مرّ أكثر من شهر على الحملة الممنهجة التي بدأتها المملكة العربية
السعودية ودولة
الإمارات، ومن ورائهما البحرين ومصر، على دولة
قطر.. أكثر من شهر والدوحة تتعرض لحملة سياسية واقتصادية وإعلامية شرسة.
استخدمت وصف "شرسة" ولم أستخدم وصف "قذرة" احتراما للأيام الفضيلة التي نعيشها. الدوحة منذ اللحظة الأولى تعاملت مع ظلم ذوي القربى بعقل بارد، رغم تدحرج الخطوات وتسارعها. فلم يصدر عن القيادة القطرية أي ردة فعل غير محسوبة. هذه الحكمة في التعاطي شملت الشعب القطري الذي لم تصدر عنه أي إساءة تجاه شعوب دول
الحصار وحتى حكوماتها، رغم سيل الشتائم والإهانات والضغينة التي امتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعي تجاه قطر ورموز قطر وشعب قطر.
فلنعد إلى منتصف ليل 24 أيار/ مايو الماضي: وكالة الأنباء الرسمية لدولة قطر يتم اختراقها بفبركة تصريحات منسوبة لأمير الدولة، ترافق ذلك مع فبركة الشريط الإخباري للتلفزيون الرسمي. رد الفعل القطري أمام هجمة لم يُعرف حجمها ولا أهدافها ولم يتم التأكد من الأطراف التي تقف خلفها، كان نفيا مقتضبا أصدره مدير مكتب الاتصال الحكومي، إلى جانب بيان من وكالة الأنباء أكد حصول الاختراق ونفى مضمونه. الدول التي تقف وراء ارتكاب جريمة الاختراق لم تستحِ بما فعلت، بل على العكس، فهي تجاهلت النفي واستغلّت الاختراق لشنّ حملة لم تهدأ حتى يومنا هذا، وما زالت رغم انكشاف الفبركة ونتائج التحقيقات التي شارك فيها الأف بي آي الأمريكي والاستخبارات البريطانية وانكشاف المخطط، تواصل وسائل إعلام دول الحصار الحملة المسعورة انطلاقا من الفبركة التي صنعوها.
من اللحظة الأولى كان واضحا أن الحملة الإعلامية لها ما بعدها، وأنها تمهيد وتحشيد وتبرير لخطوة أخرى، لكن الموقف القطري استمر على برودته، ما خلا مواقف طبيعية لوزير الخارجية القطري خلال جولاته الخارجية، جدد فيها التأكيد على مواقف الدوحة مستغربا الحملة الإعلامية التي يشنّها ذوو القربى على بلاده دون أي مبرر.
الخطوة المرتقبة جاءت بعد عشرة أيام على حملة إعلامية لم تهدأ. ففي عتمة ليل 4 حزيران/ يونيو، تم الإعلان عن حصار شمل المنفذ البري الوحيد لقطر، وحصار جوي وبحري؛ بذلت الدول المحاصِرة جهدها لإحكامه حول قطر وأهلها. البرودة القطرية لم تتغير، فإلى جانب الانشغال بتأمين احتياجات المواطنين والمقيمين على أرضها لتعويض النقص الحاصل جراء الحصار، تمسكت الدوحة بموقفها الرافض لأي تدخل بشؤونها الداخلية أو مطالبتها بالتخلي عن استقلال وسيادة مواقفها.
الإجراءات التي قامت بها دول الحصار، قابلته قطر بأداء مختلف. ففي مقابل الحصار الاقتصادي الذي حاولت دول الحصار فرضه على الدوحة، واصلت الأخيرة مدّ الإمارات بالغاز. وفي مقابل طرد دول الحصار للمواطنين من أراضيها رحبت الدوحة بكل من يود البقاء على أرضها. وربما لو مارست الدوحة ما مارسته دول الحصار لكانت طردت قرابة مئتي ألف مصري يعيشون على أرض قطر، وهنا ندرك مستوى الغباء الذي يتصرف به البعض.
وفي مقابل حفلة الشتائم وتوجيه الاتهامات الفارغة انصرفت الدوحة إلى تفنيد هذه الاتهامات وكشف زيفها وتآمر أصحابها، وكلفت مكاتب محاماة دولية لرفع دعاوى قضائية على الجهات التي تقف وراء جوقة الكذب، وبدأت وسائل الإعلام القطرية - ولو متأخرة - في إثارة قضايا وفتح ملفات أمنية وحقوقية وفساد للدول المحاصِرة وشخصيات فيها، استنادا لمعلومات موثقة وتقارير حقوقية صادرة من مؤسسات دولية.
ربما ما زاد في سعار حفلة الجنون التي تقودها دول الحصار على قطر، هو العقل البارد الذي على رؤوس المسؤولين في الدوحة. هذا العقل الذي راهن البعض أن تصدر عنه ردود فعل غير محسوبة وخاطئة، نظرا لحجم وشراسة الهجمة التي تعرضت لها قطر. لكن الرهان سقط، وتواصل الدوحة الحفاظ على برودة عقلها في مقابل عقول حامية بدأت تفوح منها رائحة الشواء.