يمنع أحد ولو عندك دليل أخرجه لنا؟ وأقول لو كانت السلطة في المملكة جادة في أنها مؤتمنة على المشاعر حقا فإن من واجبها أن تقدم الضمانات للحجيج خصوصا السياسيين الذين يختصمونها في قضايا يعلمها الجميع.
لو كانت المملكة لا تقوم بتسييس الحج لخرجت ببيان إلى الناس أن الحجيج في ذمة الله و ذمة السلطات وإن اختلفوا مع النظام ، وأن المملكة تضمن لهم الحج دون مضايقات وتضمن لهم العودة من حيث أتوا دون التعرض لهم.
زوار بيت الله وإن اختلفت مفاهيمهم وأفكارهم طالما جاءوا بسلام لا يضمرون شرا ولا يدبرون أمرا فيجب توفير الحماية والأمن لهم وليس لهم المطاردة من أجل ترضية هذا الحاكم أو ذاك.
لوكنت مكان النظام الحاكم في المملكة اليوم وعند نشر هذا المقال أن يأمر بفتح المجالات كافة أمام الحجيج من قطر قطريين كانوا أو من جنسيات أخرى، وأن تقوم المملكة بإبداء حسن النية ومنح من تأخر لسبب أو لآخر فرصة لحج البيت ويعتمر ويعود سالما غانما وتعلن أمام العالم أن خدمة الحرمين تستوجب عليها ألا تعتقل أو تسجن أو تؤذي حاجا أو معتمرا حتى ولو طالبت به الإنتربول لأن منطقة الحج ليس ملكا للملكة وحدها بل ملكا للأمة بأسرها وهذا مخرج لها من أزمتها المرتقبة نتيجة تسييس الحج أو محاولة تسييسه.
لا أعرف على وجه الدقة من صاحب اقتراح الوساطة من أجل السماح للقطريين بالحج، فهذه أسوأ مبادرة في التاريخ، وأسوأ تحرك سياسي للنظام الذي ظل يردد أن الأجواء ستفتح وأنه لا تسييس للحج، فلما جاء موسم الحج صرحوا بأنهم سمحوا بالحج تلبية لشفاعة أمير أو شيخ مهما علا شأنه، مجرد التصريح بأنه تم السماح بالحج نتيجة للوساطة هو تسييس للحج.