قال
عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، والمعتقل السياسي بسجن العقرب سيئ السمعة، إن نظام السيسي حاول بجميع الوسائل إخضاع أعضاء جماعة
الإخوان المسلمين داخل السجن وفشل.
وأوضح سلطان في مقال، نشرته صحيفة "هافنغتون بوست"، أن نظام الانقلاب استخدم "كل وسائل التعذيب والبطش، بدءا من منع الطعام والشراب والعلاج والزيارة والكتب والتريّض، وانتهاء باستخدام السلاح الحيّ والمواد الحارقة والكلاب البوليسية، كل ذلك في إطار برنامج مدروس لإخضاع الإخوان، وحتى الآن لم أر أحدا ما خضع أو تراجع".
وحكى سلطان بعض ما عاناه الإخوان داخل
سجن العقرب قائلا: "من الزنزانة رقم 14 بجواري مباشرة ينبعث أنين الألم والوجع، ألم العصب من ضرس المهندس إبراهيم أبو عوف، 70 سنة، كان رئيسا للجنة الإسكان بمجلس شعب الثورة، وأمينا لحزب الحرية والعدالة بالمنصورة، يبحث أبو عوف في زنزانته عن حل فلا يجد، فرشاة الأسنان والمعجون محظورة، والعلاج بأنواعه ممنوع، حتى المسكنات ممنوعة، ننادي جميعا على السجانين بأصوات عالية فلا يجيبون".
واستطرد: "قبلها بأيام أخبرنا طبيب السجن وضابط المباحث أن لديهما أوامر بإطفاء المواتير! أي عدم الاستجابة لأي مشكلة أو حلها، يزداد الأنين بزيادة الألم، ينهض أحمد عارف، طبيب وجراح الفم والأسنان، واقفا أمام النظارة (فتحة في باب الزنزانة)، ويدور حوار طويل بينه وبين أبو عوف عن أي شيء موجود في زنزانته، يجد أبو عوف قطعة صغيرة من الصابون الميري (أسوأ أنواع الصابون في الدنيا)، ينصحه عارف بتدليك اللثة بقطعة الصابون، أتعجب وأسكت، فالصابون القلوي يعادل أحماض الفم المتسببة في ألم العصب، هكذا يشرح أحمد عارف، يمتثل أبو عوف للنصيحة، يختفي الألم وينام الرجل بسلام، في الصباح يتسلل المخبرون لاستقصاء الأمر، يعلمون حقيقة ما حدث، يصابون بالإحباط".
وأردف: "هكذا أتابع من خلال سنتيمترات أعلى باب زنزانتي الفولاذي رقم 13 بسجن العقرب، يسمونها النظارة، وأسميها البلكونة، أتابع المباراة أو المعركة المثيرة بين النظام والإخوان".
وتحدث عصام سلطان عما يعانيه عناصر جماعة الإخوان المسلمين من أمراض داخل السجن، التي تتفاقم بالإهمال الطبي، وعزيمتهم القوية رغم ذلك، قائلا: "إذا نحن أمام برنامج إخضاع أو تركيع أو تحبيط، على مدى أربع سنوات لم يؤتِ ثماره، ربما العكس، ربما كان الإحباط من نصيب إدارة السجن".
وكشف سلطان أن الإخوان يقضون "وقتهم في الصلاة والصيام والقيام وبرامج يومية بين المغرب والعشاء تتضمن محاضرات ومسابقات وخواطر، ويحرصون على حفظ ومراجعة القرآن الكريم، والحصول على إجازة من الدكتور صفوت حجازي، الذي منعته إدارة السجن من مواصلة دروسه القيمة في السيرة النبوية، وأمهات المؤمنين، وتاريخ بني إسرائيل".
واستطرد: "يحكي لنا خليل العقيد يوميا حلقات مسلسل (قيامة أرطغرل) كأنك تشاهده تماما".
وحكى سلطان جانبا من النقاش الذي يدور بينه وبين عناصر الإخوان قائلا: "بعد أن أنهيت محاضرتي عن تركيا وتاريخها الحديث، وتطور الحركة الإسلامية عقب إسقاط الخلافة الإسلامية، وصولاً إلى حزب الرفاه، بقيادة أربكان، ثم خروج مجموعة الشباب وانفصالهم عنه (أردوغان وعبد الله غول وداود أوغلو)، وتأسيسهم حزب العدالة والتنمية، وبدء مشاركتهم السياسية الواعية، ونجاحاتهم التي حققوها في معظم المجالات حتى الآن، صدر تعقيبان صادمان على المحاضرة من شخصيتين".
