انبثقت عدة
أحزاب سياسية وشخصيات تبوأت المشهد طيلة فترة "مجلس الحكم الانتقالي" والتي استمرت سنة واحدة فقط، حيث كانت الشخصيات التي تبوأت مقاعد المجلس هي نواة تشكيل الأحزاب السياسية
العراقية في الفترة اللاحقة وما تبعها.
تزايدت أعداد الأحزاب في العراق، حتى أن معدل الزيادة صار يُعدّ بالأيام، فوصل عدد الأحزاب المشاركة في
انتخابات عام 2014 إلى ما يزيد عن 265 حزبا وتجمعا سياسيا صادقت عليه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في حينها، ما لبثت هذه الأحزاب أن اندمجت فيما بعد في 36 كيانا سياسيّا كبيرا.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة العام القادم، فقد وصل عدد الأحزاب السياسية المسجلة حتى اللحظة إلى 300 حزب وكيان سياسي في بلد يُسجّل أعلى عدد من الأحزاب في العالم نسبة إلى عدد سكانه.
يرجع تزايد عدد الأحزاب المطّرد إلى الإجراءات المتبعة في تسجيل واعتماد أي حزب جديد، إذ تنص إجراءات تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية، الصادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عام 2016، على وجوب توافر "قائمة ورقية بأسماء أعضاء الحزب، والتي تضم ما لا يقل عن ألفي عضو من مختلف المحافظات (على أن لا تقل عن محافظتين)، مع مراعاة تمثيل النساء، وفقا للنموذج المعد من قبل الدائرة بالإضافة إلى تقديم جدول إلكتروني لنفس الأسماء"، وبالتالي باستطاعة أي مجموعة من ألفي شخص تكوين حزب سياسي جديد، وفق الإجراءات الجديدة.
أدّى الحاكم المدني في العراق بول بريمر دورا مهما في ظهور عناوين سياسية شخصيات وكتل عديدة لا خبرة لهم في العمل السياسي، فقد شجع رؤساء ووجهاء عشائر معروفة في العراق لتشكيل تكتلات وأحزاب سياسية مثل عشيرة الجبور والتميم مقابل وعود بمكاسب مهمة في الدولة العراقية الجديدة.
وتكشف بعض المصادر عن وجود مؤسستين ملحقتين بوزارة الدفاع الأمريكية، هما المعهد الديمقراطي الدولي للشؤون الدولية (NDI) والمعهد الجمهوري الدولي ،(IRI) خصصتا مكاتبهما في العراق بمبالغ لتمويل الأحزاب. البعض يرى في هذه التوجهات رغبة أمريكية في تفكيك الجبهة الداخلية للقوى السياسية، ومنع قيام جبهة واحدة متحدة تتعامل وتتعاطى معهم من خلال إيجاد أحزاب متعددة، وبالتالي، قناعات ومصالح متعددة بل ومتضاربة أحيانا، يمكن أن تخلقها التعددية الحزبية، وبذلك فإن فكرة التعدد الواسع للأحزاب وفي العراق، بحسب أصحاب هذا الرأي، هي فكرة خارجية تسعى لتحقيق هدف واحد؛ وهو غياب جبهة عراقية موسعة، فيما يرى آخرون أن تشجيع الأمريكيين للتعددية الحزبية الكبيرة كان من أجل إثبات أنهم جاؤوا دعما للديمقراطية ولأجلها.
أغلب الأحزاب حديثة التشكيل ليس لها برامج سياسية واضحة، بل تدور حول كاريزما شخصية معينة أو مجموعة شخصيات ولا تريد أن تخسر مواطن نفوذها. كما أن أغلب الأحزاب حديثة التشكيل ليست قائمة على وجود تنظيم حزبي ولا ترغب بذلك، فالقائمون على تلك الأحزاب يعتقدون أن التنظيمات تكبّل نشاطاتهم وتحد من مرونتها وتقلباتها
سبب الفوضى في العراق ليس تعدد الأحزاب فقط، وإنما الأحزاب المسيطرة التي تحمل مشروعا فرعيا غير وطني بثوب الدولة الوطنية، إضافة إلى غياب الأسس الدستورية الصارمة للعقدين الاجتماعي والسياسي. فهذه الأسس تنظم التنافس السياسي غير العنيف، وتؤدي إلى مخرجات إيجابية بدل الفوضى المسيطرة الآن التي أدخلت العراق في عسر التحول الديمقراطي.
وتصاعدت في السنوات الأخيرة الاتهامات ضد الأحزاب السياسية باستخدامها القوة المسلحة في تمويل نشاطها، ليس فقط عن طريق عمليات تهريب النفط وبيعه في الموانئ الإقليمية، فقد تعدى الأمر ذلك إلى عمليات السطو المسلح والخطف والابتزاز.
هي فوضى الأرقام وغياب المشاريع والبرامج السياسية لبلد كان من المفترض أن يسير على درب آخر غير الذي عهده بعد سقوط النظام السابق، لكن غاية إضعافه وإبقائه تابعا لواشنطن تارة، وإيران تارة أخرى، جعلت العملية السياسية فيه أشبه ما تكون بمسرحية هزلية الكل فيها يمارس دوره المحسوب والدروس والتفق عليه مسبقا.