نشر موقع "VOX" مقالا للكاتب عالم زيشان، يتساءل فيه عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الحصار الذي فرضته
السعودية على
قطر.
ويقول زيشان في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "فرض الحصار لا يرتبط بدعم الإرهاب، أو الإخوان المسلمين، لكنه بسبب احتياطي هائل من
الغاز الطبيعي، فهذه المنحة الطبيعية هي التي أدت إلى صعود قطر على المسرح العالمي، وبناء ثروتها، لا النفط، وهي السبب الذي يفسر استقلالية هذا البلد الصغير عن باقي دول المنطقة".
ويضيف الكاتب أن "الناس عادة ما ينظرون إلى دول الشرق الأوسط معتقدين أن الثروة نابعة من النفط، إلا أن الأخير لم يتم توزيعه بشكل متساو في المنطقة، ولا يعد المصدر الوحيد للثروة المالية، فالغاز الطبيعي هو الذي أدى إلى ثروة قطر، التي تعد الأغنى في العالم من ناحية دخل الفرد السنوي، وهو ما يفسر محاولة جيرانها عزلها، في أكبر أزمة دبلوماسية تمر على منطقة الشرق الأوسط".
ويتابع زيشان قائلا إن "اقتصاد قطر ليس مرتبطا بالنفط، ما يعني أنها ليست مقيدة بسياسات السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، وزعيمة منظمة أوبك، التي تقنن سياسات إنتاج النفط وتصديره، وتحصل قطر على أربعة أضعاف ما تحصل عليه السعودية من تصدير النفط، ولهذا فهي ليست مقيدة بالإملاءات السعودية، وهناك عامل آخر يؤكد استقلالية قطر هو أن الغاز الطبيعي (مسال)، ويتم شحنه بالسفن التجارية لا أنابيب الغاز، بشكل لا يجعلها أسيرة لسياسات الدول الغاضبة منها، بالإضافة لهذا فإن الغاز يستخرج من حقول في البحر، تشترك فيها مع
إيران، منافسة السعودية التقليدية".
ويجد الكاتب أنه "لهذا كله، فإن استقلالية قطر في مجال الطاقة تحولت لاستقلالية في السياسة الخارجية، بحيث باتت لاعبا على المسرح العالمي، وتطورت الإمارة الصغيرة، التي كانت محمية بريطانية في العقود الماضية، إلى لاعب دولي تعاند الرياض على عدة من الجبهات، سواء من خلال إعلامها الدولي، الممثل بقناة (الجزيرة)، أو دعمها لجماعات مثل الإخوان المسلمين، التي يعدها السعوديون وحلفاؤهم تهديدا وجوديا، أو من خلال علاقتهم الجيدة مع منافستي السعودية، تركيا وإيران، ولأن السعودية لم تكن قادرة على التحكم بقطر، فإنها تقوم الآن باستخدام تأثيرها الدبلوماسي لإلحاق الضرر بهذه الدولة الصغيرة، ولهذا قامت مع كل من الإمارات والبحرين ومصر، بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وحصارها برا وبحرا وجوا".
ويشير زيشان إلى أن "قطر اكتشفت الغاز الطبيعي عام 1969، إلا أنه لم يكن مثيرا لاهتمام المستثمرين، وكان لجيرانها ما يكفي من الغاز الطبيعي، وكانت أوروبا بعيدة، ولم يكن الغاز الطبيعي مهما إن لم يتم إيجاد سوق له من خلال الأنابيب، وكانت قطر دولة نفطية متوسطة من ناحية الإنتاج، وكانت تفضل أن تكتشف بئرا للنفط بدلا من حقل غاز".
ويستدرك الكاتب بأن "الوضع تغير في عام 1995، حيث قدم الأمير حمد بن خليفة، الذي أطاح بوالده في انقلاب أبيض، قطر على أنها مصدر مهم في مجال الغاز الطبيعي، الذي يتم تبريده لحالة السيولة، ولا يأخذ مساحة كبيرة، ويتم شحنه حول العالم وحول بلاده لأكبر مصدر له في العالم".
ويبين زيشان أنه "مع تحديث اقتصاديات المنطقة، باتت دول الخليج تعتمد على قطر في الغاز، الذي يرسل إليها عبر الأنابيب، ويتم توليد نسبة 40% من الكهرباء في الإمارات اعتمادا على الغاز القطري".