واستطرد: "أحدهما عضو بارز في مكتب الإرشاد، والثاني قيادي في الفريق الرئاسي للرئيس مرسي، مفادها أن تجربة أردوغان ستسقط، هكذا قال الأول، أما الثاني فقرر أنه لا يعتبر حزب أردوغان حزبا إسلاميا، وإنما الإسلاميون في تركيا هم الإخوان المسلمون".
وأشار إلى أن هذا التعقيب استنكره "المرشد والدكتور الكتاتني وعدد من القيادات.. وقرروا أن هذا رأيهما الخاص، وأنهما لا يعبران عن رأي الإخوان".
وتابع سلطان قائلا: "كثيرا ما أهمّ بمفاتحة المرشد في عدد من القضايا الحساسة والشائكة التي أخطأ فيها الإخوان، خصوصا في الفترة التي أعقبت ثورة يناير مباشرة، إلا أنني سرعان ما أتراجع أمام رجل يبلغ من العمر 75 سنة، ويعاني عددا من الأمراض الشديدة، بدءا من الفم الذي جردوه من طاقم الأسنان، ونهاية بالبواسير التي تمنعه من الجلوس على المقعد داخل سيارة الترحيلات، أو قاعة المحكمة".
وأضاف: "فالرجل حضر حتى الآن حوالي 700 جلسة محكمة، وصدر بحقه ما يقارب المائتي عام سجنا، وحكم عليه بالإعدام، ومع ذلك فلا يشكو ولا يتأوّه، حالة فريدة في الصمود والصبر الجميل، أستحي أن أطرح عليه أي سؤال، أشكره على ابتسامته التي لا تفارق شفتيه، وحبات القرنفل التي يضعها في يدي كل جلسة".
وتابع: "يعيش الإخوان حالة صفاء وإخلاص وحب لله، ومسؤولية تجاه الوطن تستلزم الصمود، ولكن هل الإخلاص والصمود كافيان لبناء حضارة، بدون العلم والدراية بوسائل وآليات وعلاقات الحكم والسياسة التي قذف الإخوان أنفسهم فيها؟".
وقال سلطان: "سألت الإخوان: ماذا تدرسون من مناهج داخل الأسر الإخوانية؟ أجابوني: ندرس الفقه والعقيدة والتفسير والدعوة و.. فقط. سألتهم: هل تدرسون شيئا عن السياسة أو القانون العام أو الاقتصاد أو تاريخ
مصر الحديث أو المجتمع المصري؟ أجابني بالنفي. أردفت: إذن كيف كان تصوركم لحكم وإدارة واقع لا تدركون أبعاده وعمقه وتحدياته؟ تعددت الإجابات، والحيرة واحدة!".
وحكى سلطان قائلا: "في اليوم التالي ابتدرني قيادي شاب بحماس: نحن ندرس الإسلام وهو نظام شامل وكامل ينظم كل مناحي الحياة ألا يكفي هذا؟ قلت: نعم الإسلام نظام شامل، ففيه الدعوة والفقه والتفسير، وفيه أيضا السياسة والاقتصاد والاجتماع؛ لأنه شامل، إلا أنكم تدرسون جزءا، وهو الدعوة وأخواتها، وتتركون جزءا وهو السياسة ولوازمها، وهذا يعد إخلالاً بمبدأ الشمول الذي تحتج به!..
واستطرد بالردّ قائلاً: طالما أنني ملتزم بالسلوك الدعوي سواء داخل الحكم والسياسة أم خارجهما فلا تثريب عليَّ، قلت: لا، وشرحت أنّ كثيرا من قواعد ومبادئ الدعوة عكس قواعد ومبادئ السياسة"
وأضاف سلطان: "مضى من وقت المباراة أو المعركة بين النظام والإخوان أربع سنوات، تشير الساعة إلى أن المباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة.. هل ستنتهي بالنقاط؟ أم بالضربة القاضية؟ الله أعلم".
واعتبر أن "الجمهور آخذٌ في التحوّل من مدرّجات النظام إلى مدرّجات الإخوان؛ حيث لم يمدّ لهم النظام (اليد الحانية) التي وعد بها، ولكنه مدّ لهم يدا مسمومة، سرعان ما تمتلئ مدرجات الإخوان".
وختم سلطان مقاله قائلا: "الحلول الجادة لا تنبت في أجواء مسمومة، وإن الأحرار المخلصين لا يخضعون أمام الضغوط، ولكن تأسرها الكلمة الطيبة.. كلمة حق وعدل، وإن أسلوب العصابات لن يزيد المشاكل إلا تعقيدا".