نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا لمراسلها في بيروت ريتشارد سبنسر، عن وضع السكان المدنيين في مدينة
الرقة المحاصرة، قائلا إنهم يأكلون الأعشاب، ولا يهتم أحد بالجثث الملقاة في كل مكان.
ويقول سبنسر: "في الموت الجميع متساو، فالجثث المتعفنة للضحايا التي قتلها
تنظيم الدولة ملقاة إلى جانب جثث مقاتليه الذين ماتوا بسبب الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وهي ملقاة في الشوارع؛ بسبب كثافة القتال لاستعادة آخر معقل للتنظيم في
سوريا، ومن الخطورة بمكان المغامرة والخروج من البيت لسحبها من الشوارع".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن معركة الرقة، التي يدافع عنها التنظيم بقوة ومهارة ضد قوة نصف مدربة وغير نظامية، مكونة من مليشيات مسلحة، أصبحت من أبشع المعارك في سلسلة من حروب المدن التي شهدتها المنطقة هذا الصيف.
وتنقل الصحيفة عن ناشط منذ بداية الثورة السورية وظل في المدينة يكتب عن وضعها تحت اسم مستعار "تيم رمضان"، قوله إن أحدا لم يعد يجمع الجثث "أصبح منظر الجثث عاديا، إلى درجة أننا لم نعد نلاحظها"، وأضاف: "ما يلفت نظري أكثر هو رؤية شجرة أو نبتة لا تزال واقفة في الشارع".
ويلفت الكاتب إلى أن عدد المدنيين الذين قتلوا بسبب القصف الجوي مرتفع بمقاييس الحرب، حيث قتل 700 شخص في نهاية الأسبوع الماضي، بحسب المنظمة التي تقوم من لندن برصد الضحايا المدنيين "إيروورز"، حيث تحدث رمضان عن سبب الزيادة في عدد القتلى قائلا إنه نابع من تجمع الناس الفارين من جبهة قتال إلى أخرى في مكان واحد، مشيرا إلى أنه نظرا لعدم توفر الطعام، فإن الناجين من الغارات أصبحوا يبحثون بين الفضلات عما يأكلونه.
ويقول رمضان: "منذ 34 يوما لم يعد لدينا دواء، وانتهى الطعام منذ عشرة أيام"، ويضيف: "نقوم بصناعة حساء من الأعشاب التي نجمعها من الشوارع، أو نقوم بغلي ورق الأشجار، وخلطها بالخبز اليابس؛ ليكون لها مذاق".
ويفيد التقرير بأنه لا يتوفر للسكان أي محلات للطعام إلا التنظيم الذي يحتفظ بدكاكين للغذاء، لافتا إلى أنه من يقبض عليه وهو يبحث في محلات تركها وراءه فإنه يعاقب بتهمة النهب، ويقول رمضان: "أخبرونا منذ اليوم الأول للمعركة لا تتوقعوا منا أن نوفر لكم شيئا لتأكلوه، فحياة المجاهدين الذين يدافعون عن المدينة أهم من حياتكم، وقد تتخلون عن المدينة لو سنحت لكم فرصة، إلا أن المجاهدين كرسوا حياتهم لقتال الصليبيين".
وتذكر الصحيفة أنه بعيدا عن القصف الذي دمر المدينة، التي لا يزال فيها 20 ألف نسمة، ولم يعد فيها ماء ولا كهرباء أو طعام، فإن نصف هؤلاء من الأطفال، بحسب مدير منظمة الطفولة العالمية (يونيسف) في سوريا فران أكويزا.
ويورد سبنسر نقلا عن أبي همام، الذي فرّ من المدينة قبل أسبوعين، قوله: "قتلت عائلة عمي كلها، وعدد أفرادها 11 شخصا، عندما كانوا يختبئون في الطابق الأرضي لعمارة من ستة طوابق، ودمرتها غارة جوية"، ويضيف أبو همام أنه فر بعدما ضرب الطيران بئرا كان يعتمد عليه من أجل الشرب، ويتابع قائلا: "حاولنا الهرب مرتين، إلا أن تنظيم الدولة قبض علينا ووضعنا في السجن، حيث ضربنا وعذبنا، وفي هذه المرة كنا 60 شخصا في بيت مهرب، لا يبعد إلا أمتارا عن خط القتال، وكان علينا الزحف لنتجنب رصاص القناصة من الطرفين، حتى وصلنا إلى بر الأمان، وشعرت أنني ولدت من جديد".
وبحسب التقرير، فإن من يهرب من الرقة يجد نفسه في مخيمات في الصحراء، حيث أصبحت الحدود مغلقة وسط تقدم قوات النظام، حيث يقول أبو همام: "لم يعد لدي شيء، لا شيء"، ويضيف: "ليس لدي سرير للنوم عليه، ولا صحن طعام، وليست لدي وظيفة أو أمل، وكل ما أريده هو خيمة لعائلتي".
وتنوه الصحيفة إلى أن معركة استعادة الرقة دخلت شهرها الثالث دون وجود أي إشارة إلى موعد نهايتها، لافتة إلى أن الطيران الأمريكي أو البريطاني لا يدعمان جيشا نظاميا، كما في حالة الموصل، بل مجموعة من المليشيات التي يقودها مقاتلون من قوات حماية الشعب الكردية ومقاتلون من العشائر.
ويبين الكاتب أن قوات الحماية تعد فرعا سوريا لحزب العمال الكردستاني التركي المصنف منظمة إرهابية، مشيرا إلى أن التنظيم خطط بدقة للدفاع عن المدينة، التي خسر حتى الآن نصفها.
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه تم تصوير الرقة بأنها مدينة صحراوية صغيرة، وليست مهمة إلا لأنها أول مدينة يسيطر عليها التنظيم، لكنها تظل مدينة تاريخية، حيث نقل الخليفة العباسي هارون الرشيد عاصمته إليها، وكانت قبل الثورة معروفة بالتفكير الحر، رغم كونها مركز القبائل العربية في وادي الفرات.