ويلفت الكاتب إلى أن "الغاز الطبيعي حوّل قطر من محمية بريطانية ومنتج متوسط إلى دولة عملاقة في مجال الطاقة، وكانت قطر راغبة باستخدام الثروة من الغاز لتبني هوية جيوسياسية خاصة بها، بشكل أغضب السعوديين، ولأن قطر تشترك مع إيران في حقل الغاز، وهي دولة شيعية على تناقض مع السعودية ودول الخليج، فلم تجد قطر بدا من إقامة علاقة معها، خاصة أنها بلد أكبر، ويمكن أن تطالب بحق أكبر في حقل الغاز، وفي المقابل تفضل السعودية السياسة الصدامية مع إيران".
ويفيد زيشان بأن "قطر استطاعت أن تنجو من الهيمنة السعودية عليها مع أنها عضو في منظمة أوبك، إلا أنها ليست بحاجة للالتزام بالسياسات النفطية، ويعد نقل الغاز عبر السفن وليس من خلال أنابيب تمر في دول الجيران، فائدة استراتيجية، ونظرا للوجود العسكري الأمريكي في الخليج، حيث يقوم الأسطول الأمريكي بتأمين تدفق الغاز والنفط من مناطق الخليج، وبعيدا عن الهيمنة السعودية فإن قطر عملت بنشاط لتصنع لها اسما في العالم، وعندما طلب السعوديون من القوات الأمريكية عام 2003 الخروج بسبب المخاوف المحلية والمشاعر المعادية للولايات المتحدة التي تبعت هجمات 9/11، اقترحت قطر على الأمريكيين الانتقال لقاعدة عسكرية على أراضيها ونجحت في ذلك".
وينقل الكاتب عن جيم كرين، من معهد بيكر في جامعة رايس، قوله: "كان الإنجاز الاستراتيجي الرئيسي للشيخ حمد هو أنه أقنع البنتاغون بالانتقال إلى قاعدتيه، العديد والسيلية".
ويقول زيشان إن "قاعدة العديد يعمل منها 11 ألف جندي، وهي مركز عمليات الحملة ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، حيث اشترت قطر، بالإضافة إلى استقلالها الاقتصادي، حاجزا أمنيا".
وينوه الكاتب إلى أنه "مع صعود قطر عالميا، فإنها قامت بعدد من المبادرات، التي كانت مصدر غضب الجيران، حيث ضخت ملايين الدولارات في قناة (الجزيرة)، وانحرفت قطر عن موقف السعودية والنظام القديم في أثناء الربيع العربي، وقامرت بوضع المال في الحركات الشعبية الصاعدة ضد الحكومات المستبدة في الشرق الأوسط، سواء من خلال إرسال أسطولها الصغير للمشاركة مع الناتو في ليبيا، أو دعم حركة الإخوان المسلمين في مصر بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك".
ويعلق كرين قائلا: "دعمت قطر الإخوان المسلمين لأنها تعاملت مع الإسلام السياسي، وربما كانت مخطئة، في اعتباره اتجاه المستقبل"، ويضيف: "عندما يكون جيرانك كلهم ملكيات مطلقة يستخدمون الإسلام لشرعيتهم، فإنهم ينظرون للإخوان على أنهم تهديد".
ويورد زيشان أن "السعودية والإمارات والبحرين قطعت علاقتها مع قطر في عام 2014، في تحرك كان أقل تأثيرا من اليوم، وقدمت قطر بعض التنازلات، وحدت من تعاملها مع الجماعة، وتعاونت دبلوماسيا وأمنيا مع جيرانها، لكن التحالف هذه المرة يتصرف بطريقة أشد".
ويقول الكاتب إن "من مصلحة الولايات المتحدة حل المشكلة، ففي الوقت الذي طالب فيه وزير الخارجية ريكس تيلرسون بتخفيف حدة الخطاب، قام الرئيس دونالد ترامب بتعقيد المشكلة، عندما اتهم قطر بأنها داعمة للإرهاب على أعلى المستويات".
ويخلص زيشان إلى القول: "عليه، فإن استمرار الأزمة قد يخلق فراغا، ويقوي المنافسين، حيث يقول مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة ولاية جورجيا ومؤلف كتاب (قطر: تاريخ حديث) ألن فرومهيرز: (كلما كانت هذه القوى في الخليج منقسمة وضعيفة لم تكن قادرة على قمع النشاطات المتطرفة، علاوة على تمويل المتطرفين)، مضيفا أن الولايات المتحدة لا تريد بالتأكيد سيناريو تتنازل فيه لإيران، (وهو ما ستنتهي إليه الأوضاع إن لم تستطع دول الخليج التوصل إلى حل سلمي)".